يعيشون خارج نطاق الزمن، ويعشقون الحياة... وهي تليق بهم.
يعيشونها إنطلاقاً من قوانينهم الخاصة.
وهي قوانين تُشغل بال الغرب وتستفزّه!
"يروّضون جموحها"، هذه الحياة التي يُريدونها جميلة، بسيطة وخالية من التعقيدات غير المُبرّرة.
يغوون غرورها، بقاماتهم الطويلة، إبتسامتهم الدائمة، وشكلهم الخارجيّ الشاب.
يتحدّون القيود التي يضعها عادةً المجتمع، وفي الحقيقة، هم لا يعترفون بها!
يضحكون كثيراً ويعرفون المعنى الحقيقي للإتحاد والتماسك، إذ لا يمكن لأحد أن يفصل في ما بينهم.
يُقدّرون الطبيعة ويَستمعون إلى أحاديثها، كما يتفاعلون إيجاباً مع "سكّانها" ولا يعبرون حدودهم معها...والأهم أنهم لا يأكلونها!
تتجسّد يوميّاتهم بساعات العمل الطويلة والشاقة، والمشي مسافات تليها مسافات بين الجبال الشديدة الإنحدار، والدراسة الأكاديميّة المتعمقة.
يعشقون العلم ويعبرون جسره بإجلال!
يصمتون كثيراً وينامون باكراً.
لا حاجة لهم للكهرباء أو للإنارة بواسطة الغاز أو الزيوت.
ولم يسمحوا للتكنولوجيا بغزو حياتهم.
يمكن أن يتمتعوا بصحّة جيّدة حتى سن ال130 وبعضهم يعيش حتى سن ال145!
نساؤهن يلدن في سن ال65!
رجالهم يُصبحون آباء في سن ال90!
أن يصل المرء إلى سن المئة عندهم "شي عادي!"
المرأة عندهم في سن ال80 تخالها في ال40!
الرجل السبعينيّ يقف إلى جانب إبنه الخمسينيّ فتخالهما "رفقة"!
لا يعرفون الأورام!
والمرض "قلّة ما بزورهم"!
حيويتهم لا تنضب.
حماستهم للحياة لا تتلاشى مع سنواتهم المتنامية.
وهذا الصفاء!
كل هذا الصفاء على الرغم من العمل المستمر والإنضباط الذي لا يلغي السعادة والضحكات العالية!
لكن، لحظة!
هل هم أبناء شعب "مُنبثق" من الأساطير التي تبرع المُخيلة في نسجها؟
هل ينتمون إلى مكان قُرب الشمس، هُناك حيث المُخيلة ملكة؟
لا!
هم أبناء شعب الهونزا، هؤلاء الأبطال الذين يعيشون شمال باكستان في وادٍ بعيد، كُل البُعد عن التمدّن، يُطلق عليه إسم، "وادي الخالدين"!
العلماء والبحاثة يؤكّدون أنهم أكثر الشُعوب سعادةً، "يعني حطّوا للشعب الدانماركي بحصة"!
البعض يقول أن عددهم لا يتعد ال30 ألفاً.
والبعض الآخر يؤكّد أنهم "على حافة" المئة ألف.
"مش راح نختلف" على الرقم.
المُهم، في كل هذه القصّة...ما هو سرّهم؟ هل تركيبتهم مُختلفة عنّا، نحن "البَشر العاديّة"؟ كيف تمكّنوا من التعالي على هذا الوهم الجميل الذي يُدعى الحياة؟
المسألة بسيطة: نمط حياة صحّي ونظام غذائي سليم!
ماذا يأكل هؤلاء "الشُجعان" الذين يستحمّون في المياه الجليديّة ولا تُقلقهم الظروف المناخيّة والجغرافيّة القاسية؟
لنكن واضحين "من الأول": أبناء الهونزا لا يعرفون الشراهة ولا يأكلون بنهم!
وجبتان كافيتان لسدّ جوعهم على الرغم من حياتهم المُجهدة التي تتطلّب القوّة الجسديّة واللياقة البدنيّة.
وهم يأكلون ليحافظوا على صحّتهم ولا يعترفون بالأكل إنطلاقاً من مبدأ المتعة.
يأخذون كامل وقتهم في تحضير الوجبات الشهيّة واللذيذة في طعمها.
ومع ذلك، فهم يتناولون القليل منها!
