عقد مؤخراً المعهد الأكاديمي العربي للتربية في كليّة بيت بيرل ومركز الينبوع لأبحاث اللغة، الثقافة والمجتمع العربي التابع للمعهد، مؤتمر المجتمع العربي الثاني تحت عنوان "مجتمع يبحث عن بوصلة" في الكليّة الأكاديميّة بيت بيرل، والذي تطرق للعديد من القضايا السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة التي تخص المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل.

وفي تلخيصه للمؤتمر ذكر د. غانم يعقوبي، مدير مركز الينبوع، أنّ أهم التوصيات التي نتجت عن المؤتمر والتي سيتم متابعتها من قبل مركز الينبوع والمعهد الأكاديمي في بيت بيرل، إقامة معهد أبحاث قومي عربي بحيث يقوم بالتحليل العميق للقضايا المركزيّة المتعلقة بتطوّر المجتمع العربي داخل إسرائيل ويشكّل أيضاً قاعدة للتخطيط الإستراتيجي، بالإضافة إلى إقامة منتدى شامل يضم الأكاديميّين العرب ورجال الأعمال والسياسيّين والشخصيّات العامّة، وأيضاً إقامة رابطة للنساء المحاميّات بهدف معالجة مختلف شؤون النساء في المجتمع العربي.

وقد افتتحت تمار أريئاب، رئيسة الكليّة الأكاديميّة بيت بيرل، المؤتمر مؤكّدة على أنّ الكليّة تعتبر نموذجاً مميزاً واستثنائيّاً للحياة المشتركة بين العرب واليهود في السّياق الأكاديمي، وأنّ الكليّة تضع نصب عينيها تعزيز قيم التسامح والعيش المشترك.

وقال د. علي وتد، رئيس المعهد الأكاديمي، من ناحيته، أنّ الكليّة تضم طلاباً ومحاضرين وعمال من كلا الوسطين العربي واليهودي، وهذا يعتبر نادراً في المشهد الإسرائيلي، وأضاف أنّ المؤتمر يجمع ما بين الأكاديميّين ورجال السياسية والإقتصاد في محاولة لتعزيز التكاتف بين أطياف المجتمع للمساهمة في تطوره وتقدّمه، وشدّد على أهميّة طرح كافة القضايا بطريقة نقديّة تحفّز وتهز العقول الباحثة والمفكرة لتحمل المسؤولية والمضي قدماً متخطين كافة العقبات.

ومن جهته أكّد د. يعقوبي على أنّ المجتمع لن ينهض طالما ليست هنالك مساواة بين الرجل والمرأة، وطالما أنّ المرأة لا تأخذ دور القيادة بكافة المجالات، وأشار إلى أنّ هنالك حاجة كبيرة لأخذ مسؤوليّة قياديّة وتغيير الواقع بعيداً عن التباكي.

من جانبه قدّم بروفسور عزيز حيدر، المحاضر والباحث في معهد فان-لير، المحاضرة المركزيّة في المؤتمر موضحاً أنّه في سبيل البحث عن بوصلة يجب "أن نخرج من الصندوق، نعرف من نحن، ما قدراتنا وما هي العراقيل أمامنا لتحويلها لدوافع للتطور على المستويين الفردي والجماعي". وأضاف أن المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل مرّ بمراحل من التغيير والتحوّل، بدايةً بمرحلة البقاء التي استمرّت لغاية العام 67، ثم انتقل إلى مرحلة التكيّف للوضع الجديد كمواطنين داخل إسرائيل في أوائل السبعينات، وكان من المفروض الإنتقال إلى مرحلة جديدة وهي المبادرة الذاتيّة، لكن المجتمع توقّف عند هذه المرحلة، بل يرجع أحياناً إلى الخلف، متأثّراً بالمستجدّات على الساحة الإسرائيليّة والفسطينيّة والعربيّة عامةً.


