ترسيخًا لما دأب عليه التجمع الوطني الديمقراطي، على مدار 15 عامًا متتاليات؛ نظم التجمع الطلابي الديمقراطي معسكره السنوي في قرية حدّاد في جنين، على مدار ثلاثة أيام متواصلة، تخللته مضامين ونقاشات اجتماعية وسياسية.
واختتم المعسكر، يوم الإثنين المنصرم، بمشاركة أكثر من 100 طالب فلسطيني من الداخل يدرسون في الجامعات والكليات في الداخل الفلسطيني وفي الجامعة العربية الأميركية في مدينة جنين.
اليوم الأول
وقام التجمع الطلّابي في يومه الأول، السبت الماضي، بافتتاح المعسكر وقوفًا للنشيد الوطني الفلسطيني، موطني، بحضور الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، عوض عبد الفتاح، وعضو المكتب السياسي ومسؤول ملف الطلاب والشباب، مراد حدّاد، وعضو اللجنة المركزية، يوسف طاطور، ومركّز الحركة الطلّابية، قصي أبو الفول.
وافتتح عضو المكتب السياسي، مراد حدّاد، المعسكر موجها تحيّاته لشهداء ولاجئي سورية الذين يعانون مرارة الحرب والهجرة، كما وجه تحيته للدكتور عزمي بشارة، مؤكدا على سلامته رغم الإشاعات التي يطلقها المأجورون في كل حين.
وأثنى حداد على دور الحركة الطلابية في السنوات الأخيرة، في نضالاتها السياسية والاجتماعية، آخرها اعتصامهم في مشفى “سوروكا” تضامنا ونصرة للأسير محمد علّان، الذي أضرب عن الطعام لأكثر من 60 يومًا.
وعرّج مركّز الحركة الطلابيّة، القيادي الطلابي قصي أبو الفول، في مداخلته على دور الحركة الطلابية في التجمع على المستويين، القطري والحزبي، على مدار العام الأخير، ابتداء من الفعاليات الوطنية والتثقيفية في كل الجامعات، وليس انتهاءً بتنظيم المظاهرات والاحتجاجات.
وأشار أبو الفول إلى أن أعداد المنتسبين للحركة الطلابية للتجمع الوطني في حالة تصاعدية؛ منوّها إلى أن هنالك ما يقارب أكثر من 30 مشتركًا في المعسكر، انتسبوا مؤخرًا للحركة الطلّابية.
واستهلّ الأمين العام للتجمع، عوض عبد الفتاح، حديثه، بتقديم المحاضرة الأولى للمشاركين بعنوان “الوضع الفلسطيني وأزمة البديل الثالث”، حيث قال إننا “كفلسطينيين علينا أن نعي أننا شعب، علينا أن نعزز الوعي الوطني الفلسطيني لأن الوعي يؤدي إلى العمل في سبيل التحرّر'.
وأضاف أن “هناك فجوة هائلة بين الوعي الطلابي وبين الوعي في القرى والمدن، ولذلك علينا التواصل مع الناس لأن من يطمح لتغيير جذريٍّ في المجتمع، عليه أن يعرف المجتمع”.
وقدّم استعراضا تاريخيا لأبرز ما مرّت به القضية الفلسطينية، منذ ما قبل العام 1948 حتّى اليوم، عارضا للأسباب التي أدت لقيام منظمة التحرير وكيف أثار لهيب فلسطينيي الداخل وقتها، حتّى أن الشبّان قد جعلوا من أنفسهم عرضةً للسجن ستّة أشهر فقط في سبيل كتابة 'م.ت.ف' على جدران المؤسسات الرسمية؛ بعدها، عرض الأسباب التي أدّت لوهن المنظمة وتأثيرها العميق على الفلسطينيين”.
أما في الفترة المسائية، قام الأكاديميان علي مواسي وعلي حبيب الله بتقديم محاضرتين والمشاركة في ما بعد بجلسة نقاش عام، حول مضمون: النهضة بين الدين والعلمانيّة، حيث تطرّق مواسي في مداخلته إلى الفرق بين اللغة العربيّة والعروبة، مستعرضا أهم الفترات التاريخيّة والنماذج العديدة التي تدل على الخلط ما بين النظرة الإسلاميّة، التي ترى في العروبة لسانًا، وبين النظرة التي طغت خلال العصر الأموي وبعده، والتي تؤكد على أن العروبة عرق، إذ وصفت الدولة الأموية في حينه على أنها 'عربيّة أعرابيّة أجنادها شاميّة'.
