تنتشر في البلدة القديمة من القدس، العديد من الأبنية والعمائر الأثرية من الفترة التي تلت الاحتلال الصليبي ونقصد بذلك الفترة الأيوبية والمملوكية والعثمانية.
وجاء ذلك في محاولة من قبل الأيوبيين لأسلمة المدينة عبر تشييد مباني لها طابع إسلامي مميز وتعميم المفهوم الإسلامي للمدينة مثل الزوايا والخانقة والأربطة والتكايا والمدارس الشافعية، ثم أكمل المماليك هذا المسار نظرا لقصر فترة حكم الأيوبيين وطول فترة حكمهم فأصبحت القدس نموذجا مملوكيا صارخا من حيث العمائر المملوكية التي تشمل الأسواق والقباب والزوايا والتكايا والأسبلة والأربطة . ثم شغل العثمانيون بعد ذلك الفراغات التي تركها المماليك في المدينة.
تاريخ القدس.. والدعوة الصوفية
ويقول روبين أبو شمسية الباحث في تاريخ القدس: تعددت العمائر التي خصصت للتجمع الصوفي في مدينة القدس ما بين الخنقاء والزاوية والرباط وفي تمييز للزوايا عن الخوانق والأربطة ، الزاوية كانت جزءا من بيت لأحد أصحاب الدعوة الصوفية في مدينة القدس والتي انتشرت بعد خروج الاحتلال الصليبي من المدينة أي في العهد الأيوبي، كما انتشرت دعوات صوفية من العراق وفارس وشمال افريقيا وبالتالي أصبحت القدس منطقة جذب ديني لهؤلاء المتصوفين ما اثر على إمكانية وجود أماكن تؤويهم وتضمن تجمعهم . ونتج عن ذلك انشاء ابنية هي عبارة عن جزء من بيوت الدعاه والمردين للدعوة الصوفية في القدس فسمي بذلك زاوية.
ويضيف: بعد موت الداعية او الصوفي صاحب الدعوة او الطريقة الذي فتح جزء من منزله كزاوية لتجمع الصوفيين والمردين تحول البيت الى مكان للتجمع الصوفي ما أصبحت الحاجة لتسميته بزاوية كونه جزء من بيت لأحد دعاة الصوفية.
ويؤكد ان الزوايا انتشرت في اماكن شتى في مدينة القدس داخل الاسوار الا ان المتصوفين ركزوا على ان تكون قريبة من المسجد الأقصى، في بعض الحالات كانت الزاوية هي جزء من ساحة المسجد، وعمليا يصل عدد الزوايا الصوفية التي سميت بزاوية وبقيت تحمل هذا الاسم 36 زاوية، لكن هناك بعض المباني والعمائر الأيوبية والمملوكية والعثمانية التي بنيت كمدرسة او اربطة او خانقاه تحولت الى زواية، لذا يمكن القول ان العدد يصل الى 64 زاوية في القدس اشهرها على الإطلاق الزاوية الدوادارية التي بالأصل كانت خنقاء وتقع على يمين الخارج من المسجد الأقصى عبر باب الملك فيصل .
بعض الزوايا مدارس .....
ويقول ان هناك أيضا الزاوية الوفائية، وزاوية المئذنة الحمراء، بعض الزوايا كانت مدرسة بالأصل ثم تحولت الى زاوية ثم عادت مدرسة مرة اخرى مثل الزاوية الجاولية، والصبيبية، والوجيهية، والمنجكية والهندية، هناك بعض الزوايا التي تبتعد عن الأقصى مثل القرمي ومن الزوايا التي انتشرت خارج اسوار القدس الزاوية الجراحية او الادهمية .. في محاولة للابتعاد عن ترف الحياة داخل البلدة القديمة.
ويشير الباحث ابو شمسية الى ان بعض الزوايا نالها من الدمار وبعضها تحول الى أماكن آيلة للسقوط والبعض الأخر أعيد استغلاله وبنائه وتحويله الى عمائر تشغل وظائف أخرى, وبعضها لم يتبق منها شيء.
