توجه البابا فرنسيس إلى كنيسة الحبل بلا دنس في العاصمة الأذرية باكو حيث ترأس قداسا احتفاليا شارك فيه آلاف المؤمنين وممثلون عن السلطات المدنية والدينية. وتخللت الاحتفال عظة توقف البابا في مستهلها عند قراءة من سفر النبي حبقوق "إلامَ يا رَبُّ أَستَغيثُ ولا تَسمعَ أَصرُخُ إِليكَ مِنَ العُنفِ ولا تخَلِّص؟" (حبقوق 1، 2). وقال البابا إن الله لم يتدخل مباشرة بل على العكس دعا إلى الانتظار بصبر مسطرا أهمية الإيمان قائلا إن البار بإيمانه يحيا (راجع حبقوق 2، 4). هذا يعني أن الله لا يلبي رغباتنا عندما نريد أن نغيّر العالم والآخرين بسرعة وباستمرار، لكنه يسعى قبل كل شيء إلى شفاء القلب لأنه يغيّر العالم من خلال تغيير القلوب، ويطلب منا بالتالي أن نفتح له قلوبنا.

هذا ثم أكد البابا أنه ليس من السهل أن يكون للمرء إيمان حي لذا يقول الرسل للرب "زِدْنا إِيمانا" (لوقا 17، 5). ونحن أيضا يمكن أن نرفع بدورنا هذه الصلاة لله كل يوم، والله يطلب منا أن نؤمن والإيمان هو عطية من الله لا بد أن نبتهلها منه، والإيمان لا يعني الرخاء الفردي، إنه هذا الخيط الذهبي الذي يصلنا بالرب ويمنحنا فرح أن نكون معه ومتحدين به. ومضى البابا إلى القول إن يسوع يحدثنا في الإنجيل عن أهمية الخدمة بالنسبة للمؤمن لأنه لا يمكن الفصل بين الإيمان والخدمة. وعندما يقترن الإيمان بالخدمة يبقى القلب منفتحا ونضرا ويتسع لصنع الخير. هكذا يصبح الإيمان قويا ورائعا إذا ما بقي مقترنا بالخدمة.

بعدها انتقل البابا فرنسيس إلى الحديث عن إنجيل هذا الأحد لافتا إلى أن الرب يطلب منا جهوزية تامة ويفعل ذلك لأنه خدمنا حتى "أقصى الحدود" (يوحنا 13، 1) وقد جاء ليخدم ويهب حياته (راجع مرقس 10، 45)، وهو يدعونا إلى اتباعه والاقتداء بمثله إذ يقول "مَن أَرادَ أَن يَخدُمَني، فَلْيَتْبَعْني" (يوحنا 12، 26). من هذا المنطلق ـ تابع البابا يقول ـ إننا مدعوون إلى الخدمة، لا كي نحصل على المكافأة وحسب إنما من أجل الاقتداء بالله الذي أصبح خادما محبة بنا. فالخدمة هي إذا نمط حياة، إنها نمط حياة المسيحي: خدمة الله من خلال العبادة والصلاة، الانفتاح والجهوزية، محبة القريب، والعمل لصالح الخير العام.

هذا ثم لفت البابا فرنسيس إلى التجارب التي يواجهها المؤمن المسيحي التي تُبعدنا عن نمط الخدمة هذا ومن بين هذه التجارب أن يترك المسيحي قلبه يفتر لأن القلب الفاتر ينغلق على حياة كسولة ويخنق نار المحبة. ويخصص المؤمنين الفاتر لله جزءا من وقته ومن قلبه، فتفقد حياته طعمها وعبّر البابا عن ثقته بأن المؤمنين في أذربيجان وإذ ينظرون إلى من سبقوهم في درب الإيمان لن يتركوا قلبهم يفتر لافتا إلى أن الكنيسة بأسرها تنظر إليهم وتشجعهم لأنه قطيع صغير وثمين في أعين الله!

وتحدث البابا عن تجربة من نوع آخر قد تواجه المؤمنين ألا وهي التسلط والتصرف من أجل الحصول على مكافأة، فتصبح هكذا الخدمة وسيلة لا الغاية، إذ تصير الغاية السلطة والعظمة. كما أن يسوع يتوجه إلى تلاميذه قائلا "مَن أَرادَ أَن يكونَ كبيراً فيكُم، فَلْيَكُنْ لَكم خادِماً" (متى 20، 26). هذا وحث البابا المؤمنين المسيحيين في هذا البلد على البقاء متحدين دائما وعلى العيش بمحبة وفرح، والرب ـ الذي يخلق التناغم وسط الاختلافات ـ يحرسهم. وختم البابا فرنسيس عظته في القداس الإلهي مقتبسا جملة من مقدمة كتاب "المسيرة البسيطة" للأم تيريزا دي كالكوتا "ثمرة الإيمان هي المحبة. ثمرة المحبة هي الخدمة. وثمرة الخدمة هي السلام".

كلمة البابا في ختام الاحتفال بالقداس في باكو
في ختام الاحتفال بالقداس ألقى البابا كلمة تحدث فيها عن الأسباب التي دفعته إلى القيام بهذه الرحلة الطويلة من أجل لقاء جماعة صغيرة تعد حوالي سبعمائة شخص تقريبا من أصل مجموع عدد السكان البالغ مليوني نسمة، مشيرا إلى أن البابا يسير على خطى الروح القدس الذي نزل من السماء وحل على جماعة صغيرة كانت داخل العلية، وكانت تشعر بالخوف والفقر والاضطهاد. وقد منحها الروح القدس الشجاعة والقوة لتنطلق وتعلن اسم يسوع، وما لبثت أن شُرعت أبواب تلك الجماعة في أورشليم وخرجت منها قوة الروح القدس. وذكّر البابا في الختام بأن الأم كانت حاضرة وسط تلك الجماعة فضلا عن المحبة الأخوية التي وهبهم إياها الروح القدس. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]