في الوقت الذي تحتفل فيه إسرائيل بقيامها، يحيي العرب الفلسطينيون في جميع أماكن تواجدهم ذكرى نكبتهم، التي شردتهم في الداخل، الوطن والشتات، مستذكرين ما جرى مع الجيل الأول منها الذي كان شاهدا على ضياع فلسطين.

المثلث الجنوبي، عانى هو الآخر – بقدر اقل – من باقي المناطق في فلسطين من النكبة، ذلك أن العصابات الصهيونية لم تنجح باختراق مدينة الطيرة التي تحصن بها المجاهدون من مختلف البلدات الفلسطينية ومن الطيبة تحديدا، وجيش الإنقاذ آذاك، ليبقى تحت السيادة الأردنية التي سلمته في اتفاقية رودوس (وقف إطلاق النار) في العام 1949.

لذلك، لم تهجر في المثلث الجنوبي سوى قرية واحدة، تدعى مِسكة، وتقع في الجنوب الغربي لمدينة الطيرة، منها هجرت غالبية عائلة شبيطة التي لجئت إلى الطيرة، وقسم من عائلة جابر في جلجولية والطيبة، وأيضا قسم قليل عائلة عازم في الطيبة و4 عائلات أخرى، هذا عدا ممن هجر إلى الشتات.

صفية شبيطة:" شعرنا أن كل العالم كان ضدنا"

الحاجة صفية شبيطة، من الطيرة هي إحدى المهجرات، قالت في حديثها لمراسلنا:" اذكر أيام مسكة جيدا، لأنني وحين هجرت مع أهلي كان عمري 20 عاما، هناك الكثير من الأمور التي ما زلت اذكرها إلى هذا اليوم، ولن أنساها ما حييت، ما حدث ظلم وإجرام حتى شعرنا أن جميع العالم كانوا ضدنا".

" قرار التقسيم شمل مِسكة ضمن حدود الدولة اليهودية"

وأضافت:" كانت عائلتنا تعمل في زراعة الأرض لا سيما البرتقال والتفاح، وكانت قريتنا مسالمة من اليوم الأول، لكن ما أثار في صفوفنا الذعر انه وحين اصدر قرار التقسيم، فوجئنا بان الأمم المتحدة وضعت قرية مسكة في الدولة اليهودية ولم تشملنا ضمن حدود الدولة العربية، لان غالبية سكان المنطقة من حولنا كانوا يهودا".

" أبرمنا اتفاقا للصلح مع البلدات اليهودية المجاورة لنا"

ومضت تقول:" مختار قريتنا ابرم صلحا مع زعماء القرى اليهودية المجاورة مثل البصرة، رمات هكوفيش وتسوفيت، يقضي بان نعيش جنبا إلى جنب معهم ولا يعتدي أحدا على الآخر، ونحن التزمنا بالاتفاق، ولم نعتدي عليهم أبدا، لكن وبشكل مفاجئ وفي يوم من الأيام، قام مختار قريتنا بجمعنا في ساحة القرية ليلقي علينا خطابا مهما".

" ذعرنا كثيرا بعد إلغاء الاتفاق من قبلهم"

واستطردت قائلة:" كان الجميع مذعورا، لأنه وقبل هذا الخطاب وعلى مدار أسابيع متتالية، كانت قريتنا تتعرض لعدة مضايقات من العصابات الصهيونية، فقال لنا المختار أن زعماء البلدات اليهودية المجاورة ابلغوه بان العصابات الصهيونية دخلت إلى بلداتهم وانه لن يكون بوسعه السيطرة عليهم ومنعهم من ممارساتهم، وهذا يعني أنهم سيهجمون بأي وقت، ولذلك فإنهم سيفسخون الاتفاق، وفسخ الاتفاق معناه ذبحنا من قبل العصابات الصهيونية التي لا ترحم أبدا، على الرغم من أننا احترمنا الاتفاق ولم نتعرض لأي منهم".

" في ذات يوم اقتحمت العصابات الصهيونية القرية وأعدمت 6 شباب بدم بارد"

وقالت أيضا:" كانت العصابات الصهيونية تطوق مسكة مرارا وتكرارا، وتقوم بإطلاق قذائفها تجاهنا بدون سبب، لدرجة أنها وفي يوم من الأيام اقتحمت القرية في ساعة متأخرة من الليل وقتلت ستة شبان في ديوان القرية أي أعدمهم رميا بالرصاص، وفي تلك الفترة لم يكن لدى أهالي قريتنا أي سلاح بسبب مصادرته من قبل حكومة الانتداب البريطاني، فخاف الأهالي ورحلوا من القرية".

" كانوا يشنون الهجمات علينا ويطلقون القذائف ويحملوا بريطانيا مسؤولية الاعمال"

وأردفت قائلة:" عدا عن الأعمال الإرهابية العسكرية، فكانوا يعتدون على مزارعنا ومحصولنا الزراعي، لكن لم يكن في اليد حيلة، كانوا يقومون بأعمال استفزازية ويلقوا الشعير والذرة والقمح في الشوارع، ومن ثم يحملوا المسؤولية للانتداب البريطاني، احن كثيرا لمسكة، وأتمنى أن اقضي آخر عمري فيها".

" لم أر أي اثر لمسكة ولم أر أي شيء يدعو للفرح بعدما هُجِّرنا منها"

وتابعت قائلة:" لم نرَ أي أمر فيه مدعاة للسرور بعدما خرجنا من مسكة، شعوري عندما زرتها لا يوصف، شعور بالحزن والأسى عليها، فهي أصبحت ارض مهجورة، كنت أتوقع أن أرى بقايا المسجد أو بعض البيوت، البئر أو المقبرة، لكنني لم أر أي شيء، ولهذا السبب فإنني اشعر بأنني لم اعد إلى مسكة أصلا، لأنه لا يوجد أي شيء".

" لم يكن لنا أي ثقة بجيش الانقاذ..."

واستذكرت الحاجة صفية ما دار أيضا في تلك الأيام فقالت:" لم يكن هناك أي أمل بجيش الإنقاذ وجيش التحرير، لأنهم تحصنوا في الطيرة ولم يقتربوا إلى مسكة، وفي احد الأيام أتى لقريتنا ضابط في جيش الإنقاذ يدعى أبو شهاب، وهو سوري الأصل، فأطلعه مختار قريتنا على القرية وجغرافيته، وطلب منه المساعدة بالدفاع عن مسكة، فرد عليه الضابط بأنه لا يستطيع فعل أي شيء لأنه لا يوجد أوامر للدفاع عن مسكة، ولا يوجد أسلحة وذخيرة كافية للمواجهة مع العصابات الصهيونية".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]