وفي تحليله للمعطيات، أوضح بروفسور حيدر أنّه من حيث رأس المال الإجتماعي فإنّ المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل هو مجتمع ضعيف جداً بسبب الإنتماءات العائليّة والحمائليّة والطائفيّة، وبسبب إنتشار العنف والفقر وغيرها من الآفات الإجتماعيّة، كما أنّ رأس المال الإجتماعي يشهد تراجعاً أمام انهيار السلطات المحليّة العربيّة. وأضاف أنّ رأس المال المؤسّساتي أيضاً عاجز، فالسلطات المحليّة ليس بإمكانها القيادة نحو البوصلة، والأحزاب السياسيّة أثبتت أنّها لا تتعامل مع الوضع كما يجب، فضلاً عن إشكاليّة غياب مؤسّسات المجتمع المدني، فهنالك مؤسّسات غير حكوميّة مدعومة من قبل حكومات وهي لا تموّل من قبل المجتمع. وذكر أنّ رأس المال الثقافي أيضاً غير متوفّر، فمعظم المؤسّسات الثقافيّة هي حزبيّة وسياسيّة وغير مستقلّة، كما أنّ مستوى الإستهلاك الثقافي ما زال ضئيلاً، رغم أنّ هنالك طبقة وسطى واسعة على مستوى التعليم الأكاديمي والتي تصل إلى نسبة 25% من مجمل السكان العرب، إلا أنّها لا تستهلك الثقافة ولا تتميّز بالمدنيّة القادرة على إحداث التغيير المنشود كما هو الحال في أوروبا. أمّا رأس المال البشري فقد شهد، وفق بروفسور حيدر، قفزات وهو يشهد اليوم ثورة صامتة من حيث الإنجازات الفرديّة، ففي العقد الأخير قفز عدد الألقاب الجامعيّة ب 90%، وقفز عدد طلاب اللقب الثاني خلال نفس العقد ب 85%، وعدد طلاب الدكتوراة ب 71%، كما أنّ عدد الطلاب في الكليّات قفز ب 170%، إلا أنّ هذه الثورة تحدث على المستوى الفردي وليس الجماعي. وهنالك أيضاً قفزة في المجال الإقتصادي، فعدد المصالح التجاريّة بلغ 35000، وهنالك 10000 عائلة عربيّة تعتبر غنيّة.


لكن هذه المقوّمات التعليميّة والثقافيّة والاقتصاديّة على المستوى الفردي لا تنعكس على المستوى الجماعي ولا في نوعيّة وجودة الحياة في القرى والمدن العربية، نظراً لحالة الإستنزاف والتشرذم الدائمة التي يعيشها المجتمع، فهو يستنزف نفسه وهو أيضاً مستنزف من قبل الدولة. وأشار بروفسور حيدر إلى الهجرة الدائمة من القرى والمدن العربية إلى المدن اليهوديّة، إذ تحولّت 16 مدينة يهوديّة إلى مدن مختلطة، وبهذا تهجر النخبة البلدات العربيّة. وخلص إلى أنّه يجب الوصول إلى توازن بين التقدّم على المستوى الفردي والتقدّم على المستوى الجماعي وأنّ هنالك حاجة لمحاولات جماعيّة للبحث عن البوصلة كالمحاولة التي أفرزت وثيقة التصور المستقبلي والتي تم إغتيالها داخليّاً وليس من الخارج.

وفي جلسة "نضال المرأة العربيّة نحو القيادة الجماهيريّة، لفتت د. سهاد ناشف-ظاهر، المحاضرة في كليّة أورانيم، إلى أنّ هنالك قوى إجتماعيّة وسياسيّة تحاول إقصاء المرأة عن المواقع القياديّة وحتى تغييبها عن العمل الجماهيري والسّياسيّ، والأخطر من هذا حين تحمل شريحة واسعة من النساء الفكر الذكوري والأبوي إلى درجة تأييد قتل النساء في ظروف معيّنة. وذكرت د. ناشف أنّ واقع النساء في سنوات السبعينات كان أكثر إشراقاً، بينما اليوم التحدّيات أمام المرأة ومحاولات إقصاءها وتهميش دورها هي أوسع وأخطر.

في حين تحدّثت ميسم جلجولي، مديرة مشروع القيادة السياسيّة في مبادرات صندوق إبراهيم، عن إحباط محاولات إندماج النساء في العمل السياسي في السلطات المحليّة العربيّة، وذكرت أنّه من بين مئات النساء اللواتي ترشحن كعضوات، تم انتخاب فقط بضع نساء. وشدّدت جلجولي على أنّ المرأة القياديّة بشكل عام تتّسم بقدرات نوعيّة أكثر، نظراً لأنّها وخلافاً للرجل تواجه وتتغلب على العديد من التحدّيات في طريقها للوصول إلى مركز قيادي، ويظهر ذلك جليّاً في عمل النساء اللواتي يشغلن منصب رئاسة لجان العمال والموظّفين في السلطات المحليّة، إذ قمن بإحداث تغيير نوعيّ ومميّز في عمل هذه اللجان، ونجحن في مواجهة وتحدّي السلطة المركزيّة على الأخص فيما يتعلق بقضيّة فصل العمال ضمن خطط الإشفاء، متطرقة إلى تجربتها الشخصيّة كرئيسة لجنة عمال والإنجازات التي حققتها، في حين أنّ الرجال لم يجرؤوا على فعل ذلك.

