من أكثر الأقوال التي يرددها الناس في شهر رمضان، أو خلال العام بموضوع شهر رمضان، قول "أن رمضان شهرٌ نشتاق له بعد نهايته فورًا"، هذا بالإضافة إلى أمور أخرى تقال، منها التي تثني على هذا الشهر ومنها التي تتحدث عن صعوبته، وبشكل خاص قبل بدايته.
عن شهر رمضان المبارك وفضله، وعن أحوال الأمة ومجتمعنا بشكل خاص، كان لنا حديث مع الشيخ خالد زعبي، إمام مسجد الدحي، القرية التي بنيت بجانب مقام الصحابي الجليل دحية ابن عامر الكلبي، الصحابي الذي تم إطلاق اسم "مرج ابن عامر" تيمنًا به حيث كان قد جاء لنشر الرسالة الإسلامية في أرض فلسطين وتوفي هنا ليدفن على رأس الجبل، جبل الدحي الذي سمُّي أيضًا تيمنًا به.
وبدأ الشيخ خالد زعبي حديثه شارحًا سبب اشتياق الناس لرمضان فور نهايته، وقال: هذا أمر طبيعي، فشهر رمضان يعتبر من أفضل الشهور عند الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا جاء رمضان فُتّحـت أبواب الجنة، وغُـلّـقـت أبواب النار، وصُفّـدت الشـياطين"، ووفق العلماء، فتحت أبواب الجنة، تتمثل بأنه في رمضان تصبح أعمال الخير كثيرة، تتضاعف زيارة الأرحام ومساعدة الفقراء، وفي رمضان تجتمع العائلات، وهذا ما نريده ونحتاجه في هذه الأيام خصوصًا مع انشغال الناس في الدنيا، وأيضًا الناس في هذا الشهر يقبلون على قراءة القرآن، والقرآن هو راحة للإنسان ، إذا قال الله عز وجل في كتابه الكريم " وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا"، صدق الله العظيم.
وتابع: وعن قوله صلى الله عليه وسلم "تغلق أبواب النار"، في رمضان الناس يتسامحون، يقبلون على عبادة الله، أعمال الشر تخف فالصيام جُنّة (وقاية)، ففي ساعات الصيام يكون الانسان "ضعيفًا" لذلك شهوته للعمل السيء، تكون أقل.
وأضاف: وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام "تصفّد الشياطين"، وهذا يحصل فعلًا مع المؤمنين الصائمين، حيث أن الله عز وجل يقيّد الشيطان عن المؤمنين، فيصبح معصومًا عنهم ، فنرى الانسان يقوم بعمل الخير بشكل مضاعف في رمضان، إذ قال تعالى " إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ".
وتحدث الشيخ عن شعور المؤمن في رمضان وقال: لا يذق متعة رمضان إلا من صام بإخلاص وإيمان، فالمؤمن يشعر بحلاوة رمضان، في الصيام، وفي الصلاة، وفي الاجتماع عند الإفطار، والله يضاعف الحسنات والأجور، فعندما نخرج من رمضان ، يشتاق المؤمن فورًا لهذا الشهر العظيم، لما كان يشعره من سعادة وسكينة، وهذه حقيقة.
ثم تطرق الشيخ خالد زعبي عن اولئك الذي يشعرون قبيل رمضان بالخوف من صعوبة الصيام ، ثم يتبدد شعورهم وقال: الناس عادةً قبل رمضان، يخافون خصوصًا مع تزامن رمضان مع فصل الصيف، هذا فهم خاطئ، فيجب أن نؤمن أن من يعين على الصيام هو الله عز وجل، وهو الذي قال "يريدُ الله بكم اليُسر ولا يريد بكُم العُسر"، والحقيقة أنه وبعد صيام أيام يشعر المؤمن براحة وخوفه يتبدد ، حتى أن بعض العمال الذين يعملون بالشمس يشعرون بمعية الله، كما يقول علماء أصول الفقه.
وتطرق الشيخ لموضوع المسلسلات الرمضانية وقال: وفي رمضان تكثر المسلسلات والأمور التي تلهي ع العبادة، يجب أن يعي الجميع هذا الشهر شهرُ لا يعوض وكل دقيقة فيه لها ثمن عظيم، لذا على الانسان أن يهتم ويكثر من وقت قراءة القرآن، لأن الأجر مضاعف، أما المسلسلات فهي غير مفضلة، حتى لو كانت برامج دينية ومسلسلات دينية، فما بالك بالأمور التي فيها أمور تبعد الانسان عن طاعة الله؟ يجب أن نستغل رمضان لقراءة القرآن، الانسان عندما ينوي للصيام عليه أن يتعامل وكأنه آخر شهر صيام في حياته، فأعمارنا ليست بأيدينا، ولذلك على الانسان أن يرتّب وقته، خصوصًا اولئك الذين يسهرون حتى الفجر وينامون خلال النهار دون صلاة أو قراءة قرآن، فيذهب المقصد الأساسي للصيام.
