وصلت لموقع "بـُكرا"، من الناشط عيد بجالي، رسالة أرسلت إلى البطريريكية الأرثوذكسية في القدس وجاء فيها:
لم نأتِ اليوم إلى باب البطريركيّة في القدس كي نتحاور معكم؛ وذلك أنّكم لم تؤْمنوا في يوم من الأيّام بالحِوار ولا مارستموه. لم نأتِ لكي نقدّم لكم طلباتنا ومناشداتنا؛ فنحن نعلم أنّه ينطبق عليكم ما ورد في الكتاب المقدّس: "لهم آذان ولا يسمعون ولهم عيون ولا يبصرون". لم نأتِ إلى بوّابات البطريركيّة في القدس لكي نقدّم أيّ مناشدة أو طلب لك ولأعضاء مَجْمعك المدعوّ -زورًا وبهتانًا- مقدَّسًا. لم نأتِ إلّا لكي نقول عبارة واحدة: ينبغي أن ترحل عن السدّة البطريركيّة التي جلستَ عليها دونما استحقاق، وها نحن اليوم نذوق ثمار المُرّ والسمّ من عدم استحقاقك للجلوس على هذا الكرسيّ الرسوليّ.
منذ الآن، لا نعترف بأنّك بطريرك المدينة المقدّسة؛ فإنّ من يخون الأمانة بحفنات من الدولارات مثل يهوذا الإسخريوطيّ لا يمكنه ولا يحقّ له أن يسمّى بطريركًا. كلمة "بطريرك" تعني الأب، وبفشلك أفقدتَ نفسك هذه القيمة وهذا المعنى. أمّا أُمّ الكنائس، فقد أفقدتَها أمومتها وحنانها بجلافتك وغطرستك وتسلُّطك عليها واغتصابك لقرارها. لقد أفقدتَ هذه المؤسّسة الروحيّة رسالتَها، وحوّلتَها إلى وكالة عقارات ومال وفساد وشراء ذمم.
لقد دمّرتَ البطريركيّة تدميرًا كلّيًّا، والمؤسّسة البطريركيّة مشلولة شللًا تامًّا، وتدير شؤونَها منظومةٌ من عدّة أشخاص تمثّل عدّة جهات مختلفة من الكاريبيّ واللندنيّ والمغربيّ والمزراحيّ (مشرقيّ)، كلّها تآمرت لإيصالك إلى سدّة العرش، وكلّها اتّفقت على إنهاك كنيستنا وعلى معاداة شعبنا في الأراضي المقدّسة، وللقضاء على الحضور المسيحيّ وعلى الحضور العربيّ الوطنيّ في القدس في هذه المدينة المقدّسة.
أيّها القابع على عرشك الزمنيّ. أنت اليوم تتجلّى أمامنا عاريًا بأسطع ظهور، ولم يعد هنالك بُرْقُع يُخْفي ما فيك. تركتَ للكذب والنفاق والفساد والتفرقة والظلم أن تتجسّد كلّها فيك من أخمص قدميك حتّى رأسك. أنت غارق في أهواء غيرك التي أصبحت أهواءَك أنت، وهمُّكَ منفعة الأغيار (زملائك) المادّيّة والاقتصاديّة تاركًا البطريركيّة وإرْثَها ومستقبلَها في مهبّ الريح.
