من الأعياد التي يحتفل بها المسيحيون في شتى أنحاء العالم، وذكرتها المصادر المختلفة، بما فيها المصادر العربية القديمة، عيد القديسة بربارة، أو عيد الشهيدة بربارة، أو عيد البربارة، الذي يحتفل به يوم الرابع من كانون الأول، ويقولون في الأمثال: "في عيد البربارة بتطلع الميّ من قدوح الفارة" لغزارة المطر في هذا الوقت من العام!
فمن هي القديسة بربارة ،القديسة التي يحتفلون بذكراها ويزداد المطر في عيدها؟
تختلف المصادر في تحديد هويتها، فمن قائل أنها ولدت في نيقوديميا (في آسيا الصغرى) الى قائل انها ولدت في لبنان، في مدينة بعلبك، عروس البقاع الخالدة، الى قائل انها ولدت في فلسطين، وحتى في مصر... وتجمع المصادر المختلفة على أن أباها ديوسيكوروس (ومثله أمّها ايضاً) كان وثنياً، متعصباً لوثنيته، غنياً، ويعمل في خدمة الوالي كقائد لجيشه ولا يختلف مصدران في موضوع التربية المميزة والخاصّة ودراسة العلوم والآداب والفنون التي وفّرها لها أبوها الثريّ، الذي حرص عليها كل الحرص، ويرى البعض ان أباها وضعها في برج حصين، لأنها كانت رائعة الجمال، وأقام من حولها الأصنام لتظلّ متعبّدة للآلهة ليل نهار, ويقال انها راحت تتأمّل في هذا الكون وتبحث عن مبدعه، فلم ترَ في الأصنام سوى حجارة صمّاً بكماً لا يرجى منها خير، فأتاح لها الله أن اتصلت بالمعلّم فالنتيانوس، الذي أخذ يشرح لها أسرار الديانة المسيحية وتعاليم الإنجيل السامية. فأذعنت بربارة لهذا المرشد الحكيم، وآمنت بالمسيح وقبلت سرّ العماد المقدّس، ونذرت نفسها للعبادة. وأنها بينما كانت في البرج تتلمذت على أيدي فلاسفة وخطباء وشعراء، وتعلمت منهم كيف تفكر، فأدركت ان الشرك وتعدد الآلهة لهو سفه رخيص لا معنى له، وتمكنت بمساعدة بعض الفلاسفة من اعتناق المسيحية. وكانت مثابرة على الصلاة والتأمّل وقراءة الكتب المقدّسة، وأمرت خدامها، وبينهم مسيحيون، بتحطيم ما حولها من الأصنام. وكانت بربارة رقيقة جداً، مرهفة الحس وتسأل دائماً كيف ان هذه الاصنام تدعى الهة... كيف تحكم هذه الاصنام الكون... اين خالق الكون؟ ورتبت العناية الالهية ان تكون في القصر خادمة مسيحية قصت على بربارة قصة ادم وحواء وسقوطهما، واحتياج العالم لمخلص وقصة الصلب والعذراء واعمال الرسل والاسرار المقدسة وارشدت بربارة لعالم مسيحي يدعي اوريجانوس ليرد علي كل تساؤلاتها. فأرسلت اليه بربارة وكشف عن كل افكاره لها.. ثم ارشدها وارسل لها رسالة قيمة بها تعاليم عن العقيدة المسيحية وسلمها لها تلميذه فالتيانوس الذي عرفها الاسرار وعمدها وناولها وعندئذ نذرت نفسها للمسيحية.
كل ذلك دون ان يعرف والدها شيئاً عن اعتناقها المسيحية وعن نذرها.