وفي جلسة "المجتمع العربي بين الوحدة ومحاولات التفكيك"، ذكر بروفسور محمد أمارة، المحاضر في المعهد الأكاديمي العربي في بيت بيرل، أنّه تمّ سابقاً الحفاظ على الوحدة من خلال المنظومة الحمائليّة والتي دعمت أفرادها ماديّاً واجتماعيّاً وساهمت في حل الخلافات، إلا أنّ هذه الحمائليّة لم تكن بغيظة كما هي اليوم. وحتى أنّ الأديان كانت تهدف إلى التسامح والتآخي، لكن اليوم ما نشهده هو تعصّب ديني فحسب. وتطرّق بروفسور أمارة إلى محاولات التفتيت التي يتعرض له المجتمع العربي من قبل الدولة، مؤكداً على أنّ الدّروز العرب كانوا جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الفلسطيني، بينما اليوم جزء كبير منهم ينكرون هويتهم الفلسطينيّة والعربيّة، عدا عن أنّ هنالك بدو يتطوعون في الخدمة العسكريّة، وأشار أيضاً إلى محاولات تجنيد المسيحيّين ودق الأسافين في المجتمع العربي وتفكيكه، متسائلاً حول أجندة الأحزاب العربيّة التي تسير في طريق، بينما يسير المجتمع العربي في طريق آخر.

ومن جانبه تحدّث د.جوني منصور، المحاضر في المعهد الأكاديمي العربي في كليّة بيت بيرل، حول محاولات تجنيد المسيحيّين مؤكداً أنّ للمسيحيّين الفلسطينيّين كانت مشاركات في النضالات السياسيّة على مختلف الفترات وهم يعتزّون بهويّتهم العربيّة والفلسطينيّة، عدا عن أنّ اسرائيل تعاملت معهم رسميّاً كعرب، ولكن إعتبرتهم طوائف، وأظهرت إعلاميًا اهتمامها بهم بهذه الصفة لتكسب شرعيّة لنظامها الديمقراطي ومظهره العالمي. وقال أيضاً أنّ التعامل وفقاً لمعيار التوزيع الطائفي هو ما ميّز المشروع الصهيوني ويميز المؤسسة في اسرائيل. مشيراً إلى أنّ المحاولات الحاليّة للفصل ما بين المسيحيّين والمسلمين من خلال تجنيدهم ضمن إطار قانون لتكوين هويّة جديدة أو قوميّة جديدة لدى المسيحيّين، هو نسخ للموديل الذي تعاملت وفقه الدولة مع الدروز في الخمسينات، والذي لم يمنع الحكومة والوزارات المختلفة من إنتهاك حقوق الدروز ومصادرة أراضيهم. وحذّر د. منصور من إستغلال المؤسّسة الحاكمة للظّروف الصعبة التي يمر بها المسيحيون في العالم العربي وتنامي قوّة الحركة الإسلاميّة في الداخل والخارج والتي تستثنيهم من نشاطها، في سبيل تحقيق مخطّطها. وخلص إلى أنّه يجب عدم ترك العرب المسيحيين يواجهون هذا الامتحان لوحدهم، بل طرحه على طاولة النقاش كحالة وطنية طارئة، يجب التصدي له. وهذا ما يجري فعلاً على أرض الواقع.

أمّا د. قصي حاج يحيى، المحاضر في المعهد الأكاديمي العربي في كليّة بيت بيرل، فشدّد على أنّ الوحدة المرجوّة هي وحدة تكامليّة وليست إندماجيّة أو إنصهاريّة. وأشار إلى غياب التخطيط المستقبلي، الذي يعود إلى أنّ الطبقة الوسطى مشلولة وغير مبدعة، كما أنّ لجنة المتابعة العليا للجماهير العربيّة في البلاد لا تقوم بهذا الدور، وتعجّب من تسمية اللجنة، متسائلاً "متابعة ماذا"، واقترح تغيير التسمية والنهج لتتحول إلى لجنة التخطيط المستقبلي.

