بأجواء احتفاليّة، وحضور مهيب مثقّف ومتنوّع متعطّش للكتابة والثقافة، اكتظّت به قاعة سينمانا في الناصرة، أحيت الكاتبة النصراويّة دعاء عبد الرحمن الزعبي- خطيب أمسية إصدار باكورة أعمالها "خلاخيل"، وهو كتاب يضمّ نصوصا نثريّة وشعريّة، اختارت دعاء، بعضا منها لتقرأها خلال الأمسية. افتتحت الأمسية بمعزوفة على البيانو، من الفنّان نزار خاطر، ثمّ شرحت الكاتبة في بداية وقوفها على المنصّة سبب تأخّرها عن نشر إنتاجها حتّى اليوم، فقالت:
يسألونني لماذا تأخّرتِ؟ لماذا الآن؟
وهل للبداياتِ الجميلةِ أصدقائي أوان؟
ومن قال إنّ الرّبيعَ هو البداية؟
وكأنّنا في خريفِ عمرٍ همّه احتساءُ القهوةِ وفكُّ ألغازٍ وقضمُ رواية، وكأنّها النّهاية؟!
فما زالَ في جعبةِ الخريفِ كثيرٌ من المطر،
وما زالتْ شمسُ تشرينَ تعرفُ كيفَ تهوى وتعشقُ ألفَ وألفَ وألفَ قمرْ.
بعد ذلك، تابعت الكاتبة قراءة بعض من نصوصها النثريّة والشعريّة، تارة بمصاحبة البيانو، وتارة بمرافقة الصور ومقاطع الفيديو كليب، ما أثار استحسان الحضور الذي أسره إلقاؤها وطريقة قراءتها نصوصها المختلفة، خاصّة عندما قرأت نصّ: لم ينتهِ الدّرسُ بعد، يا شادية، النصّ الذي تعاطف معه الحضور بشكل لافت للنظر، حيث رافقت قراءته مقاطع من صور صفّ من صفوف مدرسة فُجّرت على رؤوس تلاميذها، في إشارة إلى مذبحة مدرسة بحر البقر، التي دمّرتها إسرائيل عام 1970.
أمّا عن كتابها المحتفى بإصداره "خلاخيل"، فقد قالت عنه:
"خلاخيل هي لملمة ذكرياتٍ، جمعتها بيدين من حرير، خبأتها داخل القلب والرُّوح، لم أرغب في أن أُثقل الكلام عليها هذا المساء، فما زالت وليدةَ اللحظة... اخترتُ لها الموسيقى أبًا يحضُنُها، والذكرياتِ صورًا أعطّرُ به جبينها، فجاءت على شكل أمسيةٍ تشبهني وتشبهها...
هي نواقيس قرعت خزانات الذاكرة، ذاكرتي الشخصية وذاكرتنا الجمعيّة والجماعية؛ ففاضت جدرانها حبًّا وشوقًا وحنينًا وأملًا وغضبًا وصمودًا وحقّ بقاء وأمل عودة، لتروي ظمأ سنين عمري العجاف بقدسيّة لحظاتها.
خلاخيل... هي اعتذارٌ، لسنواتِ عمرٍ تأخّرتُ في تسديدِ دينٍ قديمٍ له".
يُذكر أنّ الكاتبة جمعت في نصوص كتابها، ذكريات لأيّام عاشتها وعاشها كلّ من يحمل هموم الوطن وصور الماضي الجميل طفولة ومراهقة ونضوج فكر وقلب. نصوصها تتحدّث عن الكاتبة وتعبّر عن جمال روحها وانتمائها وأصالتها.
في نهاية الأمسية التي استغرقت ساعة من الاستمتاع بسحر الكلمة وحضور المؤلّفة المتألّق، شكرت دعاء الجمهور الذي حضر وشاركها فرحة ولادة "خلاخيل"، وخصّت بالشكر عائلتها الصغيرة والكبيرة، وأهدت كتابها لروح والديها اللذين لم تتسنّ لهما مشاركتها سعادتها. كما شكرت وأشادت بدور مؤسسة سينمانا الثقافي، متمثلة بالسيد محمد بيطار، لدعمه وسخائه في رعاية هذه الأمسية.
أخيرا، تحدّثت السيّدة مها سليمان، صاحبة دارة المها للنشر والترجمة التي أصدرت هذا الكتاب، وأشادت بعلاقتها مع الكاتبة، والتي توطّدت خلال العمل على هذا الكتاب، مشيرة إلى أنّه ليس من المفهوم ضمنا أن تتوجّه كاتبة بباكورة أعمالها إلى دارة نشر محلّيّة حديثة، أو أن تنشر امرأة كتابها الأوّل أو حتّى العاشر لدى امرأة مثلها، وهذا يُحسب لصالح الكاتبة,
من الجدير ذكره أنّ الفنّان شادي حبيب الله هو مخرج هذه الأمسية الرائعة التي أضاف إليها من لمسات فنّه ما أضفى عليها تميّزا وإبداعا.
في النهاية، توجّه الحضور لشراء الكتاب والحصول على توقيع الكاتبة.
وكانت الكاتبة دونت عبر صفحتها على الفيسبوك، كلمات احتفالية تدعو من خلالها للمشاركة بحفل اشهار الكتاب:
" بخطى وثيرةٍ، حالمةٍ، ثابتة، تجوبُ خلاخيلي طرق الذّاكرة، وذاكرتي لا تحتاجُ لأوراقٍ ثبوتيّةٍ كي تؤكّدَ حقّها في قسماتِ المكان وفواصل اللّغةِ وشوارع مدنٍ أرهقها سيرُ العسكرِ وترنّحِ الحبّ فيها.
هي لحظاتُ صدقٍ عشتها، حاورتُ فيها الزمان والمكان، وعايشتُ الذّكريات...
هي أقمارٌ أضاءت أقدامَ روحي وحثّتها على السّير فسارت، معلنةً حربها على الصمتِ والنسيان...
وهي الصدى لبعيدٍ استحضرت روحه، ليخطّ من نسغها حياةً جديدة، بعثتها حروفي مدادًا طيّعًا على الورق.
أكتبُ؛ للحبّ، للفرحِ، للأمل، للقهرِ، للدمعِ، للقدر، للرّيحِ، لتشرينَ، للمطر، للبحرِ، للشمسِ، للأنثى، والأنثى وطن....
لصمتِ الشرفات هناك، لكثيرٍ من الأشواقِ والآهات، لشهقةٍ أطلقتُها أنا البعيدة عند لقائي بها بعد غياب سنين، لراقصةٍ غجريّةٍ خرجت لتوّها من أقصوصاتِ لوركا الإسبانيّة، لحيفا التي كادَ كرملها ينهارُ بسببِ جملةٍ قالتها أُمِّي، لطفولةٍ ودانتيلا وحلمٍ لم يستطع دثرَ هويّتي، لفكرٍ هجينٍ يجتاحُ وطنًا أكبر ما زالت جراحه تنزف دمًا في قلبي، لحنينِ فمٍ ينتظرُ فكّ أسرٍ عند الفجر، لحلمِ عودةٍ وتلويحاتِ يد تنتظر الوصولَ والخلاص، لمدينةٍ بعثرتها أسرارُ الروايات، ولعمرٍ بدأ "يهذي".
خلاخيل هي لؤلؤة القلب ... طفلتي الأولى التي لا يمكن لأحدٍ نفي شبهة أنّها تشبهني..."
[email protected]
أضف تعليق