يقدّم معرض بعد الطوفان أعمالاً فنّيّة لخرّيجات أقسام الفنون والتّصوير في مدارس فنون قائمة في حيفا ومنطقة الشّمال. سبع خرّيجات من أقسام دراسات الفنون في جامعة حيفا، كلّيّة فيتسو الأكاديميّة، معهد الفنون- كلّيّة أورانيم، ومعهد الفنون- تل حاي يقدّمنَ في المعرض أعمالهنّ النّهائيّة لصيف 2017. إنّ مردّ عرض هذه الأعمال مجدّدًا وجمعها معًا في معرض موضوعيّ هو، في الأساس، الرّغبة في معاينة النّشاط الفنّيّ في شمال البلاد وطموح جاليري الفنون في بيت الكرمة إلى أن يكون دارًا للفنون المعاصرة المحلّيّة والمنطقيّة. تقدّم الفنّانات المشاركات في المعرض باقةً واسعةً ومثيرةً للفضول من الصور، الحالات والأغراض، ويَدعوننا إلى أن نقرأ من خلالهنَّ واقع الحياة الفرديّة والجماعيّة الذي يعملنَ في نطاقه.
عنوان المعرض، بعد الطوفان، يشير إلى وضع مروّع في أعقاب كارثة طبيعيّة. وبالفعل، فإنّ جميع الأعمال تتطرّق، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى أزمة أو صدمة. فنحن نلتقي فيها ببقايا أزمات شخصيّة، سياسيّة أو بيئيّة وبالطريقة التي تشكّل فيها التجربة الشخصيّة الخاصّة بكلّ واحدةٍ من الفنّانات. هذه التجربة هي أيضًا، وليس حصرًا، تجربة نسائيّة مرتبطة بأسئلة الجسد، الحيويّة والاستمراريّة. الطبيعة، المساحات الواسعة المفتوحة أو عالم الحيَوان هي الحلبات التي يحدث فيها النّضال الخاصّ، وصورها تظهر بشكل متكرّر في المعرض كتعبير عن عالمٍ داخليّ وخارجيّ، أصليّ النّموذج أحيانًا.
لكن ما يمنح هذه الأعمال قوّتها هو الدمج المدهش، الخلّاق، والمثير للقلق في بعض الأحيان للموادّ، التّقاليد والمساحات المختلفة والمتناقضة. الفنّانات المعروضة أعمالهنَّ في المعرض يتناولنَ التّوتّر القائم بين الطّبيعة والثّقافة، بين العضويّ والصّناعيّ، بين الحيّ والمَيت، بين واقع قائم وتجربة مُتخيَّلة. بعضٌ من الأعمال يمزج موادّ تبدو لا صلة لها ببعضها، ما يشبه اختلاط الحابل بالنّابل، سعيًا إلى خلق حقل جديد من السّياقات والمعاني. نقطة الانطلاق في ذلك هي أنّ المادّة تكون دائمًا تعبيرًا عن شيء ما أوسع وأعمق - تقاليد، إحساس أو معتقد – والتّركيبات الهجينة التي تقدّمها الأعمال الفنيّة تخلق حيّزًا غير مُشفَّر من المعاني. إنّ إنشاء مثل هذا الحيّز هو أيضًا موضوع أعمال لا ينشأ التهجين فيها بالضرورة من دمج موادّ مختلفة، وإنّما كنتيجة لتداخل غير ممكن بين الأزمنة، الأمكنة والتّقاليد. هنا تكرّس الفنّانات الإمكانات الكامنة في العمل الفنّيّ من أجل خلق واقع مؤقَّت ذي زمان ومكانٍ منفردين. واقع لا يمتثل إلى النُّظم الاجتماعيّة القائمة. إنّ الدّمج بين الحاضر والغابر، بين اليوميّ والرّسميّ، وبين السّاكن والصّاخب، يتيح لنا التّفكير بالتّعبير بعد الطّوفان ليس فقط فيما يتعلّق بوضع ما بعد حدثٍ مُروّع، لكن أيضًا كأمر مُحتمل. من عمق الجرح والألم تولد حياة جديدة: الفضاءات المتخيّلة تتحوّل إلى حقيقة والأشياء تُشحَن بمعاني غير متوقّعة. فمن خلال النّشاط الفنيّ العينيّ لهذا الزّمان والمكان، تحديدًا، يكبر التّفاؤل بشأن قدرة المواد، المعتقدات والأشخاص على التّغيّر.
أمينة المعرض: يعيل ميسِر
[email protected]
أضف تعليق