حاوره: مطانس فرح
وسط أجواء احتفاليّة خاصّة، وبحضور الأصدقاء والمعارف والأقارب والأحبّة، افتُتح مؤخّرًا، بوتيك أزياء مميّز في شارع المخلّص ("ي.ل. پيرتس") 9 – حيفا، محلّ تجاريّ صغير لمصمّم الأزياء الحيفاويّ الشّاب كريس عيسى.
مُذ تخرّجه من الكليّة الأكاديميّة "ڤيتسو" عام 2012، حاملًا شهادةً أكاديميّة في تصميم الأزياء والتّربية، يخطو الشّاب الحيفاويّ الخلّاق والمُبدع، مصمّم الأزياء كريس عيسى (29 عامًا)، بخُطوات مدروسة وواثقة نحو تحقيق حلمه.. فهو يطمح إلى العالميّة.
كريس شابّ موهوب ومرهَف الحسّ، متواضع إلى أبعد الحدود، يمتاز بسموِّ أخلاقه. يُجيد ويُبرع في تحويل الأقمشة إلى فساتين سهرة مميّزة بتصاميمها الأخّاذة، لتكون أشبه بلوحات فنيّة متحرّكة، متماوجة ومُتبَخترة.
لمسته الإبداعيّة المميّزة والمتمايزة، تدمج ما بين الرّقي والطّراز الملوكيّ والرّوعة، بـأسلوب جديد وعصريّ مُبتَكر، يمزج بين بهاء الغرب وجمال الشّرق.
لفتتني في بوتيك كريس تصاميم فساتين السّهرة والأڤرول، أيضًا، وشدّتني ألوان الپاستيل الخاصّة التي اختارها بعناية فائقة؛ كما بهَرتني فساتين الزّفاف الّتي تباينت بتصاميمها وألوانها؛ فتماوجت ما بين الأبيض وقُبالته (الأبيض المائل إلى الصّفرَة) واللّون الرّملي الفاتح (البيج).
لم يولَدْ مصمّم الأزياء الماهر، الشّاب الحيفاويّ كريس عيسى وبفمه ملعقة ذهبيّة.. حلم وعمل على تحقيق حلمه. شغفه السّرمديّ وحبّه اللّامتناهي لعالم الأزياء منذ نعومة أظفاره، دفعاه ليرسم مستقبله ويصمّمه، إلى أن أصبح مصمّمًا.. سهر وتعِب وكدّ وثابر وجَدّ واجتهد فوجد طريقه الّذي قد يوصله بعيدًا، إلى حدّ السّماء وأبعد.
وليتعرّف القرّاء إلى كريس عيسى، كان لي معه هذا اللّقاء والحوار..
- هل لك أن تُعرّف قرّاءنا عن كريس عيسى؟
كريس عيسى من مواليد وسكّان مدينة حيفا. تخرّجت من مدرسة الكرمل، وأكملت تعلّمي الأكاديميّ في الكليّة الأكاديميّة "ڤيتسو" ما بين الأعوام 2008 و2012، وتخرّجت منها حاملًا اللّقب الأوّل (بكالوريوس) في تصميم الأزياء والتّربية.
- ما الّذي شَدّك إلى عالم الأزياء؟
عشتُ منذ نعومة أظفاري في حالة شغف وافتتان بعالم الأزياء والموضة، لقد استهوتني جدًا كافّة الفنون الجميلة، وجذبتني الأزياء المميّزة بشكل خاصّ. رأيت الأمور بمنظار يختلف عن الآخرين. كنت أحلم منذ صغري بأن أصبح مصمّمَ أزياء عالميًّا. في السّابعة من عمري بدأت التّعرّف على الأقمشة محاولًا تصنيعها وتطويعها، وفق تصوّراتي وقدراتي الطّفوليّة المحدودة، وخياطة فساتين وأزياء لمجسّمات دميات عارضات.. ومنذ تلك الفترة لقيت تشجيعًا ودعمًا كَبيرَيْن من الأهل والأقارب.
- مَن كان مُلهمك ومثلك الأعلى في تصميم الأزياء؟
كنت بدايةً أتابع محطّة الأزياء العالميّة "Fashion TV"، لأتعلّم وأستلهم بعض الأفكار وأطوّرها. لم أتأثّر بمصمّم معيّن، إلّا أنّ تصميمات كريستيان ديور، وإيڤ سان لوران، وشانيل، استهوتني بدايةً لِما فيها من جرأة وأفكار جديدة وطابع كلاسيكيّ ملوكيّ في الوقت ذاته. إضافةً إلى التّصميمات المميّزة والخلّاقة للمصمّمين اللّبنانيّين إيلي صعب وزهير مراد وجورج حبيقة، الّتي تروق لي.
