أي طالب عربي، سيفهم بالتأكيد المقولة التالية: "بعد صعود كل منحدر، يأتي منحدر أشدّ صعوبة وحدّة". لا حاجة لإجراء المقارنات مع المجتمع اليهودي. فالمعطيات في المجتمع العربي - للأسف - تتحدث عن نفسها.

تعالوا نأخذ موسى كمثال، فهو ولد ذكي ومحظوظ، نجح بدخول "الإحصائيات" التي تشمل ما نسبته 60% من مجمل الفتيان العرب، وأنهى بنجاح دراسته للصف الثاني عشر. وعلى الرغم من الفجوات في المعرفة و"صندوق الأدوات" الناقص، الناتج عن قلة الاستثمار في جهاز التربية الرسمي العربي، حصل هو ونحو 31% من زملائه على شهادة البجروت التي كان يرغب بها. لم تجعل متطلبات الحد الأدنى التي تفرضها الجامعة طريق موسى أسهل، فصحيح أن شهادته كانت ذات جودة، لكن الامتحان السيكومتري (البسيخومتري) كان مكتوبا ضمن سياقات ثقافية وبلغة (عربية فصحى) لم يكن موسى متمكنا منها كما يجب. كان من الصعب على أهله مساعدته في المجال الاقتصادي، ولم يكن في محيطه القريب من يستطيع أن يقدم له المشورة بشأن موضوع التعليم الذي يلائم قدراته، ويساعده بالاستعداد للامتحان البسيخومتري بلغته الأم.

على الرغم من كل هذا، وفي صباح أحد الأيام من شهر أكتوبر، وجد موسى نفسه في أول جيل من ذوي التعليم العالي بين أفراد عائلته، واقفا على باب إحدى جامعات البلاد برفقة 23% من أبناء المجتمع العربي. انضم الكثيرون من أبناء جيل موسى - وهم شبان من أصحاب الطاقات الكامنة الكبيرة - ممن يستطيعون رفع مستوى الإنتاج في السوق المحلية، إلى جيل إضافي لا يملك التأهيل الأكاديمي، محبط. في المسار الأكاديمي الذي يسير فيه موسى، سيكون هنالك الكثيرون ممن لن يُنهوا دراسة لقبهم الأول. فوفقا لمعطيات هيئة الإحصاء المركزية، تبلغ نسبة "التساقط" لدى الطلاب العرب، بين السنة الدراسية الأولى (10/2009) والسنة الدراسية الثانية (11/2010)، 15.5%. لكننا منذ البداية كنا مع نسبة 60%، هل تذكرون؟!

ليس سرّاً أن الحصول على اللقب الأكاديمي يزيد إمكانية الكسب المادي، الرفاه (48% من فقراء الدولة هم عرب)، الصحة، القيادة المجتمعية والاندماج، الشعور بالرضا وغيرها. لكن قمة الهرم الأكاديمي بالنسبة للعرب في إسرائيل، تشبه إلى حد كبير ظاهرة السراب في الصحراء. كلما اقتربوا منها، تبتعد هي عنهم.

أنا أعرف لقب "موسى" جيدا، فقد مررت به أكثر من مرة خلال صعودنا المشترك نحو قمّة اللقب المنشود. برفقة عدد من زملائي، قمنا بإنشاء وحدة الخريجين التابعة لجمعية "التعليم إلى القمم"، التي يتعلم فيها خريجون من المجتمع العربي أيضا.

يرافق هذا البرنامج الخريجين منذ مرحلة الدراسة في الصف الثاني عشر، في الوقت الذي يواجهون فيه الخيارات الصعبة. ابتداءً من المساعدة في تمويل الامتحان البسيخومتري وحتى المساعدة في اختيار مسار ومجال التعليم. مع بداية التعليم، تتمثل المساعدة بالتوجيه إلى مصادر الحصول على المنح، وكذلك بورش العمل المرتبطة بعالم العمل. تعرض عليهم الجمعية استشارة شخصية ومرافقة من نهاية الصف الثاني عشر وحتى جيل 35، منح تزيح من طريقهم العائق الاقتصادي الذي يحول دون حصولهم على التعليم العالي. نحن نساعدهم لمتابعة النهوض بدافعيتهم لتحقيق الإنجازات والتي زرعناها فيهم واعتنينا بها منذ سن المدرسة الابتدائية، نرافقهم في الأيام المفتوحة في الجامعة ونلعب دور الوسيط لديهم في مجالي اللغة والثقافة، نوجههم نحو اختيار موضوع يستطيع النهوض بقدراتهم الشخصية، ويخلق ليس فقط حالة من الأمان الاقتصادي، إنما مجال اهتمام يؤدي إلى الاستمرارية حتى إنهاء دراسة اللقب. من الطبيعي أن نرى خريجينا كناشطين في مجتمعهم، ولذلك فإننا نسعد دائما عندما يعودون ليرووا قصتهم الشخصية كخريجين، ويساهمون بشكل مباشر في دعم المركز الذي أتوا منه.

لسنا لوحدنا. فقد خصصت وزارة التربية مبلغ 300 مليون شيكل للتعليم العالي في المجتمع العربي. وسيكون من الصحيح توجيه هذه الأموال ليس فقط إلى ضمان مكان الطلاب العرب الإسرائيليين في المؤسسات الأكاديمية، بل أيضا من أجل مساعدتهم على البقاء في المسار الذي اختاروه، إتاحة دورات تعليم البسيخومتري لهم وكذلك الامتحان البسيخومتري، مرافقة الطلاب العرب، المرافقة المهنية المتخصصة خلال فترة التردد والحيرة، وبعد ذلك من أجل بناء خطة عمل خاصة بهم لمنع ظاهرة "التساقط" في السنة التعليمية الأولى، وفتح المجال أمامهم لأن يصلوا، بعد صعود المنحدر الشديد، إلى القمّة.


الكاتب: محمد كبوب،
مدير مهني - الوسط العربي
ومديري مراكز يافا للخريجين والشباب
جمعية "التعليم إلى القمم"

 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]