المرأة والرجل هما شقا الإنسانية، والمساواة بينهما في القيمة والكرامة الإنسانية المشتركة مطلب عادل ومنطقي، حيث خلق الله الاثنين من طينة واحدة ومن معين واحد، فلا فرق بينهما في الأصل والفطرة، ولا في القيمة والكرامة، إن تكوين المرأة البدني والنفسي والعقلي، بكل ما يحتويه من مرونة في الملمس، ورقة في المشاعر، وجيشان في العاطفة، وانفعال في الوجدان، هو تكوين بحاجة إلى معاملة خاصة بعيدة كل البعد عن العنف، وفي هذه الايام تحيي المجتمعات المختلفة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، ومن منظور الطائفية المسيحية فقد عدت المرأة والرجل جسدا واحدا، لا قوامة ولا تفضيل بل مساواة تامة في الحقوق والواجبات، وحرم الطلاق وتعدد الزوجات واعطيت قيما روحية اكبر، ومن هذا المنطلق كان لمراسل "بـُكرا" حديث مع عدد من رجال الدين المسيحيين حول هذا الموضوع .
لا يحق لأي انسان ان يأخذ دور الله تعالى
وفي حديث لمراسلنا مع الاب يوسف يعقوب قال : الأيمان المسيحي مثل سائر الديانات السماوية يعلن سمو الانسان وكرامته المميزة بانه خلق على صورة ومثال الله، ان كان رجل او امرأة كلاهما لهما ذات الكرامة والقيمة مرجعها الله الذي رأى خلقه "حسن جدا" كما يروي لنا سفر التكوين، اذا كان الله هو الخالق وهو المرجع لكرامة الانسان، اذا لا يحق لأي انسان ان يأخذ دور الله تعالى ويقرر باسم الله فيما يخص كيان ووجود الآخر، لا بل على الذين يحبون الله ان يكرموه بإكرامهم ومحبتهم لخلائقه، لا مبرر للعنف والارهاب تجاه اي شخص ان كان رجل او امرأة ، والعنف ان دل على شيء فانه يدل على قلة نضوج وضعف وتجديف اللاجئين اليه، فالنضوج الانساني من صفاته تحقيق القدرة لدى الانسان على السيطرة وضبط النفس امام الغضب والتهور بلحظات فيها الضغوطات والمشاكل والخلافات تزداد وتتراكم، هنا بهذه الظروف يظهر الانسان الناضج الذي يواجه هذه الصعاب بدون اللجوء الى العنف او الى اي وسيله التي ممكن ان تدمر او تلحق الاذى بالأخر، اذاً فقط الانسان غير الناضج والضعيف يستعمل العنف. ومن يلجئ الى العنف يجدف على اسم الله لأنه وهو انسان جعل نفسه مكان الخالق يقرر من له كرامه وحق بالحياة ومن ليس له حق، من هنا تقع مسؤولية كبيرة على العائلة والمدرسة والمؤسسات المدنية والدينية ببناء مجتمع ناضج ينمي ويحقق كرامة الانسان الموهوبة من لدن الله لكل البشر، ان ظاهرة العنف ضد النساء بشكل خاص امر بغاية الخطورة، فما من نضوج وتحقيق لصورة الله الا بوجود الامرأة والرجل فانهم مع بعض يعكسوا صورة لله، وبغياب احدهم يبقى الانسان، العائلة والمجتمع البشري غير ناضج، ان علامات العنف ضد النساء تظهر بعدة اقنعة منها بالعنف الجسدي او الكلامي او النفسي والاجتماعي وجميعها لا تعكس اي نوع من الخير والشرف والكرامة لا بل على العكس تظهر لدى الفعلة علامات غياب الخير بالإنسان وظهور الشر، شر يهدف بخلق الخوف والاستعباد والدمار نتيجته واحدة وهو الموت الانساني لدى الفاعل والموت المعنوي والنفسي والجسدي لدى المفعول بها، الله خلق الرجل والامرأة واشركهم دائرة الحياة، والعنف هو دائرة موت تقتل الرجل والامرأة، هنالك خطيئة على مستوى الفرد وهنالك خطيئة على مستوى الجماعة او النظام، لذا مكافحة العنف وتبني قيمة الحياة كقيمة عليا ، لا لاحد له الحق المس بها تقع على عاتق الفرد والجماعة، على كل منا تقع مسؤولية شخصية برفض العنف ونبذ دائرة الموت وتعزيز دائرة الحياة، كما وتقع علينا كجماعات عائلية، مدنية، دينية، تربوية نبذ كل ما يقلل من كرامة الانسان وتبني خطوات جذرية تنمي نضوج الانسان وبالأخص العمل على دعم وتعزيز مكانة الامرأة بكافة اطر الحياة. "
للمرأة كرامة وكرامتها ليس منّةٌ من الرجل إنما هي عطية من الله