أما عن اللغة العربيّة وتشكيلها، فقد استعرض مواسي الدولة الألمانيّة كمثال، إذ كانت اللغة الألمانيّة عنصرا مهما في تشكيل الهويّة الألمانيّة، وبالتالي بناء مشروع سياسي حديث، يقوم على هذا العنصر التوحيدي للثقافة، وهذا، بالضبط، ما حصل مع العرب قبل ألمانيا بـ 1300 عام، وفقا لما وقف عليه مواسي في مؤلفات عبد العزيز الدوري.
وخلُصَ لرأيين فيما يتعلق بمصطلح العروبة 'الأول ينصّ على أنه مصطلح حديث ومصدر تشكيله هو الغرب، والرأي الثاني يوافق الأول نوعا ما؛ إلا أنه يرى أن فكرة الدولة القوميّة الحديثة، هي الشيء الجديد والحديث، وأما الإحساس الجمعي الساعي لتأسيس كيان سياسي يحقق السيادة لأبناء هذا الكيان فهو، تاريخيا على الأقل، قديم'.
وحول مفهوم الإسلام، قال مواسي إنه 'إذا أردنا تضييق مفهوم الإسلام، جعلنا الإسلام عقيدة أو علم شريعة، لكن هناك من يوسع هذا المفهوم ويطرح أسئلة عديدة منها: هل فقه الإسلام واحد؟ هل الشريعة الإسلامية واحدة أم هي مذاهب عديدة؟ هل فهم المسلمين كامل النص القرآني هو فهما واحدا؟ الإجابة المبسطة هي (كلا)'.
وأضاف أنه 'فيما يتعلّق بالعصر الحديث، نشأت في أواخر القرن التاسع عشر لدى العرب حركة من المثقفين العرب والسياسيين أمثال: عبد الرحمن الشهبندر وجمال الدين الأفغاني وغيرهم، إذ لم يكتفوا بالجهد التنظيري، بل أسسوا، أيضًا، جمعيات ومؤسسات للترويج بمعاداة الاستعمار الغربي ومطالبة الدولة العثمانيّة أن يكون للعرب احترام وحريّات لعامة الناس وإجراء إصلاحات'.
واختتم قائلا إن 'مسألة علاقتنا بالتراث والهويّة حسمت، نحن اليوم عرب رغم محاولات زعزعتها، وحاجتنا إلى العروبة يمكن إيجازها بأننا نواجه خطرا استعماريا يهدد وجودنا وكياننا ومواردنا ويبني أمجاده على حسابنا، وتعاملنا معه يحتّم علينا أن نكون مُوحَدين، لنتخيل عدم وجود العروبة اليوم، لكان هنالك المزيد من الطوائف والعشائر والقبائل'.
من جهته، تطرّق الباحث علي حبيب الله في مداخلته إلى لبّ سؤال الدين والعلمانيّة في السياق الأوروبي، والعربي والفلسطيني خاصّة.
واستهّل حبيب الله مداخلته بالتطرّق إلى الحالة الخاصّة للفلسطينيين، قائلا إن 'القضيّة الفلسطينيّة هي قضيّة تحرر، وحتى عند تأسيس منظمة التحرير كان هدفها الأساسي هو تحرير فلسطين، ولم يُطرح في حينه أي سؤال حول علمانيّة الفلسطينيين أو تديّنهم، إلا أنه في اللحظة التي تحوّل فيها الفلسطينيون من سؤال التحرر إلى سؤال الدولة، بدأت تطفو نقاشات حول العلمانيّة والدين، لكن دون التحرر'.
وأردف أن 'سؤال الدين والعلمانيّة خاصّة في الحالة الفلسطينيّة هو قفز عن أسئلة مصيرية سابقة'.
أما في الجانب التثقيفي لسؤال الدين والعلمانيّة، فقال حبيب الله إنه 'لمناقشة الدين والعلمانيّة معرفيا، علينا أولا إدراك أن العلمانية هي تجربة أوروبية قبل كل شيء، وهي لا تعني فصل الدين عن الدولة، أو بالأصح فصل الدولة عن الدين، بل هي تخليص الدين من هيمنة الدولة عليه وليس العكس، وفقا لجميع التجارب الأوروبيّة والتي اختلفت من بلد إلى بلد'.
