شهدت البلاد في الايام الاخيرة فيضانات عديدة في جنوب البلاد وذلك بسبب حالة الطقس. اضافة الى الـكارثة الكبرى التي حدثت في احد اودية النقب، واودت بحياة عدد من الاشخاص، وقد كان من الممكن تفاديها، فيما لو اتخذت الاجراءات والتعليمات في هذا الشأن، فما هي الفيضانات الصحراوية، ولماذا تحدث؟، وكيف تصبح خطرًا وجوديًا لمن يصادفها؟ وكيف يمكن تجنبها؟

200 ملم مطر سنويًا

عن هذا الموضوع تحدث مراسل "بكرا" مع الاستاذ كامل يوسف يعقوب اللذي قال:" الصحراء او المناطق الجافة، هي مناطق جافة تغطي قرابة ربع مساحة اليابسة في النصف الشمالي من الكرة الارضية.ليست كل صحاري العالم من نفس النوع، ولا تتكون لنفس الاسباب، فمنها الصحاري الحارة ومنها الصحاري الباردة، ومن تتكوّن بسبب عوامل الضغط الجوّي وتوزيعه في العالم، ومنها ما يتكوّن لعدم وصول الرياح الحاملة للرطوبة اليها، ومنها يتكون قرب البحار التي يمر قرب شواطئها تيار بحري بارد، وغير ذلك.يمكن ان تعيش في الصحاري القليل من الكائنات الحيوانية والنباتية، حيث تسقط في معظمها كميات مختلفة من الرواسب الجوية، وعادة لا تزيد كمياتها عن 200 ملم مطر سنويًا. ومثل هذه الكمية ان سقطت، لا توفّر ما يكفي للزراعات البعلية".

التربة بمفهومها الكيماوي تكون نادرة في الصحراء

أشار الاستاذ بحديثه الى ان:" وبسبب قلة الرواسب الجوية من جهة، وشدّة التبخر من التربة ومن النباتات القليلة فيها، يكاد الغطاء النباتي ينعدم في الصحاري، وإن وجد فهو قليل جدًا ويتركّز في مجاري الاودية فقط، وتكون النباتات من الخازنة للمياه في اوراقها، وذات جذور واسعة الانتشار كي تستطيع ان تحصل على اكبر ما يمكن من مياه او رطوبة داخل التربة.تسود في المناطق الصحراوية الجافة ظاهرة التبلية (او التجوّية او "تفتت" الصخور)، الميكانيكية، اي تحوّل الصخور الى حبيبات صغيرة بفعل تمددها وتقلصها نتيجة فوارق بدرجات الحرارة بين الليل والنهار، وهذا يعني ان التربة بمفهومها الكيماوي تكون نادرة في الصحراء، ويقل وجودها وتكون محصورة الانتشار في مجاري الاودية فقط، بينما تنعدم في السفوح الجبلية".

اكدّ يعقوب على انّ:" وعادة تكون "التربة" والحطام الصخري في الصحراء غير متماسكة وسهلة الانفصال عن بعضها، كما ان انعدام النباتات "يسهّل" التفكك مما يحولها الى مادة سهلة الانتقال مع اي جريان مائي، وحتى نقل ريحي".

"منخفض البحر الاحمر"

عن امطار الصحراء، يقول:" كما ذكرنا بان امطار الصحراء تكون بكميات قليلة جدًا، وتتراوح سنويًا بين ملمترات قليلة وحتى 200 ملم متر في حدها الاعلى، ونادرًا جدًا ما تصل الى هذا الحد في صحاري الشرق الاوسط عامة وفي صحاري بلادنا خاصة.تختلف اسباب وظروف سقوط الامطار باختلاف مواقع الصحاري ضمن خرائط الضغط الجوّي العالمي، وفي بلادنا، وخاصة في النقب، تسقط الامطار الفجائية والغزيرة جدًا (كميات كبيرة جدًا نسبيًا خلال وقت قصير جدًا، واحيانً لا يتعدى عشرات الدقائق) اما الوضع السائد لسقوط مثل هذه الامطار في النقب فهو حين يتكوّن "منخفض جوّي" يعرف باسم "منخفض البحر الاحمر"، حيث تهب رياح حارة قادمة من صحاري شمال افريقيا، مارة فوق البحر الاحمر وتتحول الى جنوبية في طريقها الى الاردن وسوريا ولبنان وبلادنا وتكون محملة بكميات هائلة من بخار الماء من البحر الاحمر، وعند وصولها الى اليابسة فوق النقب وصحاري الاردن وصحاري سوريا وبلادنا، يأخذ الهواء بالارتفاع الى اعلى بتأثير ارتفاع درجة حرارته وبتأثير الكتل الجبلية التي تعترضه، وفي الحالتين/ تنخفض درجة حرارة الهواء، وتتوفر ظروف ملائمة جدًا لتكاثف بخار الماء فيتحوّل الى قطرات ماء كبيرة الحجم، فتأخذ بالسقوط لعدم استطاعة الرياح الصاعدة حملها، فتسقط بغزارة هائلة جدًا وبتسارع سقوط مذهل فتكون في مثل هذه الحالة مدمرة جدًا، اذ ان نقاط الماء عندما تصطدم بسطح التربة الجرداء والحطام الصخري، تعمل على هدم التماسك القليل اصلا بين حبيبات التربة، فتصبح سهلة للانجراف، ومن جهة اخرى تسدّ  حبيبات "التراب" التي تتطاير بفعل ضربة قطرة الماء، المسامات التي كانت بين حبيبات التربة، وهكذا تعجز التربة عن امتصاص الماء الى داخل التربة، فيتحول الماء الى جريان سطحي، ومع تجمعه  تتزايد كمياته، وتزداد قدرته على حمال التراب الذي قد تفكك، ويصبح الجريان خليطًا من الماء و"الطين"،  وتصبح قدرته هائلة التدمير، ويتزايد اندفاعه الى درجة ان يصبح تيار الماء والوحل قادر على جرف وحمل احجامًا واوزانًا قد تصل الى عشرات الاطنان".