- وأين كريس من كلّ هذه التّصميمات؟
(يبتسم بخجل) ما زلت في بداية طريقي، ومع ذلك أعمل على ابتكار خطّ خاصّ بي يميّزني عن غيري من المصمّمين. أحاول أن أكون مختلفًا عن الآخرين؛ لا أحبّ التّقليد وأمقت النّسخ والتّلصيق. على المصمّم أن يفعّل حسّه الفنّيّ ويحدّد رؤيته ويصقل وينمّي موهبته، ليخلق ويبتكر تصاميم جديدة تميّزه عن غيره.
- عملت خلال تعلّمك الأكاديميّ، وبعد تخرّجك أيضًا، كمنسّق أزياء ومساعد في تصميمها لعدد من الممثّلين في عدّة أفلام..
صحيح. خلال تعلّمي الأكاديمي سُنحت أمامي فرص للعمل في مجال صناعة الأفلام والمسلسلات، كمساعد مصمّم لملابس الممثّلين، ومنسّق لأسلوب لِبس يلائم الشّخصيّة الفنيّة (Stylist). عملت في "الوريثة" لهيام عبّاس؛ "ثلاث أخوات" لسهى عرّاف؛ "عالقون في الشّباك" لعلي نصّار، و"يا طير الطّاير" لهاني أبو أسعد. بعدها عملت كمصمّم أزياء مستقلّ في عدد من المسلسلات والأفلام القصيرة، أذكر منها: "أغنيّة راقصة ليوسف" (בלדה ליוסף) لريكي شيلح؛ "سميرة" لداليت كيمور، و"السّلام عليك يا مريم" لباسل خليل.
- ماذا منحتكَ هذه التّجارب الّتي تختلف، نوعًا ما، عن رؤيتك التّصميميّة؟
صحيح كلامك؛ إلّا أنّ هذه التّجارب كانت مثيرة وثريّة جدًا، مِهْنيًّا واجتماعيًّا. تعرّفت خلالها إلى عدد كبير من الفنّانين والممثّلين والطّواقم العاملة في مجال الأفلام.. إنّ العمل على تنسيق وتصميم الملابس في الأفلام يختلف كليًّا عن تصميم الفساتين. تعلّمت كيف أتعامل مع الألوان والتّصاميم وأمزجها ضمن إطار تصويريّ. عليكَ دراسة الشّخصيّات والتّعرّف إليها جيّدًا والتّعمّق بها وتحليلها لهدف اختيار ما يلائمها من ألوان وتصاميم. حمّلتني هذه التّجارب مسؤوليّات كبرى ومنحتني رؤًى ثاقبة ومختلفة، وساهمَت في صقل موهبة التّصميم لديّ.
- لِمَ اخترت "ڤيتسو"، وفضّلتها عن كبرى معاهد تصميم الأزياء في أوروپّا؟
أردت التّعلّم في العاصمة الفرنسيّة (پاريس)؛ إلّا أنّي تردّدت، رغم دعم الوالدين وتشجيعهما لي. تخوّفت من فكرة السّفر والتّواجد وحيدًا خارج البلاد، بعيدًا عن الأهل، في واحدة من أكبر عواصم الأزياء والموضة في العالم. حيث كانت - وما زالت - تربطني مع الأهل علاقة قويّة. تعلّمت في الكليّة الأكاديميّة "ڤيتسو" أساسات التّصميم، والخبرة العلميّة والعمليّة الّتي لا غنى عنها، فاكتسبت الآليّات المطلوبة. لم يكن التّعليم سهلًا، كما توقّعت بدايةً، لكنّه كان شائقًا ومحفّزًا، فمنحني ثقةً بالنّفس ونضوجًا فكريًّا ورؤيةً فنيّةً صائبة.. وما زال الطّريق أمامي طويلًا.
- بعد مُضيّ خمس سنوات على تخرّجك تفتتح محلًّا خاصًّا ("بوتيك") لتصميمات كريس عيسى..
نعم. قرّرت، قبل نحو عام، العزوف عن الأفلام لأفتتح "بوتيك" أزياء خاصّ في حيفا. لم يكن القرار سهلًا على الإطلاق. لقد واجهت صعوبات عدّة على مدار سنوات، وخصوصًا ماديّة؛ إلّا أنّ الإصرار والإرادة والطّموح حطّموا كافّة حجرات العثرة. وها أنا اليوم أحقّق جزءًا هامًّا من أحلامي وأفتتح محلًّا خاصًّا بي، وهذه تعتبر قفزة نوعيّة وهامّة في حياتي، تمنحني اكتفاءً ذاتيًّا. أشعر بارتياح نوعيّ مشوب بالخوف والقلق، لهدف الانطلاق من هذه النّقطة إلى الأمام.
- لِماذا حيفا تحديدًا؟
حيفا تعنيني. أنا ابن هذه المدينة. حيفا هي بلدي وأهلي، وتتميّز كثيرًا عن غيرها من المدن. هي مركَز ثقافيّ وفنّيّ هام. وفي السّنوات الأخيرة تشهد نهضةً معماريّة وثقافيّة وتربويّة وفنيّة ومجتمعيّة، تضعها في مصاف المدن الأوروپيّة المتحضّرة. أردت أن "أردّ الجميل" وأمنح حيفا ما تستحقّه من جمال وفنّ وأزياء. حيفا لا تقلّ أهميّة عن كبرى المدن المحليّة والدّوليّة.