وأضاف أن 'علاقتنا نحن، كعرب، مع الدين والعلمانيّة هي نتاج للاستعمار الفكري الغربي، ومن الخطأ إسقاط التجارب الأوروبيّة على العالم العربيّ بشكل مباشر، بسبب الاختلافات بين المنطقتين، وحتى في أوروبا اختلفت التجربة العلمانيّة من بلد لآخر، مثال على ذلك، العلمانيّة في أوروبا لم تختلف مع الدين بل كان لها موقفا من المؤسسة الدينيّة أي الكنيسة، لكن في السياق العربي لا يوجد مؤسسة دينيّة شبيهة، إذ لم يلعب المسجد دور المؤسسة الكنسيّة في أوروبا، ومن هنا لا منطق في إسقاط التجربة العلمانيّة الأوروبّية على العالم العربي'.
وحول حالة العالم العربي والحالة الفلسطينيّة خاصّة، قال إنه 'أولا، عربيًا وفلسطينيًا، علينا التمييز أنه لا توجد حركات دينيّة تتدخل في السياسة، بل توجد حركات سياسيّة تستخدم الدين كغطاء، بما في ذلك على مستوى الداخل الفلسطيني'.
وأردف أن 'ثانيا، في الداخل الفلسطيني سؤالنا هو سؤال مناهضة احتلال، إذًا، ما علاقتنا اليوم بسؤال الدين والعلمانية؟ هذا السؤال يصبح شرعيا في ظلّ تأسيس نظام ودولة، كما كانت الحالة المصريّة مثلا قبل عام. أما على مستوى الفرد، فإن سؤال الدين والعلمانيّة هو خاطئ... ما معنى أن تعرّف نفسك كعلماني فكرًا أو ثقافةً؟ هل فعلا باستطاعة الفرد بناء هذه الحدود الصارمة التي ينتجها سؤال الفصل بين الدين والعلمانية؟ الجواب هو (كلا). إذ أنه في الأساس سؤال يتمحور حول نشوء دولة ونظام وليس حالة أفراد'.
واختتم المحور في تطرّقه للفروقات بين الدين والتديّن، قائلا إنه 'يوجد دين، والذي يميّزه عن أي حالة أخرى هو البعد المقدّس له، ويوجد أنماط مختلفة للتديّن والتي تمثّل ظواهرَ اجتماعيّة تفسّر علاقتنا بالمجتمع بناءً على إيماننا'.
وفي نهاية اليوم الأول، نظم التجمع الطلابي زيارة إلى مخيم جنين ومقبرة الشهداء. بعدها، استضاف المركز النسوي في المخيم الطلاب والطالبات، إذ تحدثوا بإسهاب حول آخر أخبار المخيّم، في ظل المواجهات والاشتباكات، التي حصلت مؤخرًا، وتطرّقوا إلى قصّة صمود المخيم عند اجتياحه في العام 2002.
وأثناء التجوال في المخيم، زار الطلاب مسرح الحرية، أحد أهم معالم المخيم، الذي تأسس عام 1990 على يد الناشطة اليساريّة، آرنا مير خميس، حيث خرّج المسرح ممثلي مسرح ومقاومين استشهدوا فترة اجتياح المخيّم.
اليوم الثاني
وفي اليوم الثاني للمعسكر الطلّابي، استضاف التجمع الناشطة السياسية نجوان بيرقدار والناشط السياسي مجد كيّال، حيث عرضا مداخلة عن 'التطبيع: تعريف وآراء'.