ويوضح انه من الزوايا التي بقيت شامخة بقوتها الزاوية الجراحية التي تحولت فيما بعد الى مسجد ثم الى سكن عائلة الواقفين على هذا المكان، وقد رممت في عدة فترات تاريخية وخاصة في الفترتين العثمانية والحديثة، هناك الزاوية الادهمية شمال باب العمود التي أصبحت مسجدا وتحوي أيضا قبور الدعاة الصوفيين الذين جاءوا من شمال افريقيا، وهي ألان عامرة بالقادمين والزائرين والمصليين.
ويقول ان الكثير من العمائر أصبحت مدارس مثل الزاوية الجاولية والصبيبية والمعظمية التي أصبحت أماكن لسكن عائلات في مدينة القدس ولكن هناك بعض الزوايا الدارسة التي انتهى دورها كالزاوية اليونسية والبعض أيل للسقوط كزاوية القرمي وزاوية احمد بن مثبت.
ويؤكد ابو شمسية ان الزاوية بنيت في مدينة القدس لتستقطب القادمين المتصوفين من شتى أقطار العالم الإسلامي , فهي مكان دعوي للطريقة الصوفية وأيضا خان صغير يستقطب القادمين والزائرين والحجاج للمسجد الأقصى ومدينة القدس.
الزاوية الهندية .....
ويقول بخصوص الزاوية الهندية في مدخل باب الساهرة داخل القدس القديمة انه ليس هناك أي وثيقة تؤرخ او تؤكد تاريخ إنشائها لكن المثبت تاريخيا ان احد الصوفيين الهنود يدعى فريد بابا كنج جاء في القرن الثاني عشر ورمم هذا المبنى وحوله الى مكان لاستقطاب الصوفيين الهنود المسلمين القادمين الى بيت المقدس . وفي الفترة العثمانية أوقفت هذه الزاوية على مجموعة من المتصوفيين والزائرين الهنود ثم الى جزء منها الى عائلة الأنصاري . وهي بالأصل هنود سكنوا بالمكان وأصبحوا سدنته ، لذلك سميت بالزاوية الهندية التي من مزاياها انها كانت تقدم الطعام لكل الحجاج الهنود القادمين من الهند .
ويضيف : في العام 1964 استؤجرت هذه البناية من قبل وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين وتحولت الى مركز صحي يعالج المرضى من اللاجئين وما زالت حتى ألان تخدم هذه الفئة من المواطنين.
ويؤكد الباحث ابو شمسية ان معظم العمائر تعود الى ثلاث فترات مميزة في مدينة القدس هي : الايوبية والمملوكية والعثمانية وهذا العصر يطلق عليه العصر الاسلامي المتاخر ، هناك الكثير من العمائر مثل القناطر والبوائك والبنايات المختلفة مثل القباب والعقبات مليئة بالعمائر المملوكية والايوبية والعثمانية ولذلك لا يمكن لاحد ان ينكر هذه الصبغة الاسلامية الموجودة في القدس بل حتى هناك في الحي المسيحي الكثير من العمائر التابعة للوقف الاسلامي مثل مسجد قلمون ومسجد عمر بن الخطاب وبركة المطران وهي وقف اسلامي إضافة الى ما يسمى بالحي اليهودي المليء بالعمائر التي تعود للفترتين المملوكية والايوبية ثم العثمانية, وعلى سبيل المثال المدرسة الأفضلية ومسجد درغس ومساجد مختلفة اخرى منها المسجد العمري الكبير ومسجد الديسي او المسجد العمري الصغير , والكثير من العمائر الموجودة ما زالت تعطي النكهة الاسلامية لمدينة القدس داخل الأسوار.
ويشير الى ان العودة الأوروبية الى مدينة القدس في القرن التاسع عشر بعد ضعف الدولة العثمانية التي نتج عنها الكثير من العمائر الغربية الاوروبية مثل الكنائس والاديرة وأماكن وقفية حصل عليها اما الألمان او الفرنسيين او البريطانيين او النمساويين مثل الهوسبيس النمساوي, وكنيسة الفادي التي بنيت على وقف اسلامي من العهد الايوبي وهو ما كنا نسميه بالمارستان.
[email protected]
أضف تعليق