اللهم إني صائم
يبرر البعض في مجتمعنا، الظواهر السيئة التي قد تحصل في رمضان، كالشجارات بين الناس بأنها بسبب الصيام والتعب، حول هذا الموضوع تحدث الشيخ خالد زعبي وقال: حقيقة، أعمال العنف التي يشهدها مجتمعا تثبت أننا فقدنا الهدف الأساسي من الصيام، فالصيام يعزز الإرادة والصبر وحسن الخلق، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: " إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب فإن سابه أحد، أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم"، نعم، على المؤمن أن يذكر نفسه أنه صائم ولا يريد أن يضيع صيامه بالرد على من سبّه مثلًا ، الصيام لا بد أن نتحلى بجميع جوانبه، من يقول أنا ضيّق الخلق وأنا صائم، يجب أن يكون حَسن الخلق وكاظم للغيض ، والله يحب المحسنين ، فالنبي أمرنا بالتخلق وقال (ص)، " أمرت لأتمم مكارم الأخلاق"، فأقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم احسنهم خلقًا .
وتابع: ما الهدف من الانسان اذا لم يترك الاخلاق السيئة، وصام؟ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يضع طعامه وشرابه"، وحتى في ساعات المساء ما بعد الإفطار.
ثم تطرق الشيخ لأهمية صلاة الجماعة في المسجد وقال: عن الصلاة في المساجد برمضان، الله عز وجل قال :وأقيموا الصلاة"، أقيموا صيغة جمع، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة "، فالهدف من صلاة الجماعة، بالإضافة إلى الحسنات، أنها توحد المسلمين وتؤلف قلوبهم، وفي المسجد يجتمع المسلمون ويتعلمون أمور دينهم، إذا لم يأت المسلم للمسجد أين سيتعلم دينه؟ هناك سيتعلم الأمور والمواعظ التي تعينه على العبادة، وأيضًا الصلاة في المسجد تجعل الإنسان اجتماعيًا ، فيرى الناس، والقريب والبعيد، وهذا فيه خير للمسلمين في الدنيا .
العنف
وتحدث الشيخ خالد زعبي عن ظاهرة العنف التي تنتشر في مجتمعنا، ومؤخرًا حصلت حوادث حرق في دبورية وبلدات أخرى، وقال: في المجتمع العربي بالداخل الفلسطيني انتشرت ظاهرة العف بالآونة الأخيرة، وهذا ناقوس خطر، السبب يعود إلى كثير من الأمور، أهمها فقدان الوازع الديني عند الناس، وهذا أدى إلى عدم المخافة من الله عز وجل، فالذي لا يخاف الله يقترف الكثير من الجرائم وأعمال العنف، فهو لا يشعر بمراقبة الله عليه. ثانيًا، الوعي لدى الجيل الشاب من خطورة هذه الأمور هو وعي ضعيف، فلا بد للمدارس والمؤسسات أن يكثفوا المحاضرات وورشات العمل، لرفع التوعية، ليعرف ما خطورة هذه الأعمال على الفرد والمجتمع والأمة، زد إلى ذلك، أن هنالك مخطط على ما يبدو، فمثلا السلاح المنتشر بين الشباب، لا بد من الشرطة أن تجمع هذا السلاح ومع ذلك هنالك ضعف كبير، وهذا يضاعف العنف.
الحرب على الإسلام .. وموجة التكفير
وكان لا بد من الحديث ع ما يحصل في العالم العربي، وقال: ما يحصل في دول الجوار عبارة عن خطة ممنهجة لمحاربة الإسلام ، الذين يقاتلون بحق، ويدافعون عن الإسلام هم قلة قليلة، ليس كل من أطلق لحيته وقال أشهد أن لا الا الله، هو يمثل الإسلام، ويحارب باسم الإسلام، وكل من يقبل على الدين يجب أن يقبل عليه بعلم وإلا فهم الإسلام فهمًا خاطئًا وخرج للناس بسيفه، لأنه سيبدأ بالتكفير، فهو لو فهم أصول الإسلام، لما كفّر مسلمًا يقول "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وما رفع سيفه في وجه مسلم، النبي قال "المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه" ..
واختتم الشيخ حديثه ببادرة أمل: الله سينصر هذا الدين وسيبيّن الحق، وسيزول الظلم والظالمين بإذن الله عز وجل، نصيحة نقدمها لأنفسنا ولغيرنا، أننا في هذه الأزمة، وفي شهر رمضان، عليها أن نصطلح مع الله، فهو شهر الانتصار والفتح ، شهر الكرامة والنصر، لذلك علينا أن نصطلح مع الله ونحسن عبادتنا، حتى الله عز وجل يرفع من قدرنا وينصرنا.
[email protected]
أضف تعليق