وعرضت بيرقدار معايير التطبيع، وذكرت أن “المعيار الأول، هو إقامة أي عرض أو مشروع يهدف إلى تحقيق السلام من دون الاتفاق على الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف حسب القانون الدولي. ثانيا، إقامة مشروع عن طريق بديل ثالث أو يفرضه على الطرف الفلسطيني يساوي بين الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني أو الإسرائيلي والعربي، في المسؤولية عن الصراع أو يدعي أن السلام يتحقق عن طريق التفاهم والحوار. ثالثا، إقامة أي مشروع يغطي ويميّع وضع الشعب الفلسطيني كضحية للمشروع الكولونيالي الإسرائيلي أو يحاول قراءة الصراع بحيث يقدم الرواية الصهيونية كرديف أو موازي للرواية الفلسطينية عن جذور الصراع وحقائق الاقتلاع والتهجير. رابعًا إقامة أيّ مشروع يرفض أو يميّع أو يتجاهل حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وخاصة في حق عودة اللاجئين الفلسطينيين والتعويض، حسب قرار الأمم المتحدة”.
وأخيرًا، مشاركة عرب أو فلسطينيين أو مؤسسات في أي مشروع أو نشاط في داخل إسرائيل أو في الخارج، مدعوم من أو بالشراكة مع مؤسسة/جمعية إسرائيلية لا تقر علينا بحقوقنا المشروعة”.
ولخصت بيرقدار إلى أن هذه المعايير بمجملها تنطبق على فلسطينيي الداخل، وأن التطبيع هو لتجميل صورة إسرائيل في العالم العربي واستغلال علاقاتها في العالم العربي ووجودها الطبيعي في المنطقة لتجميل صورتها”.
وفي ذات السياق، قال الناشط السياسي مجد كيّال إن “التطبيع هو أمر يحتاج أكثر لأن نعيه، أن نستوعب مدى خطورته لأجل محاربته”.
وأضاف “نحن الفلسطينيون لا نناضل ضد الاحتلال ولا نناضل ضد العنصرية الإسرائيلية، بل نناضل ضد النظام الصهيوني برمّته لأن إسرائيل عنصرية في جوهرها، بالتالي نحن نناضل ضد النظام العنصري، ضد وجود هذا النظام العنصري، بمعنى أن كل الحالة المتواجدة على أرض فلسطين التاريخيّة، هي حالة غير طبيعية؛ هي حالة وجود نظام عنصري اقتلاعي في فلسطين”.
وذكر “أننا نسعى لرفع سقف النضال ضد النظام العنصري في كل مكان، وأن نبحث في كل حالة تشكّل خطر التطبيع ونناقشها، بحيث أن كل حالة تختلف عن الأخرى، قاصدًا أن ابن القاهرة أدواته وسبل احتجاجه ليست كفلسطينيّي الداخل”.
واختتم بالقول إن “النظام الصهيوني هو نظام غير طبيعي وهو ليس جزءًا من تطور المجتمعات وليس جزءًا لتطور الأيديولوجيات والصراعات، لذلك وجود إسرائيل في المنطقة غير طبيعي، وهذه حالة علينا أن نعيها وندركها جميعا، هذا الأمر بالضرورة يؤدي لأن نعي وندرك أن التطبيع مع هذا النظام العنصري من خلال إقامة حفلات ومشاريع ومؤتمرات على أرض فلسطين القابعة تحت احتلال، هو أمر غير طبيعي بتاتا”.
بعد ذلك تلاه محاضرة تحت عنوان “الهوية الفكرية للتجمع (قومية، ديمقراطية وعدالة اجتماعية)، ألقاها النائب د. جمال زحالقة، تحدّث فيها عن تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي ولماذا يتمسّك التجمع بهذه القِيَم، عارضا الأسباب والحالة التي شكّلها التجمع بعد اتفاقية أوسلو.
وتطرّق لليسار وتعريفاته تحت سياق القومية العربية، مقتبسا القوميين العرب أمثال جمال عبد الناصر وجورج حبش، حيث قال إنهم كانوا يساريين يطالبون بالعدالة الاجتماعية متمسّكين بعروبتهم”.
وتابع حديثه بالقول إننا “نحن كتجمع، حزب يساري ومستقبلي، وليس ماركسيّ، لدينا رؤيا وبرنامج، نحن كتجمع نعتبر أقلية مضطهدة وننظم أنفسنا بأنفسنا حتى نكون قوّة أقوى في مواجهة قوانين ومؤسسات الدولة”.
وعرض تعريف وأهميّة مصطلح “القومية”، ولماذا نحن بحاجة إلى تعريف أنفسنا كعرب، حيث ذكر أن كل مجتمع حديث يحتاج للقومية، بحيث أن الأخير يعتبر هُويّة حديثة لتنظيم أنفسنا ولأن نعتبر ذوو قوّة متينة أكثر.