- بِمَ تفكّر لدى ابتكارك تصاميم جديدة، وكيف تستوحي أفكارك؟
وراء كلّ فستان حكاية.. قد استوحي فكرة التّصميم من شخصيّة في فيلم، أو مجرّد عابرة سبيل، أو إلهام ليليّ، أو أيّ أصوات رنّانة أسترق السّمع إليها وتمسّني أو أيّة محفّزات أخرى. أستمع إلى الموسيقى خلال التّصميم، ومنها قد أستلهم فكرة وأجسّدها بشكل عصريّ مواكب للموضة، وفي الوقت ذاته مميّز وغير مألوف. أهتمّ كثيرًا باختيار ألوان وأنواع أقمشة خاصّة ومناسبة، وأحيانًا أعمل على تكوير الأقمشة ودمج الألوان. أبلور الفكرة وأحوّلها إلى فستان ناطق يحاكي جسد المرأة ليبرزها بشكل أنيق وجذّاب.
- إلى أيّ مدى تعكس التّصاميم شخصيّتك؟
لا يمكن الفصل بيني وبين هذه التّصاميم؛ هنالك علاقة قويّة تربطني بها. هذه التّصاميم تحمل بصمة كريس عيسى.. أحاول من خلال الابتكار والإبداع أن أكون مختلفًا وألّا أقلّد الآخرين. تصاميمي تحمل البساطة الجماليّة والإبداعيّة معًا. تصاميم الفساتين، كما ترى، غير مبالغ فيها ولا تحمل عِجقةً، أدأب على ترك لمسة فنيّة كلاسيكيّة جميلة وناعمة. أحاول اختيار الألوان المختلفة والمميّزة، لا الصّارخة والمستهلكة والمعلوكة. أحترم المرأة جدًا، وأهتمّ بتصميم ما يناسبها لأظهرَها بقمّة أناقتها وجمال أنوثتها.
- ما الّذي يميّزك عن باقي المصمّمين؟
لمستي الفنيّة وفكرتي الابتكاريّة. أهتمّ بالشّابة أو المرأة تمامًا كاهتمامي بفستان السّهرة أو الزّفاف. على الفستان أن يلائم شخصيّة الشّابة وأن يبرز جمالها وأناقتها، ويتمازج معها ليتّحِدا معًا، من دون أن تسرق منه بريقه ورونقه ويسرق منها جمالها وأنوثتها. أواكب العصر والموضة، وفي الوقت ذاته أطوّر فكرة التّصميم، وأطيّع الأقمشة وأدمجها لاختلاق تصاميم مميّزة، عصريّة وخاصّة.
- هل أنت بصدد التّخطيط إلى عرض أزياء قريب؟
الفكرة واردة، لكن ذلك يتطلّب مجهودًا كبيرًا وتخطيطًا ودراسة، كما يحتاج إلى مبالغ ماليّة كبيرة. آمل أن أفلح في القيام بعرض أزياء خاصّ يحمل بصمة كريس عيسى خلال السّنوات القليلة القادمة.
- إلى أين تطمح؟
رغم أنّي ما زلت في بداية مشواري، والمشوار أمامي طويل وشائك، إلّا أنّي أطمح إلى العالميّة. ولا شيء سيقف أمام طموحي وإصراري ومثابرتي.. آمل أن أضع بصمة خاصّة في فلك الأزياء العالميّة، وأبتكر أسلوبًا مميّزًا يسجّل كماركة أزياء تجاريّة عالميّة تحمل اسم وتوقيع كريس عيسى.
لا شكّ بأنّ فساتين السّهرة والزّفاف المتناغمة والمُدمَجة معًا بلمسة إبداعيّة، والألوان الهادئة المُفعمة بالإشراق، ذات التّصاميم المُبهجة واللّافتة، العصريّة والكلاسيكيّة، جذّابة وساحرة، تعكس هدوء كريس عيسى وجمال روحه وحسّه الفنّيّ؛ لأنّه يدمغها بطابع خاصّ وبصمة مميّزة.. خلال سنوات قليلة، سيُفرَض اسم كريس عيسى على عالم الأزياء الحيفاويّ والمحليّ، وسيتبوّأ مكانة مرموقة، قد تتخطّى الحدود وتصل العالميّة، طالما يخطو بخُطوات إبداعيّة واثقة، ويصل إصراره وطموحه حدّ السّماء وأبعد..!
شاپو كريس.. وإلى الأمام.
(صور كريس من تصوير وائل عوض، وصور العارضات من تصوير "كوكو كليك" وميري دويدوڤتش)
[email protected]
أضف تعليق