د. عطا الله قبطي، المحاضر في الكليّة الأكاديميّة العربية في حيفا، أكّد من جانبه على أنّ غياب قيم التسامح وتقبل الآخر وغياب التربية السليمة المبنيّة على القيم في البيت وفي المدرسة هو ما يفكّك المجتمع، بينما قال المحامي علي رافع أنّ هنالك نشاطات وحدوية بارزة في حيفا والتي تجمع ما بين المسلمين والمسيحيّين، ويعد ذلك نموذجاً يحتذى به.

واستهلّ أيمن سيف، مدير عام سلطة التطوير الإقتصادي للوسط العربي، الدرزي والشركسي، القسم الأوّل من الجلسة الثالثة تحت عنوان "دور الحلقات الإقتصاديّة والتربويّة في تطوير المجتمع العربي" والتي أدارها هشام جبران، المحاضر في المعهد الأكاديمي العربي في بيت بيرل، بعرضه لأهم المعطيات المتعلّقة بالمجتمع العربي والتي تبرز الفجوة بين الوسطين العربي واليهودي في كافة المجالات، ثم استعرض المشاريع الحكوميّة لسد الفجوات الإجتماعية والإقتصادية بين المجتمعين والتي تشمل مشاريع قوميّة كالبرامج الحكوميّة في مجالات التربية والتعليم والرفاه الإجتماعي والبنية التحتية ومن بينها، برنامج عوز لتموراه وأوفك حداش، إضافةً إلى توصيات لجنة طراخطنبيرغ والتي تقضي بوجوب الاستثمار في مجال التشغيل (730 م.ش)، وحل أزمة السكن من خلال تخصيص 250 م.ش لهذه الغاية، فضلاً عن الخطة الخماسية لمجلس التعليم العالي ولجنة الميزانيات لتسهيل التعليم الأكاديمي للعرب، وأيضاً مشروع التمثيل الملائم للمجتمع العربي في سلك خدمات الدولة، كما استعرض سيف مشاريع أخرى معدّة خصّيصاً للمجتمع العربي بحيث بلغ الإستثمار الحكومي فيها 4 مليارد شيكل كالخطة الخماسية للتطوير الاقتصادي في البدات العربية والدرزية ومشروع آخر للتطوير الإقتصادي للمجتمع البدوي وأيضاً مشروع لتطوير وتمكين البلدات البدوية في الشمال، إضافةً إلى مشروع لتطوير وتمكين البلدات الدرزية والشركسية. وتشمل هذه المشاريع إقامة مناطق صناعيّة بمبلغ 230 مليون شيكل، وتشجيع البناء متعدّد الطوابق كحي الورود في سخنين والذي يشمل بناء 1900 وحدة سكنيّة وحي الجليل في الناصرة والذي يشمل بناء 3000 وحدة سكنيّة. بالإضافة إلى إقامة مراكز للتوجيه المهنيّ وشركات إقتصاديّة وتعزيز المواصلات العامّة والعمل أيضاً على تعزيز الأمن الشخصي داخل البلدات العربيّة وغيرها من المشاريع.

فيما تحدث جعفر فرح، مدير عام جمعيّة مساواة، حول تحديات إخراج 51% من المجتمع العربي من دائرة الفقر والتي تتطلب إستثمار في التعليم وملائمة القوى البشرية العربية لسوق العمل المتغير في البلاد الى جانب مخصصات الضمان الاجتماعي ومشاريع التدخل الإقتصاديّة في البلدات الأكثر فقراً، وأشار إلى أنّ مركز مساواة قد بلور منذ عام 2003 إقتراح موسع للتطوير الاقتصادي في المجتمع العربي يطالب الحكومة في التدخل في القرى الأكثر فقرا مثل جسر الزرقاء، عين ماهل، قرى النقب المعترف وغير المعترف فيها، بير المكسور وشعب. وعلى التدخل الحكومي أن يشمل حلول تشغيلية لدمج النساء العربية في سوق العمل وتدريب الشباب من جيل 18-22 سنة على مهن يحتاجها سوق العمل المحلي والإقليمي، مشيراً الى أزمة خريجي كليات دور المعلمين العرب والحاجة الى إعادة تدريبهم المهني للاندماج في سوق العمل المتطور. وأنهي مداخلته بالتأكيد على أهمية تحمل المسؤولية الفردية وإتباع إستراتيجية المواطنة الفعالة التي ترفض التهميش وتضع بدائل مجتمعية وترافع لتحصيل حقوق الجماهير العربية الاقتصادية والاجتماعية الى جانب السياسية والثقافية.