وخلص بالقول إن من يريد تحقيق العدالة الاجتماعية عليه أن يقوم بتغيير في النظام وفي العالم.
وفي محاضرة أخرى تحت عنوان “هل يشكل العرب في الداخل حالة سياسية؟ (لجنة المتابعة وسُبل النضال)”، قدّمها النائب د. باسل غطاس للمشاركين، ذكر فيها آخر ما يدور في الساحة العربية في الآونة الأخيرة، حول إضراب المدارس الأهلية وعن تنظيمنا كأقلية عربية تعيش في إسرائيل تطالب بحكم ذاتي ثقافي.
وتناول لجنة المتابعة وأهميتها في تنظيم فلسطينيّي الداخل، وما هو مشروع التجمع الوطني الديمقراطي بشأنها.
وأردف في الحديث عن تركيبة المتابعة وأهميتها، 'التي توحدنا على الرغم من خلافاتنا السياسية والاجتماعية”.
وتابع محاضرته بالقول إنه “للأسف لجنة المتابعة أصبحت اليوم لا تحمل سوى الأمور الرمزية”.
وتحدّث عن وثيقة لجنة المتابعة وعن إعادة بنائها وخوض الانتخابات الأخيرة، وحول فرصة فوز مرشّح التجمع في الانتخابات، الأمين العام للحزب عوض عبد الفتاح”.
وأخيرًا، تطرّق عن قطاعنا الخاص في الاقتصاد من خلال عرضه لمعطيات وأمثلة، مؤكدا أن القطاع الخاص القوي المنتظم يؤدي في نهاية المطاف لبناء سياسي منتظم لمجتمعنا العربي.
وفي نهاية اليوم الثاني، استضاف المعسكر الطلابي في محور 'الملاحقات السياسيّة والاعتقالات' كلًا من الأسير المحرر الشيخ خضر عدنان، والأسير المحرر جعفر فوزي أبو صلاح والمحامييّن علاء محاجنة وفرح بيادسي.
وتحدّث الأسيران المحرران عن تجربتهما في الاعتقال الإداري، وعن إضراب الأسرى عن الطعام؛ ودعا الأسيران إلى استمرار الحركة الطلّابية في مساندة الأسرى بنضالهم الأسطوريّ، خاصة أنه منذ قرابة أكثر من شهر يخوض عدّة أسرى إداريّين إضرابا عن الطعام رفضا لسياسة الاعتقال الإداريّ التعسّفي.
وكرّم التجمع الطلّابي، الأسيرين المحررين، الشيخ خضر عدنان وجعفر أبو صلاح، بتقديم دروع تكريمية لصمودهم وجبروتهم في إضرابهم عن الطعام.
وبعد التكريم، قدّم المحاميان محاجنة وبيادسي مداخلتين للطلاب حول الملاحقات السياسية، حيث تطرّق المحامي علاء محاجنة في مداخلته إلى موضوع الملاحقات السياسيّة، قائلا إن 'مفهوم الملاحقات السياسيّة واسع ويشمل الاعتقالات، الشطب، عدم المشاركة بالانتخابات، فرض غرامات ماليّة، إغلاق مؤسسات وتضييق عملها وغيرها'.
وتابع أنه 'عند الحديث عن موضوع الملاحقات السياسيّة علينا أولا التطرّق إلى السياق النظري العام، والذي أسميه حالة 'الحرب المستمرّة'؛ ثانيًا، التطرّق إلى الممارسات الفعليّة لموضوع الملاحقات على أرض الواقع؛ ثالثا، التطرّق للمقترح الأخير والذي مرّ بالقراءة الأولى تحت اسم 'قانون مكافحة الإرهاب' والذي بحسبه، وفي حال تم تثبيته قانونيا وتطبيقه، فإننا جميعا هنا نعتبر 'إرهابيين' لمجرّد وجودنا هنا ولطرحنا هذه المضامين السياسيّة؛ وأخيرا، علينا التطرّق لكيفية مجابهة الملاحقات السياسيّة'.