كم راهبٍ وكاهنٍ ظلمتَ وحَرمتَ! أرهبتَهم جميعًا. جوّعتَهم. تمنحهم "برَكة" بَخْسة تارةً، وتارات تقطعها أشهُرًا كي يصبحوا أكثر عَوَزًا واحتياجًا، لتكسر كرامتهم وكبرياءهم أمامك وأمام المؤمنين، وبذلك تُذِلّ خُدّامَ الربّ والكنيسة لا لسبب، إلّا أنّك تدّعي أنّك تحكم وترسم باسم الحبيب، وأنت الآن أبغَضُ من بغيض. كم راهبٍ وكاهن من أبناء هذه البلاد تشتّتوا خارجها ليخدموا الكنيسة الأرثوذكسيّة، بعد أن أوصدتَ أبواب كنيستنا أمامهم! كم من واحد منهم تخلّى عن رغبته في الخدمة بعد أن تعب من مماطلاتك وبالتالي رفضك لرسامته! أولئك بالعشرات، وفي المقابل تستقدم رهبانًا ومطارنة لم يكونوا قَطّ رهبانًا في بطريركيّتنا لتملأ فراغًا، أو تماشيًا مع أطماع كَراسٍ أخرى بالكرسيّ الأورشليميّ. لقد تخلّيتَ عن الرعيّة الأرثوذكسيّة في أمريكا إرضاءً وانحيازًا إلى بطريركيّة القسطنطينيّة المسكونيّة، دعمًا لها في صراع مع سائر البطريركيّات حول النفوذ والقوّة. لقد تخلّيتَ عن أبنائك دون أن تسألهم أو تستشيرهم، وتركتَهم ليكونوا حطب محرقة في نزاعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
تجلس على عرش يعقوب وقد حوّلتَه إلى عرش نيرون. حرقتَ كنيستنا روحيًّا وحرقتَ مستقبلها. صادقتَ العروش الزمنيّة، فصار لك حرّاس وكتَبة وأتباع وفاسدون مفسِدون وطامعون وقاطعو أرزاق، وحالفتَ السلطات والمخابرات وجنود الاحتلال ليُرْهِبوا المؤمنين ويتوعّدوهم بالسَّجن والتوقيف. أحاطك الفاسدون من كلّ جانب، ففتحتَ لهم الأبواب على مصاريعها وباعوا عرش يعقوب بأبخس الأثمان، واستعاضوا عنه لك بعرش المال والهوان والضعف وقلّة الحيلة.
في كتابنا هذا، لن نأتي على ذكْرٍ مفصَّل لنظام الأبرشيّات الذي لا تعمل به، ولا على اللقاءات الدوريّة التشاوريّة المعدومة بينك وبين الرهبان أو الكهنة أو المجالس أو أبناء الشبيبة أو غيرها من جسد الكنيسة. بل إنّ ما التزمتَ به قبل انتخابك وبَعده خطّيًّا وبتوقيعك قد أنكرتَه أمام "أسياد" (في نظرك). هل البطريرك يكذب؟ أنت كاذب كاذب كاذب!
الحقائق والوقائع أكبر وأقوى منك وممّن يحالفك. ربّما كنتَ تعوِّلُ على قِصَر نفَسنا وترهُّلنا وانقسامنا، وربّما كنتَ تعوِّلُ على الإفلاح في شراء الذمم وتقديم الإكراميّات، وعلى تقديم "إنجازات" هنا وهناك، وعلى استجداء سُلطات. جريمتك تجاه كنيستنا كبيرة، كبيرة جدًّا، والحقائق التي نعرفها هائلة وصادمة، وفسادك الذي تخفيه أعظم وأفضح ممّا نعرفه. هذه معركتنا نحن رهبانًا وكهنةً ومؤمنين. هذه معركة كلّ حرّ وكلّ شريف. هي معركة إلهيّة ووطنيّة ضدّ يهوذا المتجسّد في أفعالك. إنّها معركة الخير ضدّ الشرّ، ونحن فيها ماضون مستمرّون بعون الله وعون المؤمنين والأحرار كافّة، إلى أن ينتصر الخير فعلًا؛ فلا تخطئْ، إذًا، في حساباتك ولا تعوِّل على أتباعك وأنصارك!
من الآن فصاعدًا، لن نعترف بك وبأعضاء مَجْمعك. هم أشخاص غير مرغوب فيهم وغير مرحَّب بهم في كنائسنا وبين رعايانا. قَدِّموا استقالاتكم أنت وأعضاء مَجْمعك كي نبتدئ مرحلة جديدة من تاريخ كنيستنا، مرحلة الإصلاح والمصالحات، مرحلة النهوض والانبثاق لنجعلها فعلًا كنيسة رسوليّة واحدة، كنيسة لشعبها تحمل آماله وآلامه، تحمل همومه وحرّيّته، تفرح وتتعذّب معه، تزهو وتتمجّد بمؤمنيها وبشعبها وبخُدّامها المخْلصين. نعم، النهضة لكنيستنا ولِما تمثّله من تاريخ وحاضر ومستقبل، لِما تعنيه من شاهد في تاريخ طويل بما لها من أوطان ومقدّسات وأوقاف. إنّها بداية تحرُّر المظلوم، التحرُّر الكبير والسلام والأمان للجميع.
لقد اعتدنا على نَكْثك للوعود وللعهود، وعلى عدم استجابتك لطلباتنا. هذه المرّة أتينا بالمئات إكرامًا لكنيستنا التي نحبّها وخوفًا عليها، كي نقدّم لك طلبًا واحدًا: كُفَّ شرّك عن كنيستنا، وارحل!
[email protected]
أضف تعليق