يبدو أن المملكة السعودية استغلت منبر بيت الله الحرام في مكة المكرمة لجعل أئمتها يشيدون بحكامها ويقدسونهم ويدافعون عن أفعالهم في أعقاب مقتل المواطن الصحفي جمال خاشقجي بالقنصلية في إسطنبول، وذلك حسب ما جاء في مقال بموقع صحيفة نيويورك تايمز أمس الاثنين.
ونوه خالد محمد أبو الفضل في بداية مقاله إلى أن لملوك السعودية باعا طويلا في استغلال هذا المنبر لخدمة سلطتهم وذلك رغم لقب "خادم الحرمين الشريفين" الذي ينم عن التواضع، والذي يحمله الملك سلمان وبعض من سبقوه من ملوك العائلة الحاكمة.
وضرب الكاتب مثلا باستغلال العائلة المالكة لهذا المنبر المقدس بخطبة قال إنها "مثيرة للقلق وانتهكت حرمة الفضاء المقدس لبيت الله الحرام" ألقاها إمام وخطيب الحرم عبد الرحمن السديس يوم التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أي بعيد تفجر أزمة مقتل خاشقجي.
وأشار إلى أن السديس دافع في هذه الخطبة عن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وألمح إلى أنه مجتهد وموهبة إلهية للمسلمين يجدد به الله هذا الدين.
وأضاف الكاتب -وهو أستاذ القانون بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس- أن السديس أكد أن المملكة "ماضية في مسيرة التجديد رغم التهديدات والضغوطات".
ونقل عن السديس قوله إن أي محاولات لما وصفه بــ "التهديد وإجهاض التجديد محاولات يائسة، وستنعكس سلبا على الأمن والسلام والاستقرار العالمي".
وبحسب الكاتب اعتبر السديس في خطبته أن محاولات النيل من السعودية، في إشارة ربما إلى الاتهامات الموجهة للسلطات باغتيال الصحفي وتقطيع جثته إربا إربا "فيها استفزاز لمشاعر أكثر من مليار مسلم هي قبلتهم ومحل مناسكهم ومهد رسالتهم ومهوى أفئدتهم".
وذكر المقال أن وصف السديس لمحمد بن سلمان بأنه "مُحدّث" كان تشبيها له بالخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
خياران لا ثالث لهما
وعلق الكاتب على ذلك بأن علماء السعودية لم يطروا في السابق الحكام من على منبر الحرمين بمثل هذه "الوقاحة" إذ لم يجرؤ أحد منهم أبدا أن يصف أحد حكام البلد أو يلمح إلى أنه "مجتهد عصره".
وأوضح أن الخطب التي تلقى بالحرمين الشريفين تميزت في السابق بأنها كانت مكتوبة، رتيبة ومتوقعة، وكانت دوما تختم بالدعاء للملك، لكن الأئمة لم يجرؤوا أبدا على إضفاء صفات القدسية على الحكام بل كانوا يصرون على أن الحاكم يطاع ما أطاع الله.
غير أن الكاتب لاحظ تغيرا كبيرا في أسلوب الخطب منذ صعود محمد بن سلمان إلى السلطة، مذكرا باعتقال ولي العهد لمئات الأئمة وعلماء الدين ممن أظهروا أدنى ذرة من الاختلاف معه، بمن فيهم الشيوخ صالح آل طالب وبندر بليلة وسلمان بن فهد العودة... إلخ.
واعتبر المقال أن السديس بخطبته تلك لم يترك أمام المسلمين سوى خيارين، فإما أن يطيعوا محمد بن سلمان كملهم محدّث مصلح للدين والدنيا، وإلا فهم أعداء الإسلام.
وختم بأن استخدام بيت الله الحرام لتلميع أعمال الاستبداد والقمع وضع شرعية تولي محمد بن سلمان السيطرة والوصاية على الأماكن المقدسة بمكة والمدينة على المحك.
المصدر : نيويورك تايمز
[email protected]
أضف تعليق