وأردف 'لفهم موضوع الملاحقات السياسية والحرب المستمرة علينا مراجعة كتاب ’يجب الدفاع عن المجتمع’ للفيلسوف الفرنسي فوكو، إذ يقول فوكو إن السياسة هي استمرار للحرب، لكن بوسائل أخرى، وتديرها النخبة الحاكمة، وهذا هو حالنا في الداخل الفلسطيني' .
واستعرض دلائل عديدة تثبت استمرار الحرب بين فلسطينيي الداخل والحكومة الإسرائيليّة منذ النكبة في عام 1948، مرورا بالحكم العسكري حتى نهاية الستينات، والانتفاضة الثانيّة حتى هذا اليوم، والتي جاءت على شكل ملاحقات سياسيّة. وعرض أيضا محاجنة تجربته كمحام في قضايا عديدة منها إغلاق وتضييف عمل مؤسسات المجتمع المدني في الداخل، وملاحقة نواب التجمّع في الكنيست ومحاولات الشطب المتكررة للحزب قبل كل جولة انتخابيّة.
وشدد على أنه لا شكّ أن الكثير من القوانين العنصرية، التي سنتها الحكومات الإسرائيليّة تحديدا في آخر 20 عاما جاءت لسببين، الأول، تغيير الخطاب السياسي لفلسطينيي الداخل وطرح حزب التجمّع لخطاب دولة المواطنين، والذي شكل تهديدًا لدولة إسرائيل، والسبب الآخر هو نجاح فلسطينيي الداخل في الكثير من الأحيان في أن يكونوا صنّاع الفعل وإسرائيل بدورها كانت تقوم بردّ الفعل، مثلا مسيرة العودة بدءً من عام 1998 وجاء بعد أعوام قانون 'النكبة' الذي يجرّم المشاركة في المسيرة كردّ فعل من قِبَل حكومة إسرائيل، ومثال آخر هو سنّ قانون التغذية القسرية لذي جاء كردّ فعل من حكومة إسرائيل لمحاولة إفشال إضرابات الأسرى الفلسطينيين عن الطعام.
أما المحامية فرح بيادسي، فقد تناولت في معرض حديثها الجانب العملي للاعتقالات والتحقيقات التي يتعرض لها الناشطون السياسيون والمشاركون في المظاهرات، وكيفية التصرّف وقت الاعتقال أو التحقيق.
وأكدت أنه 'في حال الدعوة إلى التحقيق والاعتقال فإن الأحزاب العربيّة والقيادات والمؤسسات الوطنيّة لن تترك أي ناشط لوحده، ولدينا الكثير من المحامين الذين يتابعون هذه القضايا بشكل مباشر وفوري'.
وعرضت النصائح المهمّة للطلاب المشاركين والتي عليهم اتباعها في حال تعرّضهم في أي وقت للاعتقال أو دعوتهم للتحقيق بسبب نشاطهم السياسي، إذ أن هذه الملاحقات والاعتقالات هي ردة فعل الشرطة الإسرائيلية والشاباك لعملنا الوطني السياسي، وعلى كل ناشط أن يهيئ نفسه لحالة شبيهة، والتصرف بالشكل المناسب حتى لا يتيح المجال لرجال الشرطة تمديد اعتقاله أو الإيقاع به.
وتطرّقت إلى عدّة أمثلة لحالات اعتقال لناشطين بسبب مشاركتهم في المظاهرات وساحات النضال.
اليوم الثالث
وفي اليوم الأخير لمعسكر التجمع الطلابي، استضاف التجمع عضو اللجنة المركزية والمحاضر في جامعة بير زيت، د. مطانس شحادة والباحث والإعلامي مهنّد عبد الحميد.
وتطرّق د. شحادة عن اليسار كحالة في واقع الفلسطينيين في إسرائيل قائلا إن 'النقاش الأساسي والمحور الأساسي بين اليسار واليمين هو الإنجاز الاقتصادي، بحيث له دور أساسي ومركزي في التأثير والسيطرة على دور الإنتاج ومن هنا نبع الفكر الماركسي والشيوعي'.
وأضاف أن “اليسار يطمح لتحقيق العدالة والمساواة والديمقراطية، واعتبار الملكية الخاصة أساس البلاء وأساس فساد المجتمع، بينما شدد الفكر اليميني على الحرية الاقتصادية وجني الأرباح والملكية الخاصة، والحفاظ على الوضع القائم مقابل التغيير. محافظ مقابل ثوري'.
