فى نفس الوقت الذى يشاهد فيه العالم جزءا من حكايات من حياة جريس كيلى أميرة موناكو الراحلة تشاهد القاهرة فيلم «جريس أميرة موناكو»، فقد بدأ عرضه الجماهيرى منذ أيام فى افتتاح مهرجان كان السينمائى، وحظى بكم كبير من الهجوم النقدى، كما حظى بكم كبير من المشكلات، بما فيها مقاطعة أسرة الأميرة الراحلة لحضور الفيلم، كما أن هناك خلافا كبيرا بين مخرجه أوليفر داهان ومنتج الفيلم على النسخة النهائية المعروضة، التى اعتبرها المخرج تسىء لعمله، وتحوله لفيلم تجارى لا يرضى عنه، ورغم كل هذه المشكلات فإن فيلم جريس يستحق المشاهدة، رغم أنه لا يرقى لتطلعات المشاهد الذى ربما تصور أنه سيشاهد فيلما يقص عليه الحكاية الكاملة لنجمة من هوليوود، متوجة على عرشها لأميرة متوجة على عرش أصغر وأقدم إمارة فى العالم وهى موناكو، مروراً بحياتها المثيرة حتى موتها المأساوى فى حادث سيارة غامض عام 1982.
ولكن الفيلم لم يرو الحكاية كاملة، واكتفى بأن يروى جزءا صغيرا منها، ربما يُعَد نقطة تحول مهمة فى حياة جريس كيلى من نجمة لأميرة متوجة على عرش الإمارة وقلوب شعبها.
فى عام 1962 بعد سنوات قليلة من زواج جريس من الأمير رينيه حاكم موناكو واجهت الإمارة أزمة سياسية كبرى مع فرنسا، الدولة الراعية لها وصاحبة اليد الطولى عليها، فقد طالب ديجول موناكو بتوريد ضرائب لفرنسا من رجال الأعمال والإمارة التى كان يهرب لها الأغنياء، حيث إنها لا تطالب مواطنيها بالضرائب، وقامت فرنسا بمحاصرة الإمارة الصغيرة، ويصور الفيلم تأثير هذه الأزمة على جريس كما يصور معاناتها بين واجبها كأميرة ونداء هوليوود لها للعودة لبطولة فيلم من إخراج هيتشكوك، وتختار الأميرة النجمة بعد حيرة ومشكلات أن تخدم بلدها الثانى موناكو وتهجر هوليوود تماماً، وتحرج ديجول أمام العالم، مما يضطره لسحب قوات الحصار، وإنهاء الأزمة مع موناكو، بفضل ذكاء وحنكة امرأة هى جريس كيلى، التى قررت أن يكون دورها الأهم والأخير هو دور الأميرة ومن إخراجها، وليس من إخراج ألفريد هيتشكوك.
وبداية لا أدرى ما الذى أغضب عائلة جريس كيلى الملكية المكونة من أبنائها الثلاثة كارولين وألبرت وستيفانى، فرغم أن صناع الفيلم قد أشاروا فى بداية الشريط إلى أن هذا الفيلم تأليف خيالى يستند لبعض الواقع، إلا أن الفيلم يصور الأميرة أمهم كأفضل ما تكون، وكذلك الأب، ولم يشر لشىء يشين أو يفضح هذه العائلة، اللهم إلا حكاية العمة التى تآمرت على أخيها رينيه وطردها هى وزوجها من المملكة، وهى قصة حقيقية، وإن كان توقيتها فى الفيلم غير صحيح، فألبرت قد طرد أخته وزوجها من الإمارة بعد زواجه بوقت قليل قبل الأزمة مع فرنسا، لأنها أثارت كثيرا من المشكلات بسبب طمعها فى أن يرث أحد أبنائها العرش.
حياة كيلى كانت أمام الكاميرات وخلف الكاميرات حياة ثرية، وفيها كثير مما يُحكى بعضه فضائح وبعضه مدائح، وكثير منه غموض، كموتها الذى قيل إنه موت مقصود من قبل الجماعات الماسونية، ولكن الفيلم اكتفى بأزمة واحدة فى حياتها فماذا كانوا سيفعلون لو روى الفيلم جزءا وليس كل الحقيقة؟!
ربما أفضل ما فى هذا الفيلم هى نيكول كيدمان البطلة التى استطاعت أن تعيد للأذهان صورة جريس كيلى بجمالها ورقيها الأخاذ، غير أنها بالتأكيد تبدو أكبر من الأميرة حين مرت هذه الأزمة فى حياتها، فكيلى كانت فى بداية الثلاثينات بينما كيدمان تعدت الخامسة والأربعين، ولكنها رغم ذلك أدت دورها ببراعة وتفهم، أما تيم روث الذى قام بدور الأمير رينيه فهو دور عادى بلا عضلات فى الأداء أو البقاء، أما المخرج فإنه لم يقدم عملاً مبهراً أو متميزاً على مستوى الصورة أو التتابع، بل مرت كثير من اللحظات المملة فى الفيلم، ولا أدرى أيضاً لأى مدى تدخل منتجو الفيلم فى نسخته النهائية مما أغضب المخرج.
نحن فى النهاية أمام فيلم تكلف 30 مليون دولار، وتصور المشاهدون أنهم سيرون فيه التاريخ الذى ربما لم يعاصروه، وكثيرا من الحكايات خلف أبواب القصور، ولكن الفيلم اكتفى بحكاية واحدة هى ربما الأقل جذباً فى التاريخ، ورغم هذا فقد أغضب الفيلم الأغلبية، أسرتها، والمخرج، والنقاد، ولكن دعنا ننتظر قليلاً لنرى الإيرادات، فربما تنصف الفيلم كرامة لصاحبته.
[email protected]
أضف تعليق