«جامعة بير زيت الاسرائيلية» هو الاسم الذي يُطلق على جامعة حيفا في أوساط الطلاب الإسرائيليين اليهود في الجامعات الإسرائيلية، والسبب في ذلك يعود لنسبة الطلاب العرب المرتفعة فيها بالمقارنة مع باقي الجامعات الإسرائيلية.
وقد عرفتُ بهذه التسمية خلال محاضرة حول موضوع الإحصاء، عندما أعربت الدكتورة عن استيائها من اطلاق هذا الاسم على الجامعة على الرغم من أن الطلاب العرب لا يشكّلون إلا نسبة ضئيلة من طلابها، توازي نسبتهم من مجمل السكان في «الدولة»، ولكنها ردّتها إلى أن الطلاب العرب في جامعة حيفا خاصة «ناشطون سياسياً، وصوتهم مرتفع».
نظراً لهذه التسمية، قد يظن القارئ أن العرب يشكلون ربما النصف من نسبة الطلاب في جامعة حيفا، إلا أن الحقيقة تفيد بأنهم لا يشكلون إلا نسبة 17 في المئة من مجمل الطلاب في الجامعة (وهي نسبة العرب ضمن حدود الخط الاخضر)، في حين تنخفض نسبة الطلاب العرب في باقي الجامعات الاسرائيلية، فيسجل مجمل الطلاب العرب نسبة العشرة في المئة من مجمل الطلاب الأكاديميين في كل الجامعات الاسرائيلية.
ولذلك ربما، لا تُعدّ تصريحات الدكتورة عنصرية، على الرغم من لهجة الحديث التي اعتمدتها يومها، خاصة عند مقارنتها بتصريحات أخرى لمحاضرين آخرين، في مجال القانون مثلاً. إذ وقف أمامنا قاضٍ عسكري سابق، ليمرّر محاضرة في القانون الجنائي، ويشرح مسترسلاً أنه «ضد» قرار المحكمة العليا الإسرائيلية القاضي بمنع التعذيب في السجون الإسرائيلية، وأنه يشجع تهديد المعتقلين بعائلاتهم (بما أن المحكمة منعت التعذيب الجسدي فقط). فيقف الطالب العربي خلال حديثه ويخرج من المحاضرة، اعتراضاً. لا يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك، راجياً ألا تكون هناك عواقب وخيمة لهذا التصرّف. ولذلك، يتوجب على الطالب العربي أن يتقبل برحابة صدر استياء الدكتورة من تسمية جامعتها باسم «بير زيت»، فهي على الأقل لم تضف أن العرب إرهابيين مثلاً أو مخرّبين..
إن كامل نسبة الأكاديميين العرب في الجامعات الإسرائيلية تصل الى ما يقارب 42 في المئة من مجمل الأكاديميين العرب في معاهد التعليم العالي عامة في اسرائيل (أي الجامعات، الكليات، والمعاهد المختلفة التي تضم أيضاً معاهد إعداد المعلمين العرب). سيتخصّص هذا الموضوع ببحث أحوال الطلاب الأكاديميين في الجامعات الإسرائيلية كونهم يشكّلون النسبة الأكبر من مجمل الطلاب الذين يخوضون التعليم العالي جنباً الى جنب مع الطلاب الإسرائيليين اليهود. فكليات إعداد المعلمين العرب منفصلة عن كليات إعداد المعلمين اليهود (وهذا لأن المدارس العربية والمنهاج التدريسي العربي منفصلان عن المدارس اليهودية والمنهاج التدريسي اليهودي ـ كلاهما خاضعان لوزارة المعارف الإسرائيلية). فيدرس في الجامعات الإسرائيلية ما يقارب العشرة آلاف طالب عربي، وعشرة آلاف آخرين يدرسون في الكليات التي يحظر النشاط السياسي في قسم كبير منها. ويوجد قرابة العشرة آلاف طالب آخرين الذين يدرسون في الجامعات الأردنية، ونحو ألفي طالب يدرسون في الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية.
