في ظل مناخ يميني جارف يسود البلاد، تكاد لا تتوقف الحملات على منظومات ديمقراطية وحريات أساسية عامة، وعلى مكانة الأقلية العربية الفلسطينية وحقوقها بشكل خاص.
وهي حملات تترجمها القوى اليمينية الحكومية إلى تشريعات عنصرية جديدة وتعديلات مختلفة في القانون. فقد أقرَّت الكنيست بالسّنوات الأخيرة العديد من القوانين العنصرية والاقصائيَّة تّجاه المواطنين العرب والّتي تتناقض مع حقوق الانسان وأُسس ديمقراطية أساسية مثل الحق بالمساواة أمام القانون، حرية التعبير، حق التظاهر وغيرها.
في ظلّ هذه التحوّلات، اصدر النائب د. يوسف جبارين ود. سارة – أوساتسكي – لزار كتابًا جديدًا بعنوان "مواطنة مشروطة: عن المواطنة، المساواة والقوانين التعسفيّة". وقد أجرينا مع النائب جبارين هذا الحوار حول الوضع السّياسي الآنيّ وكتابه الجديد.
• كتابك الجديد، "مواطنة مشروطة" يتزامن مع موجة تشريع القوانين العنصرية؟
الكتاب يتطرق بشكل نقديّ وجريء الى مشاريع القوانين الأخيرة التي تسعى بوضوح لقوننة العنصرية تّجاه الجماهير العربية وتهدف إلى تدجين العمل السياسي للأحزاب العربية والناشطين السياسيين العرب.
فقد بادرتُ مع د. سارة اوساتسكي- لزار من معهد فان لير قبل عدة سنوات إلى اقامة مجموعة حوار وأبحاث متعددة التخصصات من أجل تحليل تداعيات وإسقاطات التشريعات التعسفيّة التي تداولتها الكنيست من الجوانب القانونية، السياسية، التربوية والثقافية، من أجل القيام بمقارنة مع حالات مماثلة من مختلف أنحاء العالم. انطلق المشروع بالتعاون بين معهد فان لير والمركزي اليهودي - العربي بجامعة حيفا ومركز "دراسات"، المركزي العربي للحقوق والسياسات، وعقدنا العديد من المؤتمرات والحلقات لعرض ومناقشة نتائج الأبحاث والدراسات. وقد تمّ تتويج المشروع بإصدار كتاب شمولي يطرح نتائج أبحاث المجموعة وتوصياتها.
• أعطِنا لمحةً سريعة عن الكتاب؟
يشمل الكتاب مقالات وتحليلات غنية ومتنوعة ساهم بكتابتها باحثون وباحثات من مجالات مختلفة، حيث يتناول الباحثون والباحثات في مقالاتهم التحوُّلات والتغيّرات الجوهريَّة في إسرائيل بالسّنوات الأخيرة، والّتي أفضت إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان وتآكل جدي في الهامش الديمقراطي، وذلك في سياق اقرار تشريعات وقوانين تهدف إلى تمتين وتعزيز الهُويَّة القومية – اليهودية والأيدولوجية الصهيونية على حساب القِيَم الديمقراطيَّة العامة.
كما وتتناول المقالات المطروحة في الكتاب المعضلات القانونية والجماهيرية والأخلاقيَّة لمجموعة التشريعات العنصرية، بالإضافةً إلى تسليط الضوء على تداعياتها الاجتماعية والتربوية أيضًا، وإلى تحليلات مقارنة لحالات مماثلة من تصعيد يميني متطرف من تجارب دول أخرى في العالم.
لقد طرح الكتاب هذه المواضيع بشكلٍ نقديّ وجريء، وعملوا على تقديم آليَّات عمل بديلة لمواجهة الواقع والظفر بالتغيير المَرجو، وكلّ ذلك جاء من الشّعور بالمسؤولية المجتمعيَّة الكاملة وحرصًا على جوهر الديمقراطية وإيمانًا بحقوق الانسان، وليس فقط من باب البحث الأكاديمي، على أهميته.
• هل برأيك سيكون تأثيرًا للكتاب على المجتمع الإسرائيلي؟ خاصةً وأنّه مكتوب باللغة العبرية..
