قال سيادة المطران عطا الله حنا رئيس اساقفة سبسطية للروم الارثوذكس بأن هنالك من يريدون ادخال مجتمعاتنا العربية الى حالة من الفوضى التي تسودها ثقافة التحريض والكراهية والعنصرية والاقصاء والتكفير وبث الرعب والخوف في النفوس ، ان الاغتيالات السياسية الفكرية والتي كان اخرها ما حدث مع الكاتب ناهض حتر ، انما هي رسالة يطلقها دعاة التعصب والكراهية والعنف والارهاب الى كل من يختلف معهم بالرأي بأنه مهدد بنفس العقاب .
ما حدث في عمان هو مؤشر خطير للغاية يجب ان يؤدي بنا جميعا الى تحمل مسؤولياتنا الجسام بكل حكمة ورصانة ومسؤولية واستقامة وانتماء وطني ، ان هذه الرصاصات الغادرة التي استهدفت الكاتب ناهض حتر استهدفت غيره ايضا من المثقفين والمفكرين وهي ذاتها الرصاصات التي تستهدف الابرياء هنا وهناك، فالكراهية والتعصب والعنف والارهاب الناجم عنهما انما هو وجه واحد لعملة واحدة وهي ايضا ظاهرة هدفها الاساسي تدمير مجتمعاتنا وادخالنا في دوامة العنف وتفكيك اوطاننا وتدمير كل ما هو حضاري وانساني في بلداننا .
ان جريمة اغتيال الكاتب حتر هي جريمة مستنكرة ومرفوضة بكل المقاييس ولكن الاخطر منها هو ما سمعناه من ردود فعل من دعاة الفتنة المتاجرين بالدين الذين كتبوا وعلقوا بطريقة تدل على عدم انسانيتهم لا بل يمكن اعتبارهم شركاء في هذه الجريمة ، ان من برر وبارك ودعم هذه الجريمة انما هو شريك فيها وهو شريك في الجريمة المرتكبة بحق امتنا وشعوبنا العربية وبحق فلسطين والقدس بشكل خاص ، اعدائنا يريدوننا ان نضيع البوصلة ويريدون للعرب ان ينسوا فلسطين والقدس ودعاة الفتنة في مجتمعاتنا انما يساهمون في ذلك بشكل مباشر او غير مباشر .
يؤسفنا ويحزننا حالة الانحطاط والتردي التي وصلت اليها اوضاعنا العربية حيث ثقافة الكراهية والعنف والارهاب يراد فرضها علينا .
من هو المستفيد الحقيقي من بث سموم الفتنة والكراهية والتعصب وثقافة الموت والارهاب في مجتمعاتنا العربية ، من هو المستفيد من قتل شخصيات قد نختلف معها او نتفق ولكننا نرفض اللجوء الى القتل والعنف لانه يتنافى مع قيمنا ومبادئنا واخلاقنا .
ان جرائم القتل التي تحدث والتي تنتشر بشكل خطير في مجتمعاتنا العربية هي مؤشر يجب ان يجعلنا ندق ناقوس الخطر فهنالك خطر كبير محدق بجتمعاتنا وهنالك حاجة لانطلاق مبادرات خلاقة هادفة لمعالجة هذه الحالة التي وصلنا اليها .
ان معالجة التطرف وسموم الفتنة والكراهية التي يسعى البعض لادخالها الى مجتمعاتنا يجب ان تكون معالجتها فكرية ثقافية دون التقليل من المعالجة الامنية .
اننا لا يجوز ان نكتفي ببيانات الشجب والاستنكار امام هذه الجرائم التي تحدث في مجتمعاتنا وقد يكون هذا على خلفيات سياسية او غيرها ، نحن بحاجة الى انتفاضة في المفاهيم والقيم تعيد الامور الى نصابها الصحيح ، نحن بحاجة الى ثورة فكرية لا ثورة دماء بريئة تسفك هنا وهناك ، المناهج التعليمية يجب اعادة النظر في بعض نصوصها ومؤسساتنا الاكاديمية والعلمية يجب ان يكون لها دورها في تكريس ثقافة الوعي امام ثقافة التجهيل والكراهية والتطرف التي يريدنا البعض ان نعيش فيها ، كما ان رجال الدين يجب ان يكون لهم دورهم القيادي المتميز في تكريس ثقافة المحبة والاخوة والتلاقي بين ابناء الامة الواحدة والشعب الواحد ونبذ مظاهر التطرف والكراهية بكافة اشكالها والوانها .
كفانا قتلا ودماء بريئة كفانا ارهابا وعنفا واستهدافا للكرامة الانسانية .
اين هم المثقفون ؟ اين هم المفكرون ؟ اين هم اصحاب الاقلام النظيفة ، كلهم جميعا يجب ان يقوموا بدورهم في النهوض بمجتمعاتنا ومعالجة هذه الافة التي تصيبنا في الصميم .
لا يكفي ان تكون ردود فعلنا مقصورة على بيانات شجب واستنكار مع كل جريمة قتل تحدث هنا او هناك ولا يجوز الاكتفاء بالتصريحات المنددة والمستنكرة لما يحدث بل هنالك حاجة لمبادرات خلاقة يساهم بها الجميع ، علينا ان نحافظ على مشرقنا العربي الذي يستهدفه الاعداء المنظورين والغير المنظورين ، علينا ان نحافظ على هويتنا الوطنية وان نبرز الصورة الحقيقية للدين الذي هو دين محبة وسلام واخوة بين الانسان واخيه الانسان وليس دين ذبح وكراهية وانتقام .
ان هذه الرصاصات القاتلة التي استهدفت الكاتب ناهض حتر مستنا في الصميم عسى ان تؤدي الى صحوة ضمير وان تساهم وتساعد في نهوض هذه الامة التي نفتخر بإنتماءنا اليها وسنبقى كذلك ، انها الامة التي نتمنى لها الخير والتي نسأل الله ان يحفظها ويصونها ويجنبها ما يخطط لها من مؤامرات تستهدف حضارتها وثقافتها وهويتها وكل ما هو جميل وانساني وحضاري فيها .
ان ثقافة الموت والرعب والارهاب التي يسعى البعض لادخالها لمجتمعاتنا العربية لا يستفيد منها الا اعداءنا الذين يطربون ويفرحون ويرقصون على دماءنا ونحن نقدم لهم هدية مجانية من خلال تشرذمنا وتفككنا واضعاف وحدة ولُحمة مجتمعاتنا .
لا لجرائم القتل التي لا مبرر لها ، لا لجرائم القتل تحت اية مسميات ، ونعم للحوار والتلاقي بين ابناء الامة الواحدة والشعب الواحد فمهما كانت الاختلافات عميقة لا يجوز اللجوء الى العنف والى القتل ، فالقتل محرم في كل الديانات ، والقتل لا يحل مشكلة بل يزيد الطين بلة .
كل التعازي لاسرة الكاتب ناهض حتر وللاردن العزيز ، وبدلا ان ننتظر جريمة اخرى علينا ان نبادر جميعا من اجل النهوض بمجتمعاتنا وتكريس ثقافة المحبة والسلم الاهلي بعيدا عن ثقافة الموت والعنف والكراهية .
العالم العربي بحاجة الى ثورة فكرية لا الى ثورة دموية .
وقد جاءت كلمات سيادة المطران عطا الله حنا رئيس اساقفة سبسطية للروم الارثوذكس لدى لقاءه وفدا اعلاميا عربيا يزور مدينة القدس .
[email protected]
أضف تعليق