أُقيمت شعائر الجُمعة في جامع عُمر المُختار يافة الناصرة حيث افتتحها القارئ الشيخ سليم خلايلة بالتلاوة العطرة من الذِكر الحكيم بصوته الرائع على مسامع المُصلَّين، ثم تلاه الشيخ موفق شاهين إمام وخطيب الجامع وقدَّم الدرس وتناول التحدث فيه عن العَشر الأوائل من شهر ذي الحجة وفضلها وعِظَّم منزلتها، وما ينبغي على المُسلمين من اغتنامها في الأعمال الصالحة مِن صيام وذكرٍ لله تعالى، مُبيَّنًا فضل الحج ومكانته والحِكمة من جعله في هذه الأيام.
واستهل فضيلته الدرس بحمد الله سبحانه وتعالى والصلاة والسلام على الرسول الكريم النبي مُحمَّد صلى الله عليه وسلم وقال: "الحمدُ للهِ الذي كرَّمنا بهذه الأيام العشرة وما تليها، العَشر الأوائل من ذي الحجة التي جعلها الله عزَّ وجل البركاتِ التي فيها تعدل بركات السنة كلها، ففيها اليوم الثامن يوم التروية فيها اليوم التاسع وهو يوم عرفة وفيها اليوم العاشر يوم التضحية، وكلُ يومٍ يحمل رمزًا، وهذه الأيام العشرة قدَّرها الله تعالى في القرآن أيام تقدير يوم أن أقسم بها فقال تعالى ((والفجرِ وليالٍ عشر والشفعِ والوتر))".
كما واستأنف الدرس في الخطبة وقال: "الحمد لله الذي كرَّمنا الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم ومنحنا من الميزات ما لم يمنح احدًا من العالمين، وجعلنا أُمَّةً تمتاز عن غيرها بأُمورٍ عِدة من جملتها هذه الأيام الطيبة المُباركة التي نتفيأ ظلالها من شهر الله المُحرَّم شهرِ ذي الحجة، هذا الشهرُ الذي يتخللهُ من أعظم أركان الإسلام بل إذا شئت فقل هو الرُكن العظيم الذي أكسب الأمَّةَ ميزةً خالصة لم تمتز بها أُمَّة من الأُمم".
وأضاف: "لا يوجد أُمَّة على وجه الأرض عندها كعبة إلَّا نحن، لا يوجد أُمَّة على وجه الأرض عندها أطهرُ بُقعةٍ وأصفى بُقعةٍ وأنصع بيتٍ لله وُضِعَ على الأرض إلَّا نحن، ((إنَّ أوَّل بيت وُضِعَ للناس للذي بِبكة))، ((واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم))، إلى تلك الديار، لا يوجد مُسلم على وجه الأرض لا يتمنى أن يزور تلك البلاد، تلك البلاد مآثر الأنبياء مسقط رأس الصالحين لنا، ثم كرُّمنا بطيبة بالمدينة المنورة، تلك البلد التي قال فيها الحبيب المُصطفى (إنَّ الإيمان لا يأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى وكرها)".
وتابع: "العَشر الأوائل من ذي الحجة لنا، يوم التروية لنا، يوم أن يقف الحجيج على صعيد عرفات فيقول الله ((يا ملائكتي انظروا إلى عبادي هؤلاء جاءوني شُعفًا غُبرًا من جميع الديار من شتى بقاع المعمورة اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت لهم))، ثم في نصٍ آخر يقول الله تعالى ((انظروا يا ملائكتي إلى زواري هؤلاء الذين جاؤوا يزورونني في بيتي اعلموا أنه حقٌ على المزورِ أن يُكرم زائره فاشهدوا أني في كرامتي لهم قد غفرت ذنوبهم))".
وأمضى بالقول: "ما من أُمةٍ يُباهي الله بها إلَّا أُمتنا، سنظل الأُمَّة الوحيدة التي تقول (لبيك اللهم لبيك)، سنظل الأمَّة الوحيدة التي تسعى بين الصفا والمروة، سنظل الأُمَّة الوحيدة التي لها زمزم وباب السلام، سنظل الأمَّة الوحيدة التي تقول على وجه الأرض (لا إله إلَّا الله)، سنظل الأُمَّة الوحيدة التي لم تعتدي على أحد بل الجميع اعتدى عليها باتفاقيات إبان الحرب العالمية الأولى والثانية وما بعدها إلى الآن قسَّموها عبر سياسات "فرَّق تسد"، سنظل الأُمَّة المُعوَّل عليها، لا يأس لا قنوط لا ملل لا كلل لأنَّ الله عزَّ وجل سيرحم هذه الأمَّة شاء من شاء وأبى من أبى بأنه كرمنا بعرفات يوم أن تقف هناك تنسى كل شيء إلَّا الله هذا تكريم الله لنا".
كما وأكَّد فضيلته على ضرورة الاتحاد والترابط بين المُسلمين، وأنَّ هذه الأيام خير دليل على ذلك، حيث يجتمع الحجيج في بيت الله الحرام لا فرق بين وزير ولا غفير، فالكل هناك أمام الله سبحانه وتعالى سواء، واستطرد قائلًا: "ثم يأتي اليوم العاشر لا يوجد على وجه الأرض أُمَّة ترتدي ذلك الزيَّ، مُوَّحد ومُوحِد، تذوق الفوارق بين الناس لا تعرف الغني من الفقير ولا الكبير ولا الصغير ولا جنسية ولا لونًا ولا لغةً الجميع (لبيك اللهم لبيك)، هذا المشهد أعظم مشهد على الكوكب الأرضي لا مثيل له هذا كله لنا، الطواف السعي الحلق التقصير التحلل الإحرام معاني هي فقط لنا كُرمنا بها وَمَن كرَّمنا بها هو مولانا الله جل جلاله لذلك شُرِعَ لنا صيام يوم عرفة تماهيًا مع الواقفين هناك حتى التعبير عن المشاعر (اللهم لك صمت في هذا اليوم حُبًا فيك وشعورًا مع إخواني الذين تذبح وجوههم حر الشمس)".
واختتم: "هناك وحدة مشاعر هناك جسد واحد إلَّا أَّن ذلك الجسد سيظل فيه عِرقٌ واحد ينبض يقول (لا إله إلَّا الله) وستدب الحياة في هذا الجسد من جديد على أمل لأنَّ الله عزَّ وجل لن يفرط في اُمة حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، يكفي هذه الأمَّة فخرًا حديث النبي عليه الصلاة والسلام قال (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، ويقول في حديثٍ آخر (ليس هناك جزاءٌ للحج المبرور إلَّا الجنة)".
ودعا الله سبحانه وتعالى أن يُكرم من لم يحج في العام المُقبل أن يُيُسر له أمر الحج وأن يرضى عن حجاج بيته الحرام وأن يُعيد الحجاج سالمين غانمين مغفورة ذنوبهم مستورة عيوبهم.
[email protected]
أضف تعليق