يتوسّلون المكوّنات الطازجة والخالية من الإضافات الكيميائيّة والتي لم تتعرّض للأسمدة الإصطناعيّة لدى زرعها في الحدائق.
ومن المُخالف للقانون رش الحدائق بالمُبيدات.
يرشّون أشجارهم ونباتاتهم بمزيج من الماء والرماد تجنباً للتسمّم أو للتسبّب بالضرر للبيئة.
مأكولاتهم عضوية.
السكّر من المحظورات التي لا تَخطر في البال، والملح من المواد التي يندر إستعمالها.
يُكثرون من تناول الفاكهة لاسيما المشمش التي يحوّلونها عصيراً أيضاً.
يعشقون الخُضر ويتناولونها بشكل يوميّ ويطهونها أحياناً لفترة قصيرة على النار.
جزء كبير من نظامهم الغذائي مؤلّف من الحُبيبات: الشعير، القمح، الحنطة السوداء، وحبة الدخن(Millet).
كما يُكثرون من تناول البطاطا، الفاصوليا الخضراء، البازيلاء، الجزر، اللفت، القرع، السبانخ، الخس، التفاح، الإجاص، الخوخ، الكرز، وثمار شجر العلّيق.
يتناولون اللوز كاملاً ويستعملونه لصنع الزيت.
ويمكن أن تتكوّن وجبة كاملة من بضع حبّات من الجوز أو اللوز أو البندق، كما يُمكن مزج هذه المكوّنات مع السلطة.
يُركزون على صناعة الجبنة والحليب واللبن، ويتناولون اللحمة في المناسبات الخاصة كالزواج والمهرجانات.
وعندما يتم تحضير وجبة تتضمن اللحمة تقدم حُصصاً صغيرة جداً منها، ويتم تقطيعها إلى أجزاء صغيرة للغاية.
نادراً ما يأكلون لحم البقر والضأن، بل يركزون على الدجاج للحصول على البروتين.
يرى بعض البحّاثة أن قدرة الرجال على الإنجاب في سن مُتقدّمة تعود إلى صنع أبناء الهونزا خبزهم التقليديّ الذي يحمل إسم Chapatti، المؤلّف من عشرات المكوّنات الغذائيّة التي ذكرناها في الأعلى.
والأهم أن هذا الخبر يُصنع من الطحين الكامل الذي لم يتم صقله وبالتالي لم تتم إزالة الجرثومة منه.
خلال فصل الربيع يصوم هذا الشعب بضعة أيام، كما يعرف الكبار والصغار أهميّة التنفّس بهدوء وعمق ويُتقنون فن الإسترخاء!
ويعرفون جيداً كيفيّة توظيف طاقتهم على الأمور المحوريّة في حياتهم، ومن هنا إصرارهم على العمل ببطء وبوتيرة ثابتة.
لا يُكثرون من نشاطاتهم.
ويأخذون العديد من فواصل الإستراحة خلال أعمالهم الجسديّة المرهقة في الحقول، وخلال فترات الإستراحة هذه لا يتحدثون بعضهم مع بعض، بل يجلسون بصمت ويتأملون ذواتهم ويغورون في عوالمهم الداخليّة بحثاًعن الإجابات.
ينامون لدى حلول الظلام.
الماضي؟ لا يُعيرونه إهتماماً!
المُستقبل؟ لا وقت لديهم لإستشرافه.
هم سعيدون باللحظة الحاليّة، بكل إنفعالاتها.
إنتصارهم الأكبر على الحياة؟
السيطرة المُطلقة على أفكارهم!
يشربون مياههم مُباشرة من التيارات الجليديّة في الشقّ العلوي من جبال الهمالايا!
النبيذ؟
يتوسلونه فقط لأغراض طبيّة!
هم ودودون، يُتقنون فن حُسن الضيافة.
وهذا الصفاء!
كل هذا الصفاء "المُقلِق"!
أبناء شعب الهونزا، هؤلاء الأبطال الذين يضحكون من الأساطير ويجبرونها على "مُغازلة" الواقع ومُصادقته، يرتدون الصفاء ثوب أيامهم...ويَضحكون...يَصمتون كثيراً...ويَضحكون!
وهم يضحكون في الدرجة الأولى على غرور الحياة.
تلك الحياة التي يعشقونها، ويعيشونها بإنضباط وبساطة... وإبتسامة عارِفة.
وهذا الصفاء "المُقلق"!
المصدر: النهار
[email protected]
أضف تعليق