في اليوم الخامس من انقطاع الإنترنت، في يوم مظلم قبل عدة أشهر، امسكت بهاتفي الذكي وخنت مبادئي. فتحت حساباً في موقع فيسبوك.

صحيح، انه حساب مزيف. وهو مسجل بواسطة عنوان بريد الكتروني أنشئ خصيصاً لهذا الهدف، واستعملت اسماً مزيفا. لا يوجد لدي أصدقاء وعلى الأغلب لن يكون لدي أصدقاء لأن "أصدقاء الأصدقاء" فقط يمكنهم ارسال طلب صداقة. عشت 30 سنة دون فيسبوك ولم أشعر ولو للحظة بأني بحاجة اليه. لكن في ذاك اليوم المظلم شعرت بالملل الشديد، وأردت جداً تجربة تطبيق "تيندر". ولكي تستعمل هذا التطبيق يجب ان يكون لك حساب في موقع فيسبوك.

على قدر ما نريد ان ندعي العكس، فيسبوك هو وسيلة التواصل الاجتماعي الأولى في ألمانيا. 69% من الألمان يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ان موقعا يوتيوب وفيسبوك يحتلان المرتبة الأولى والثانية. يقدر ان 28 مليون مواطن ألماني، أي 35% من عدد السكان، يستخدمون الفيسبوك.

من أجل المقارنة: 4 ملايين إسرائيلي، او نحو 50% من سكان إسرائيل، يستخدمون الفيسبوك و93% منهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي. لكن الألمان لديهم توجه مختلف تجاه فيسبوك. في حين انه قد يكون عليك البحث عن مستخدم إسرائيلي في موقع فيسبوك باللغة الإنجليزية أو العبرية، على الأغلب ستجد مستخدماً ألمانيا على موقع فيسبوك من جيلي فقط عن طريق اسمه المستعار. لا حاجة للأمر ان يكون معقداً: ربما يتعامل مع الأحرف الأولى من اسمه الشخصي واسم عائلته، ربما ترجمة اسم عائلتها الى اللغة الإنجليزية، أو ربما اسم الكنية التي يطلقها الجميع عليها. وفي حال كان الحساب موصولاً بتطبيق "تيندر" فعلى الأغلب ان العمر المسجل لن يكون حقيقياً أيضاً.

الغيستابو والشتازسي، اجهزة الأمن في ألمانيا الشرقية، هي جزء من ذاكرتنا الجماعية. لا نريد للشركات والحكومات ان تجمع معلوماتنا، ولسنا واثقين تماماً فيما إذا كان بإمكاننا الوثوق حتى بجارنا مع معلومات عنا. وسائل الإعلام الألمانية مليئة بمقالات تحذر من فيسبوك. فقط في ألمانيا ستجد مقالا طويلاً في موقع "ويكيبيديا" بعنون "الانتقادات ضد فيسبوك"، وفي الماضي حذرت وزارة العدل وحماية المستهلك الفدرالية واتحاد منظمات المستهلكين الألماني، المواطنين الألمان من التسجيل لموقع فيسبوك.

عندما ذهبت الى المدرسة، حذرنا المعلمون من فيسبوك وعندما حان وقت تخرجنا من الجامعة وكنا على وشك دخول سوق العمل، سمعت دائماً قصصاً وأساطير حول أصدقاء ذهبوا لمقابلة عمل ليجدو مشغلهم المستقبلي يحمل صورة لصفحتهم على موقع فيسبوك.

في حين ان عدد المستخدمين النشيطين في فيسبوك في إسرائيل قد تضاعف منذ العام 2012، إلا ان نسبة مشاركة الألمان صعدت بشكل طفيف. في الواقع، 38% من مستخدمي فيسبوك الألمان يشاركون بشكل خامل، يقرأون المقالات، وبالكاد يقومون بنشر أي شيء، أو حتى التعليق أو ضغط "لايك" على أي شيء. نحن نريد ان نستهلك ولا نريد ان نكون خارج الصورة، لكننا لا نحب المشاركة. عندما أطلقت شركة غوغل خدمتي "غوغل ارث" و "غوغل ستريت فيو"، نحن ايضاً أردنا ان نستكشف العالم بشكل افتراضي. عندما أرادوا تصوير بيوتنا الألمانية، قمنا بتقديم شكاوى أدت الى إخفائها من صورهم.

ستجد صعوبة بالعثور على شبكة "واي فاي" مجانية في ألمانيا، وخلال زيارتي الى هناك مع هاتفي الإسرائيلي اضطررت لشراء فنجان قهوة للعديد من الأشخاص في المقاهي هناك فقط لكي يتم السماح لي باستخدام الإنترنت لمدة 30 دقيقة. وكلا، لم نشاهد الكليب الأخير لبيونسيه، لأن اليوتيوب والاتحاد الألماني للفنون الاستعراضية مشتبكان في نزاع قضائي منذ الأزل. بدلاً من ذلك تقول لنا الشاشة: "للأسف هذا الفيديو غير متاح في بلدكم لأنه قد يتضمن مقاطع موسيقية لم نكن قادرين على التوصل الى شروط استعمالها مع الاتحاد الألماني للفنون الاستعراضية". لذا حتى لو اردنا ذلك، ما الذين يمكننا مشاركته على موقع فيسبوك وهل تتوقعون منا حقاً ان نستخدم رزمة الإنترنت الخلوية المحدودة ذات الجيل الثالث الغالية للقيام بذلك؟

بدلاً من ذلك، بعضنا ما زال يكتب الرسائل باليد، ويعلنون عن ولادة طفل جديد عن طريق إرسال صور للعائلة والأصدقاء. نقوم بالاتصال مع بعض في أعياد ميلادنا، ونلمح بشكل خفيف الى اننا نعرف ان عمرك هو 33 وليس 28 كما ذكر في صفحتك على موقع فيسبوك. ألمان قدامى مثلي لا يحبذون ما يقوم به 35% من الألمان الذين ما زالوا يستخدمون فيسبوك و"واتس اب" بدلاً من التلغراف.

اه، لقد محوت تطبيق "تيندر". انا لست بحاجة اليه بعد الان والجميع هنا يدعى اما ليئور، أساف أو دان على اية حال. على الأقل في ألمانيا يمكنك ان تلتقي بباتمان (رجل الوطواط)، دراكولا أو جون سنو الحقيقي.

 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]