حذر الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، من خطورة التطرف والتشدد، نتيجة لما اعتبره “انتشار الإسلام السياسي” منذ40 عامًا.
وأشار جمعة في ختام مؤتمر “العالم ينتفض.. متحدون في مواجهة التطرف” الذي عقد مكتبة الاسكندرية خلال الفترة من 17 إلى 19 يناير 2017، إلى أن ما اسماهم “المغرضون” تمكنوا من دخول عقول الشباب وتصدير الفكر الإرهابي المتطرف إليهم عن طريق إقناعهم بأفكارهم ومفاهيمهم حتى وصلت لمرحلة شعور الأعماق عند هؤلاء الشباب الذين ينتقلون ما بين أربع دوائر رئيسية متداخلة؛ تبدأ بدائرة التشدد، تليها دائرة التطرف، ثم دائرة العنف، والتي يأتي من داخلها دائرة الإرهاب”.
وأكد أن الانتفاض ضد الإرهاب يتطلب الانتفاض ضد هذه الدوائر جميعها، وأن ذلك قد يتعارض بشكل ما مع مفهوم حرية الرأي والتعبير التي تتمتع بهما الدائرتان الأولى والثانية، لمنع أو تطويق الأفكار الفوضوية المتشددة والمتطرفة، والتحذير من خطورتها وسلبيتها، حماية للشباب من الانجرار خلفها، وتفسد الدين والدنيا.
وقال إن الحوار لا يكفي لمواجهة الإرهاب والتطرف الذي أنتشر في العالم، بل لابد من مراجعة المناهج التعليم والقبضة الحديدية.
وأوضح أن الإرهاب يتكون من دوائر متداخلة تبدأ بالتشدد ثم التطرف وتليها دائرة العنف وتنتهي بالإرهاب، مضيفا أن من أراد أن ينتفض ضد الإرهاب فعليه أن يواجه الدوائر الأربع مجتمعه وليس الانتفاض ضد الأخيرة فقط، خصوصًا إن الأزمة تزداد خطورة يوما بعد يوم، بحسب قوله.
وأشار إلى وجود46 استراتيجية من دول العالم لمواجهة الإرهاب والتطرف وتفكيك الأفكار المتطرفة، داعيًا المكتبة بالتعاون مع الأزهر إلى طباعة تلك الاستراتيجيات في كتاب يتم توزيعه على المفكرين والمثقفين في مصر والعالم، بحيث تتبنى كل دولة ما يناسبها من استراتيجيات لمواجهة الإرهاب لديها، مما يخلق ثقافة عالمية سائدة ضد الإرهاب.
من جانبه، قال إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الاسكندرية، إن التطرف ظاهرة عالمية، ليست فقط عربية أو إسلامية أو شرق أوسطية كما يحلو للبعض وصفها، وهناك تصاعد للظاهرة في أوروبا الغربية نتيجة انتقال مقاتلين من هذه المجتمعات لصفوف التنظيمات المتطرفة، وانتشار التهميش لأبناء الجاليات العربية والإسلامية، وشيوع موجات من التطرف والعنصرية في هذه المجتمعات، والتي قد تزيد خلال الفترة القادمة نتيجة التحولات السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وامتدادها الأوروبي.
وأوضح خلال الاحتفالية الختامية للمؤتمر، أن هناك استراتيجيات متعددة لمواجهة التطرف يمكن النظر فيها والاختيار من بينها، أو محاولة التزاوج بين هذه الاستراتيجيات، منها نزع الراديكالية؛ أي تجفيف منابع البيئة الدافعة للتطرف، مثل الأخذ بالتعددية الثقافية، واستراتيجية الاستيعاب أي محاولة تذويب الهويات الثقافية الفرعية في الثقافة العامة للمجتمع.
وأكد أن مفهوم التطرف لايزال غير محدد الأبعاد، ويعاني من عدم الضبط، ويوظف سياسيًا على نطاق واسع، ويستخدم أحيانًا لتبرير سياسات خاطئة، ومظالم عديدة، ويحتاج إلى ضبط وتحديد دقيقين، وأن المجتمعات العربية تعاني من قيم متناقضة أدت إلى إيجاد عوامل انقسام وتمزيق بداخلها؛ مثل الصراع بين التراث والحداثة، بين عدم الاجتهاد والاكتفاء بالموروث، وبين السعي إلى تحديث الخطاب الديني، وجميعها من القيم التي تؤدي أحيانًا إلى الفهم الخاطئ للدين وشيوع تفسيرات دينية خاطئة.
وشدد أنه في مواجهة التطرف لا غنى عن المواجهة الفكرية لمنابع الفكر المتطرف، فالفكر لا يواجه إلا بالفكر، ونزع بذور التطرف مسألة أساسية لتحصين الأجيال الشابة، يضاف إلى ذلك الاهتمام بقضايا التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية، ويتم ذلك من خلال النهوض بالبحث الاجتماعي الذي يقوم على الدراسات الميدانية الجيدة التي ترصد التحولات الاجتماعية والاقتصادية، إلى جانب الإعلام الذي ينبغي أن يلعب دورًا في بناء الوعي النقدي، ويحول دون نشر الفكر المتطرف، ويشكل خط الدفاع الأول لتنوير وتوعية الناس وعدم إعطاء أية شرعية للأفكار المتطرفة.
ودعا سراج الدين إلى ضرورة الاهتمام بقضايا الأمن القومي من خلال مواجهة التطرف الذي يشكل تهديدًا للأمن، ويمزق المجتمعات، ويهدد الاستقرار السياسي، والاهتمام بفئة الشباب، وتحصينها ضد الفكر المتطرف، والقضاء على البطالة، والنهوض بحال المرأة التي تعتبر من أبرز ضحايا التطرف جنبًا إلى جنب مع التعددية الدينية والثقافية في المنطقة العربية.
وأنهى سراج الدين محاضرته بأن الحديث عن مواجهة التطرف يرتبط بمحاور عديدة؛ منها الخطاب الديني من خلال تحديثه، وربطه بالقضايا الوطنية، ونشر القيم الإنسانية، ومواجهة الوعي الزائف والمنحرف، وتطوير ثقافة قانونية من خلال التعليم والإعلام، والتأكيد على أن الدين لا يتعارض مع القانون الذي يحقق العدالة، وارتباط المواطن بالقانون.
[email protected]
أضف تعليق