وعرض نتاج الفكر التنويري وعصر النهضة والأفكار التحررية وحقوق الإنسان والفرد، بالإضافة لنشأة اليسار واليمين كحركات تحرر في نظام ديكتاتوري قد يكون أحيانا قوميًا أو يستغل المشاعر القومية لتخدير الشعوب؛ أو نظام ملكي؛ أو نظام شكلي يخدم مصالح الغرب؛ أو الاستعمار. وكل هذه الأنظمة بمجملها كانت رأسمالية.
وتناول خلال محاضرته تطور اليسار واليمين تاريخيا، أزمة اليسار في سنوات السبعينيّات، انهياره في الثمانينيات، العولمة وأزمة الأحزاب كأنماط عمل جديدة، تقنيات عالية، ارتفاع مستويات التعليم والدخل وطبقة وسطى واسعة.
واختتم محاضرته باليسار الفلسطيني في الداخل في واقع استعماري، وأضاف أنه 'قبل تعريف اليسار في الواقع الفلسطيني يجب تحديد الواقع الفلسطيني، وعليه أنه نحدّد ونعرض أهداف نضالنا وعناوين نضالنا بالطروحات القائمة أو التيارات الفكرية القائمة والفاعلة داخل المجتمع الفلسطيني وأمام الحركة الوطنية الفلسطينية ومقابل الدولة'.
وقال عبد الحميد، تحت عنوان محاضرته “اليسار: نشأة، تاريخ، حاضر ومستقبل” إن “اليسار هو الاحتجاج والمقاومة من أجل منظومة ديمقراطية عادلة”.
واستعان بتعريف اليسار من باحثين وأدباء غربيّين كميلان كوزريرا، وقال إن “المؤسسة الحزبية ضيّقة الأفق التي تلغي وتغيّب العقل هي مؤسسة شمولية أصولية، عارضا الحجج والأسباب”.
وعرض عبد الحميد نبذة عن اليسار في فلسطين، نشأته ومآلاته، مرورا من العام 1923 حتّى يومنا هذا متطرّقا للحزب الشيوعي الفلسطيني، عصبة التحرر (التمرّد)، الحزب الشيوعي الإسرائيلي والحزب الشيوعي الأردني.
وفي محاضرة أخيرة عن النسويّة، تناولت عضو المكتب السياسي في التجمع، هبة يزبك، المفاهيم العامة للحركة النسوية كمدخل عام لتعريف ونقاش تطور الحراك النسوي في الداخل الفلسطيني وآليات النضال المتّبعة على تنوعها.
واستعرضت يزبك البحث الذي أعدته حول الحركة الطلابية ودورها في العمل على قضايا المرأة والذي من خلاله تم استعراض أهم النتائج، ومن ضمنها أن الحركة الطلابية حتى اليوم، لم تقم بالدور الحداثي المعاصر والنهضوي بشموليته، رغم مساهمتها عبر السنين في تعزيز دور المرأة ودمجها في صفوفها وتعزيز الخطاب التقدمي، إلا أنها لم تضمن التمثيل الفعلي والمتساوي للطالبات في كتلها وهيئاتها كما أنها لم تأخذ على عاتقها دمج قضايا النوع الاجتماعي وقضايا المرأة على أجندتها الطلابية وأنشطتها بالشكل الكافي.
وأكدّت يزبك على 'أهمية تفاعل الحركة الطلابية مع الحراك النسوي القائم وتأثيره (التفاعل) عليه (الحراك النسوي) داخل الجامعات وخارجها وأنه يفترض ألا يتم عزل قضايا النوع الاجتماعي عن القضايا المطلبية والنقابية للطلاب بحيث يتوجب طرح القضايا السياسية بما يشمل القضايا الاجتماعية كما يتوجب طرح القضايا الاجتماعية ببعدها السياسي'.
واختتم مركّز الحركة الطلابية، قصي أبو اللفول، المعسكر بتحيّة للطلّاب على مشاركتهم ودورهم في إنجاح المعسكر، مؤكدا أن الحركة الطلّابية ماضية في همّة صلبة وأفق عالي نحو انطلاقة متجددة السنة القادمة في الجامعات والكليّات.
[email protected]
أضف تعليق