"صيادو الفيضانات"

أكمل كامل يوسف يعقوب كلامه قائلا:" تتكون مثل هذه الظروف الجويّة (الضغط الجوي) في صحاري بلادنا في فترتي الانتقال (الخريفي وبالذات في شهر تشرين الثاني) والربيعي (وبالذات في شهر اذار) وفي بعض السنين يمكن ان تتكوّن مثل هذه الظروف في فصل الربيع حتى اشهر نيسان وايار، كما حصل هذه السنة.بالإضافة لما ذكر اعلاه من ظروف الضغط الجوّي، وسرعة سقوط المطر وفجائيته (ويسمى ايضًا "انكسار غيمة")، تسقط الامطار على مساحات ارضية واسعة، وتأخذ بالتجمع في مجار اودية ضيقة، وتكون سرعتها شديدة جدًا وقدرة الحمل فيها هائلة، ويمكن سماع هدير الماء في الوديان من على بعد مئات الامطار، ولكن قلائل جدًا من يميزون الصوت الآت من بعيد، خاصة لأولئك الذين لا يعرفون طبيعة الصحراء ولا طبيعة الفيضانات فيها، واذا كان اولئك في مجرى واد مغلق الجوانب، ولا امكانية في هربهم والتجائهم الى الاماكن المرتفعة، فسيكون الامل بنجاتهم شبه معدوم، وبالتالي يمكن تجنبها قبل وقوع كارثة، وما على المتجوّل في هذه المناطق الا التزود بمعلومات قبل وقت قصير من محطات الارصاد ومن المؤسسات التي تشرف على الرحلات والمتجولين في هذا المناطق في مثل هذه الظروف.هناك بعض الناس من هواة المغامرات الفيضانية الصحراوية، ويطلق عليهم لقب او اسم "صيادو الفيضانات"، وهم "يطاردون" الفيضانات من وادٍ الى اخر بسياراتهم رباعية الدفع وبمعداتهم ولباسهم الخاص، وهم في الغالب يكونوا ممن سبق وتدرب على سياقة السيارات، وبَخِنوا طبيعة الصحراء وعرفوا طبيعة فيضاناتها الفجائية القاتلة والمدمرة، وننصح هنا ان لا يقوم احدٌ بهذه التجربة ان لم تكن لدية المعرفة والخبرة وسلوكيات التصرّف في مثل هذه الحالات.في بعض الحالات الفيضانية خاصة عندما يكون بعض السائقين في طرق برية او طرق اسفلتية معبّدة، وتكون المياه تغمر شارع الاسفلت او الطريق الترابي، فيحاولون عبور الطريق او الشارع، ظنًا منهم ان عمق الماء ليس كبير، وانه على ثقة بانهم وسياراتهم يستطيعون العبور بسلام، وفي العديد من الحالات تكون محاولتهم هذه مغامرة غير محسوبة، وكثيرًا ما تنتهي بكارثة، فالسائق لا يعرف عمق المياه، ولا يعرف ان كانت على الطريق المغمور بالماء قد ترسبت كتل صخرية يمكن ان تسبب عطلا لسيارته، لا يعرف ايضًا ان كان الطريق قد جـُرف ام لا، وعندها تتوقف وتشكّل سدًا للمياه والوحل الهادر، فيتجمع الماء عند جانب السيارة ولا تمر ثوان حتى يدفع السيارة بما فيها الى مجرى الماء والمصير المجهول، ان لم نقل المنوم".

وأنهى كلامه قائلا:" لذلك قامت وما زالت الجهات صاحبة الشأن في مجال مراقبة السير والطرقات، بوضع اشارات لتنبيه السائقين الى ارتفاع الماء، فقد نصبت على جانب الطريق، وعند خط جريان الماء عارضة معدنية بطول 1-1.5م، وهي مرقمة (بالأرقام 005، 1.0، 1.5 متر) وتكون بلونين (الاحمر والابيض)، ويمكنها ان تظهر عمق الماء في المجرى.على جميع الاحوال يفضّل بل يجب التصرّف بحكمة وتروٍ وبعد القيام باي مغامرة من شأنها ان تحمل وبال على السائق ومن معه وعلى سيارته".
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]