يحذّر الكتاب من خطورة تدهور العمل السياسي في البلاد، ويطرح خطابًا بديلًا أساسه المواطنة المتساوية وحماية الحقوق الديمقراطية، إضافةً إلى تعزيز خطاب التعددية الثقافية واحترامها في القانون وفي الممارسة.
بالنسبة المجتمع الإسرائيلي، فأنا آمل أنّ قراءة متعمقة ومتأنيَّة ونقدية للمقالات التي يشملها هذا الكتاب قد تساهم في تغيير توجهات حالية بشأن التشريعات بالكنيست، وتساعد في التعامل مع الآفات السياسية والمجتمعية المُتفشّية بالمجتمع الاسرائيلي، كما وآمل أيضًا أنّ تساهم الأفكار وآليات العمل المطروحة بالكتاب بمواجهة التطرف في المجتمع الإسرائيلي، وفي الجهد المبذول من أجل تغيير سياسة تعامل مؤسسات الدولة مع المواطنين العرب.
• كيف يُفسِّر الكتاب العلاقة بين الدولة والجماهير العربية؟
نتائج الأبحاث المطروحة بالكتاب تؤكد أنَّ إسقاطات قوننة العنصرية تهدف إلى النَّيل من مكانة المواطنين العرب من خلال التحريض العنصري المتواصل بغية سحب شرعيتنا كأقلية وطن أصلانية – مولودة، وضرب أحقيتنا بالتأثير على المستوى السياسي واليومي. ويمكن تشخيص عدة توجهات في هذه الموجة العنصرية. أبرزها، المسّ بحقوق المواطنين العرب من قبل الهيئة التشريعية من خلال تشريعات عنصرية وفي مركزها هذه الايام قانون طرد النواب العرب. ويأتي هذا القانون استمرارًا لقوانين تم سنها في الحكومة الأخيرة، وخاصة قانون حظر إحياء النكبة، قانون لجان القبول، او "لجان التمييز" في السكن. والان محاولة تشريع قانون يحظر الآذان بمكبرات الصوت في المساجد.
• يتضمن الكتاب فصلًا حول دراسات مقارنة مع تجارب أوروبية. على ماذا يُسلط الضوء هذا الفصل؟
في الفصل حول الدراسات المقارنة يؤكد الكتاب بناء على التجربة التاريخية للمجتمعات في أوروبا تحديدا أن ردود فعل خجولة كالتي تأتي بها السلطة حيال عنصرية لفظية او تعبيرية أفضت دائما إلى تحول العنصرية إلى ممارسة عنيفة تجاه ضحاياها وإلى تمرّد هذه العنصرية على السلطة ذاتها. وهذا ما نشهده الآن في انقضاض اليمين على السلطة القضائية ممثلة بالمحكمة العليا وقضاتها واستقلاليتها وحتى على النيابة العامة، أيضا. أما الشكل الآخر من الممارسات العنيفة فنراه بتفاقم في الاراضي الفلسطينية المحتلة حيث يتمرّد اليمين المتطرف هناك على الجيش وضباطه علما بأنه الضالع بعملية حمايتهم ومستوطناتهم.
• كلمة أخيرة..
علينا في هذه المرحلة بالذات تقوية العمل الوحدوي الوطني بين جماهيرنا بأحزابها وحركاتها ومؤسساتها الأهلية من أجل خلق مناخ وحدوي يعزز من التعاون والعمل المشترك. مع تأكيدنا على ضرورة استحداث آليات نضالية جديدة والارتقاء بما تعودنا عليه وألفناه إلى مستويات جديدة قد تربك المؤسسة ولا تترك لها مجالًا للتهرب من الاستحقاقات التي نناضل من أجلها كأقلية وطن قومية. كما علينا أيضًا تكثيف جهود العمل والتواصل مع أطر وقوى وفعاليات يهودية تشاركنا الرفض القاطع للقوانين والمخططات العنصرية. والتجارب العالمية تؤكد على محورية مثل هذه التعاون مع مجموعة الأغلبية في نضال الأقليات.
امَّا على الصعيد الدولي، فعلينا تكثيف تواصلنا مع المؤسسات الدولية والإقليمية وتكثيف المرافعة أمامها، وخاصة مؤسسات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والسفارات الأجنبية من أجل شرح خطورة المشاريع المطروحة ودفعها للعمل على منع تمريرها.
[email protected]
أضف تعليق