وقال الاب سامر زكنون في حديث لمراسلنا: يقول سفر التكوين "خلق الله الانسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكرا وأنثى خلقهم" ، وتتضمن هذه الفقرة المقتضبة الحقائق الاساسية لعلم اصول الجنس البشري، فالإنسان هو في قمة نظام الخلق كله، في العالم المنظور، والجنس البشري الذي يبدأ في اللحظة التي دعي فيها الرجل والمرأة الى الوجود، يتوج عمل الخلق كله، فكلاهما كائنان بشريان، رجل وامرأة متساويان، وكلاهما مخلوق على صورة الله تعالى ومثاله، وهذه الصورة، أي الشبه بالله، هي أساسية في تكوين الكائن البشري، تنتقل بواسطة الرجل والمرأة ، كزوجين وأبوين الى ذريتهما: "أنموا واكثروا وملأوا الارض وأخضعوها" ، ولقد وكل الخالق أمر التسلط على الارض الى الجنس البشري، أي الى الاشخاص جميعا، الى جميع الرجال والنساء، الذين يستمدون كرامتهم ودعوتهم من أصلهم المشترك، يقول القديس أغسطينوس، الجزائري الولادة والمنشأ، ان الله تعالى لم يخلق حواء من رأس آدم لكيلا تتسلط عليه، ولم يخلقها من قدميه، فيستلط عليها، وانما استلها من ضلع آدم، لتكون شريكة ومساوية له، ولهذا فالنص الكتابي يقدم الاسس الكافية للتعرف على المساواة الاساسية بين الرجل والمرأة، وعندما لم يحسن بالرجل أن يكون لوحده، خلق له الرب حواء، لتسير معه وتتشارك معه في الحياة "كلحم من لحمه وعظم من عظامه"، في تعليم الكنيسة الاجتماعي في العصر الحديث، طور قداسة البابا يوحنا بولس الثاني التعليم الرسمي حول دور المرأة في الكنيسة والمجتمع، فكتب رسالة راعوية عام 1988 بعنوان "كرامة المرأة" وقد وضع فيها المبادئ الرئيسة للتعليم الكنسي فيما يختص بكرامة المرأة ودعوتها في خدمة بيتها ومجتمعها وكنيستها وأن تكون المساهمة والفاعلة في بناء شريعة المحبة الحقيقية التي يعطش اليها العالم، وأظهرت الرسالة بشكل جلي ما للمرأة من كرامة وما لدعوتها من أثر في تاريخ البشرية الخلاصي، وقد انطلق قداسة البابا في تأمله العميق حول معنى الانسانية من الكتاب المقدس، ليفسر حكمة الله في خلقه الانسان ذكرا وأنثى، "فالفارق الجنسي" لم يكن صدفة، انما هو من تصميم الله، لأنه تعالى أراد لكل منهما دعوة مميزة، وقد خصّ المرأة بدور أساسي لا يستغنى عنه، وقد شدّد البابا على ضرورة احترام كرامة المرأة التي كثيرا ما لحقها ضيم اجتماعي. وبين عظمة دعوتها ببعديها: الامومة والبتولية. فالتطور التكنولوجي الذي تشهده الانسانية الآن يحاول انتزاع قيمة "الامومة" من المرأة، فوسائل الانجاب الاصطناعي أو طرق الامومة المستعارة جعلت من الامومة وكأنّها وظيفة ميكانيكية أو مستعارة، وليس صفة مغروسة في العمق في كيان المرأة، وهذا ما يقلل من "سر الامومة" ويجعلها تافهة، كما ان الابتذال في مجال السلوك الجنسي، يحاول أن ينتزع منها قيمة العذريّة، فتفشي الحرية الجنسية بدون رادع داخلي، أو بدون رسم حدود أو أطر للسلوك، جعلت من العذرية خرافة أو وهما وغير ذات قيمة، فاستنادا على هذه الأبعاد الكتابية والتعليمية وايمانا منا ان للمرأة كرامة وكرامتها ليس منّةٌ من الرجل إنما هي عطية من الله، لذلك ليس لأي أنسان على وجه الارض ان يعامل المرأة اقل مما يعامل نفسه فهي جدته وأمه وخالته وعمته وأخته وزوجته وبنته" .
من احب امراته احب نفسه
وقال الاب سهيل خوري خادم كنيسة إقرث في حديث لمراسلنا: ربنا يسوع المسيح اعطى القيمة المتساوية للمرأة مثل الرجل ولكل انسان له كرامته في هذه الدنيا ولكن يوجد طرق اخرى غير العنف ، هناك حضارة المحبة والحوار وجميعنا مدعون لها ، لا يوجد ولا اي شرعية في الدنيا تعطي الحق للرجل ممارسة العنف مع المرأة او اي انسان اخر ، ويسوع قال لنا " لا تدينوا كي لا تدانوا " وعلى الانسان ان يكون مثل الله بالمسامحة والمحبة والتعامل بالكرامة والعدالة ، الله خلق الانسان على صورته ومثاله ذكرا او انثا ، الدين المسيحي هو دين التسامح والمحبة والعدالة ويدعوا الى اقصى انواع المحبة حتى محبة الاعداء ، لذلك مع المسيح لا يمكن ان يكون هناك قلة محبة وقلة تسامح ، بالإضافة لهذا ، في رسالة القديس بولس الرسول الى اهل افسوس في الفصل الخامس ، من اية 20 ، نقراها في يوم الاكليل حتى ان يسمعها كل رجل وكل امرأة لتكون اساس حياتهم الزوجية ، التي تقول فيها " ايها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب "، ويقول ايضا ايها الرجال احبو نسائكم كما احب المسيح ايضا الكنيسة وبذل نفسخه لأجلها، اذا المحبة الواجبة من الرجل الى زوجته كما احب المسيح الكنيسة ، ومات من اجل ان يعطينا الحياة ، ليس حبا اعظم من ان يبذل الانسان نفسه عن احبائه، اعظم حب في الدنيا عندما يضحي الانسان من اجل غيره، كذلك يجب ان يحب الرجال نسائهم كأجسادهم ، ومن احب امراته احب نفسه .
[email protected]
أضف تعليق