من ناحيته، قال طارق عوّاد، المبادر ورجل الأعمال، أنّه في المجال الإقتصادي لا يزال المجتمع العربي يتعامل مع الوضع بأدوات سنوات السبعينات، ورأى أنّ المجتمع بحاجة إلى نهضة داخليّة تعتمد بالأساس على النقد الذاتي، خاصةً لعمل السلطات المحليّة العربيّة بنظامها الإداري المترهّل ولخطاب أعضاء الكنيست العرب. وتطرق عواد إلى تجربته الشخصيّة في عالم الأعمال، إذ خرج من إطار الشركة العائليّة متوسعاً نحو السوقين الأردني والفلسطيني، وبالتالي تمكّن من إختراق السقف الزجاجي من خلال الإنفتاح على الأسواق الإقليميّة القريبة. وذكر أيضاً أنّه جزء من مجموعة فاعلة تضم 14 من رجال الأعمال والذين ينشطون منذ 14 سنة لتطوير خطاب إقتصادي آخر يصب لصالح المجتمع العربي، موضحاً أنّ الحصانة الإقتصاديّة تقود إلى الحصانة الإجتماعيّة وليس العكس.

أمّا القسم الثاني من الجلسة والذي أدارته د. صفيّة حسونة عرفات، المحاضرة في المعهد الأكاديمي العربي في كليّة بيت بيرل،فقد تطرّق إلى التربية والتعليم في المجتمع العربي في إسرائيل ما بين المسؤوليّة الحكوميّة ومسؤوليّة السلطات المحليّة العربيّة. وتحدث في هذا السياق عضو الكنيست عمرام متسناع، رئيس لجنة التربية والتعليم في الكنيست، حول ضرورة الإستثمار في التربية والتعليم في المجتمع العربي لتحقيق النمو الإقتصادي، إلا أنّ ذلك يجب أن يتم من خلال الشراكة الحقيقيّة مع المجتمع وليس التعامل معه كرعيّة، بينما ذكر أيضاً أنّه لا يتّفق مع موقف القياديّين العرب ومؤسسات المجتمع المدني والتي تعارض الإنخراط بالخدمة المدنيّة، والتي يراها متسناع كرافعة وطريقة للإندماج بالمجتمع الإسرائيلي مع المحافظة على ميّزات الثقافة العربيّة.