ودخل ديوسيكورس يوماً على بربارة، ففوجيء بتغير كبير جداً من حيث زهدها في الملابس وطريقة كلامها ففاتحها في موضوع زواجها، فاجابت بكل ادب ووداعة:"انت وحيد في هذه الدنيا يا ابي ولا اريد ان اتركك واتزوج بل سأكون في خدمتك كل حياتي ولا سيما وانت الان قد شخت ومحتاج الي"، فحسن الكلام في عينيه وتركها.ولكن بعد ذلك بقليل لاحظ الصلبان على الاعمدة ولاحظ شدة النسك والزهد فسألها عن حالها فصارحته بانها مسيحية. فغضب ابوها لاعتناقها المسيحية، بل استشاط غضباً، وشتمها وضربها وطرحها في قبو مظلم، عقاباً لها على"جريمتها النكراء"، فقامت تصلّي الى الله ليقويها على الثبات في ايمانها. ويقال ان اباها ديوسيكوروس الغاشم وضعها في البرج سجناً لها عندما اكتشف انها اعتنقت المسيحية وتركت الاوثان، فعاقبها بالسجن على عقوقها وعصيانها تعليماته، وكان البرج عالياً وحصيناً ليحول دون هربها. وافلحت بربارة في الهرب من سجن ابيها، حسب احدى الروايات، بعد ان جاهرت بايمانها، الا ان جنود ابيها لاحقوها والقوا القبض عليها مجدّداً , ذهب ابوها ديوسيكورس الى الوالي مركيانوس في حزن واسف شديد واخبره بـ"الكارثة الكبيرة جداً" التي حلت بسبب ان بربارة وحيدته تتبع المسيح وتكفر بالهتهم(الاصنام)، فامر الوالي باحضارها واخذ يلاطفها، باديء ذي بدء، ووعدها انها ستكون اميرة كبيرة ان هي تركت المسيحية وعادت الى دين ابائها واجدادها، فلم تجد وعوده نفعاً، فهدّدها بالعذاب والثبور وعظائم الامور ان لم ترتدع وتترك المسيحية، فقالت بربارة"ان جسدي سيأتي يوم ويموت، اما روحي فخالدة وستذهب الى السماء"فقال لها "اتركي السماء لانه بسببها سيحل عليك عذاب عظيم!" فقالت: "لن تبعدني عن محبة المسيح شدة ولا ضيق ام اضطهاد"، فامر الوالي مركيانوس بعذاب القديسة ووضعها في سجن مظلم. واقتادوها غداة سجنها، وابوها في المقدمة، مكبّلة بالسلاسل، الى الوالي مركيانوس، فاستشاط الوالي غضباً من ثباتها في الايمان بالمسيح، وامر بجلدها باعصاب البقر، فتمزق جسدها وتفجرت دماؤها، وهي صابرة صامتة، وطرحوها في السجن، ثانية، فظهر لها السيد المسيح وشفاها من جراحها". وفي الصباح التالي رآها الحاكم صحيحة الجسم مشرقة الوجه، فابتدرها قائلاً: ان الالهة(الوثنية) اشفقت عليها وضمّدت جراحها! فاجابت:"ان الذي شفاني هو يسوع المسيح رب الحياة والموت". وصرخت بصوت عظيم: ليست الهتك التي شفتني، فهي اصنام لا تتحرك! انما الذي شفاني هو الهي ومخلصي يسوع المسيح الذي انا اعبده ومستعدة ان اموت من اجله لانه هو مات ليحييني... فانا لا اهاب عذابك ولا اهاب اسلحة جنودك ولن يتغير ايماني"... اغتاظ الوالي جداً وطلبوا منها نكران المسيح فرفضت، فتميز الحاكم غيظاً وامر بجلدها ثانية حتى تناثر لحمها وامر بتعذيبها اشد العذاب وامر بحرقها بالنار وقطع ثدييها، ثم امر بقطع رأسها، فقاموا بذلك في العام 235. ويروى انه شاهدت عذاب القديسة بربارة وما حلّ بها وكيف شفاها السيد المسيح من جراحها، شابة غير مسيحية تدعى يوليانة فتأثرت جداً وبكت بكاء شديداً، وصرخت في وجه الوالي قائلة: انا مسيحية انا مسيحية... كالمعتاد اخذ يلاطفها ثم امر بعذابها ايضاً. ولما امر الوالي مركيانوس بقطع رأس القديسة بربارة ويوليانة فاجأ الجميع ديوسيكوروس يستأذن الوالي بكل قسوة وكبرياء بان يقوم هو بنفسه بذلك، وبسيفه هو قطع الوالد رأس ابنته الذي وضعته امامه، فقطعه بسيف وثنيّ لا يرحم، واستشهدت بربارة ويوليانة معها. وعوقب ديوسيكوروس على فعلته الشنيعة وقتله ابنته بسبب اعتناقها المسيحية، فصعقته صاعقة وقتلته، وحسب روايات اخرى احرقه برق اصابه من السماء، أو نار هبطت من عل لتقضي عليه حرقاً , هذا وتحتفل الكنائس في البلاد يوم غد الخميس من خلال قداس الهي .
[email protected]
أضف تعليق