ومن جهته أشار د. رمزي حلبي، المحاضر والباحث الإقتصادي، إلى أنّ ما يميّز الإقتصاد وسوق العمل في المجتمع العربي داخل إسرائيل التغييرات الثقافيّة وأزمة القيم التي يشهدها المجتمع، والتحول إلى التمدن وتهميش إطار الحمولة، في ظل وجود 52.3% من العائلات العربية تحت خط الفقر وازدياد البطالة وعدم الإندماج في الإقتصاد الذي يعتمد على التكنولوجيا، والعمل بالأساس كأجيرين، فضلاً عن الأزمة الماليّة التي تعاني منها السلطات المحليّة العربية. وتطرق إلى المصالح التجاريّة الصغيرة في المجتمع العربي والتي تشهد تزايداً في حين أنّ قيمة المبيعات السنويّة في 82% منها تقل عن 500 الف دولار، نظراً لكون السوق العربي صغير وتقليدي بينما المنافسة فيه كبيرة وهو يعاني كذلك من عدم توفر مصادر تمويل. وتحدّث د. حلبي أيضاَ عن الأزمة التي تشهدها السلطات المحليّة والتي تعود إلى توسيع دائرة مسؤوليّات السلطات المحليّة عامةً في إسرائيل وغياب إلتزامات الحكومة، فضلاً عن الأزمة في السلطات المحليّة العربيّة بشكل خاص والتي تعود إلى النقص في الموارد وفي المدخولات الذاتيّة والوضع الإجتماعي-الإقتصادي المتدنّي للمواطنين العرب، كما أنّ هنالك أزمة قيادة في المجتمع العربي نظراً لأن التصويت لا يكون على أساس مهني وإنّما عائليّ، لذا لا تسعى هذه القيادة المنتخبة إلى تغيير الوضع القائم. وأشار حلبي أنّه وفق استطلاع أجراه مركز الحكم المحليّ فيما يتعلّق باحتياجات المجتمع العربي في مجالات التربية والتعليم، التخطيط الرفاه الإجتماعي والميزانيّات، فيتضح أنّ هنالك نقص في الصفوف التعليميّة يبلغ 3597، وهنالك أكثر من 40% من الحضانات قبل الإلزاميّة غير تابعة للسلطات المحليّة، وفي مجال الرفاه الإجتماعي فإن هنالك نقص في العاملين الإجتماعيّين والذين يشكلون 11% من مجمل العاملين الإجتماعيّين في إسرائيل في حين أنّ نسبة قضايا الرفاه المعالجة في المجتمع العربي تشكّل 15% من مجمل القضايا. وذكر أيضاً أنّ نسبة الأرنونا من مجمل المدخولات الجارية لا يتجاوز 13% وأنّ نسبة جباية الأرنونا لا تتعدى 48%. وأشار أيضاً إلى وجود نقص في أراضي الدولة في 27 سلطة محليّة عربيّة، ما يشكّل 30% من مجمل السلطات المحليّة العربيّة، كما أنّ 27% من الشقق السكنيّة غير مربوطة بجهاز الصرف الصحي، كما تنعدم المناطق الصناعيّة في 41 سلطة محليّة والتي تشكّل 64% من مجمل السلطات المحليّة. ومن ضمن الحلول التي اقترحها د.حلبي، تمويل وتنفيذ مشاريع في السلطات المحليّة بالتعاون ما بين القطاعين العام والخاص وتنفيذ قرار الحكومة منذ العام 2004 والذي ينص على إقامة مناطق صناعيّة مشتركة للعرب واليهود، كما أنّ الحديقة الصناعيّة في الناصرة والتي أقامها المبادر ستيف فرتهايمر تعد نموذج يجب الإقتداء به، واقترح أيضاً العمل على دمج المهندسين العرب في مجال الهايتك، إذ نجحت جمعيّة تسوفن خلال أربع سنوات في رفع عدد المهندسين العرب المنخرطين في الهايتك من 350 إلى 1300، كما اقترح توفير سلة خدمات موحّدة ومموّلة لكل المواطنين في السلطات المحليّة بدون علاقة للوضع الإجتماعي-الإقتصادي لهذه البلدات.

امّا الجلسة الرابعة فقد كان من المفروض أن تتناول الفجوة بين الإحتياجات الحقيقيّة للمجتمع العربي وممارسات القيادة السياسيّة والحزبيّة على صعيد الكنيست وعلى الصعيد المحلي، بيد أنّ عضو الكنيست الشيخ إبراهيم صرصور شدّد على سياسات التمييز المجحفة بحق المواطنين العرب من قبل الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة، مؤكداً أنّ 80% من صورة الوضع القاتمة التي يعيشها المجتمع العربي تعود إلى السياسات الحكوميّة التي تتعمّد إقصاء العرب وعدم توفير الفرص لهم، علماً أنّه في حال تمّ توفير نفس الفرص التي توفّر للمجتمع اليهودي لكان المجتمع العربي قد سبق المجتمع اليهودي بدرجات على اعتبار أنّه مجتمع "طائر"، كما وصفه الشيخ صرصور، واتفق عضو الكنيست د. أحمد طيبي مع ما جاء على لسان الشيخ صرصور، وأعطى شركة "سوبر فارم" كمثال، موضحاً أنّ 35% من العاملين في هذه الشركة هم من العرب في كل المراكز ومن ضمنها مناصب إداريّة، وأنّ الشركة تعد من أنجح الشركات وأكثرها ربحيّة، إلا أنّ المؤسّسة الحاكمة غير معنيّة باستغلال الكفاءات والطاقات الموجودة لدى المجتمع العربي، وبدوره أكّد عضو الكنيست عيساوي فريج على أنّ وجود عضو عربي في الكنيست الإسرائيلي هو صعب للغاية ولا يمكن تحقيق الإنجازات من خلال هذا المنبر، ولذلك شدّد على أهميّة الحراك والعمل الجماهيري وأن يأخذ المجتمع العربي المسؤوليّة على عاتقه للتغلب على آفات إجتماعيّة تهدّد المجتمع العربي كانتشار الأسلحة والعنف وغيرها.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]