جيرة الجنود
توجد ست جامعات إسرائيلية رئيسية، هي: الجامعة العبرية في القدس، جامعة تل أبيب، جامعة حيفا، جامعة بن غوريون في بئر السبع، جامعة بار إيلان، ومعهد الهندسة التطبيقية «التخنيون». ويشكّل الطلاب العرب نسبةً تقارب 10 في المئة تقريباً من مجمل الطلاب في الجامعات الاسرائيلية عامة. وتبرز من بين هذه الجامعات «جامعة حيفا» بسبب نسبة الطلاب العرب المرتفعة فيها، كما بسبب الحراك الطلابي العربي الواضح، تليها «الجامعة العبرية» في القدس، ثم «جامعة تل أبيب» فجامعة بن غوريون، وأخيراً جامعة بار ايلان.
إن السياسات العنصرية التي يواجهها الطلاب العرب لا تبدأ في الجامعة، وإنما تبدأ منذ رياض الأطفال، ومنذ تخصيص ميزانيات أقل للتعليم العربي (الذي أصبح خاضعاً لدولة إسرائيل منذ سنة 1949 بعد سنّ قانون التعليم الإلزامي، كما منذ سنة 1953 بعـــــد ســـــــن قانون التعليم الحكومي). ولكن، في الجامعة، يبدأ الطالب العربي بمواجهة هذه السياسات وجهــــــاً لوجه منذ اللحظة الأولى، حيث يتوجب عليه أن يــــــدرس باللغة العبرية ويمتحن بها، ويدرس جنباً إلى جنب مع جنود احتياط وجنود مقاتلين نظاميين في بعض الأحيان.
ولا تقتصر العقبات التي يواجهها الطالب العربي في الجامعات على موضوع اللغة، بل تتعداه لتصبح موضوع تعامل يومي وسياسات ممنهجة تهدف عمداً (ولو بصورة غير مباشرة) إلى إعاقة تقدّم الطالب العربي في مسيرته الأكاديمية. فلا تخصص له المساعدات، ولا المنح، ولا التسهيلات الواجبة (التي ينص عليها القانون في بعض الحالات)، وصولاً إلى التمييز ضده في أمور شتى، وحرمانه من العديد من الامتيازات التي تحقّ له. أضف إلى ذلك، تأثر التعامل مع الطالب العربي في الجامعة بالوضع السياسي العام. فحين تكون المرحلة سلمية، يتحسّن وضع الطلاب العرب وتزداد التسهيلات المتاحة لهم (كأقلية أصلانية)، في حين أن المراحل الحربية تشهد ازدياداً في التضييق ضدهم ويتم تجاهل احتياجاتهم.
الحيّز الأخير
واجه العرب الفلسطينيون الذين بقوا في أرضهم بعد قيام إسرائيل شتى أنواع الاضطهاد القومي والتمييز العنصري، كما أنهم واجهوا الحكم العسكري وملحقاته التي فرضت عليهم بشكل مباشر حتى أوساط الستينيات، ما أدّى بأصحاب رؤوس الأموال اليهود والشركات الصهيونية إلى استغلال العرب في إسرائيل كقوى عاملة رخيصة. وبما أن العرب في إسرائيل هم فئة اجتماعية سُلبت جميع مواردها الرئيسية، فلم يجدوا أمامهم فرصة لتحسين أوضاعهم الاجتماعية الاقتصادية والعمل على تحسين أوضاعهم إلا من خلال العمل على تطوير العامل البشري. ولأن ذلك لا يتم إلا عن طريق التعليم، أصبح التعليم المجال الوحيد الذي يمكن بواسطته اكتساب المعرفة العلمية والمهارات المهنية الملائمة لتطوير الإنسان والمجتمع وإثراء الموارد البشرية.
بحسب معطيات دائرة الإحصاء المركزية للعام 1995، يمكن أن نستنتج أن العرب لم يبدأوا بالتوجّه إلى التعليم العالي في إسرائيل فعلياً إلا بعد مرور سنوات على انتهاء الحكم العسكري الذي فرض عليهم حتى منتصف الستينيات. أما قبله فقد كان معظم الاكاديميين (وهم قلّة) من المدرسين ومعلمي المدارس، فقط.
لقد تغيّر الوضع تماماً
بدأ ظهور الحركات الطلابية العربية في الجامعات الاسرائيلية منذ التوجّه الأول للطلاب العرب إلى الجامعات الإسرائيلية للدراسة، وذلك نتيجة حاجتهم إلى التكتّل كجسمٍ واحد متحدّ ضد السياسات الصهيونية المختلفة التي هدفت لإقصائهم.
وقد نشطت اللجان والحركات الطلابية العربية في مجالات عدة، سياسياً واجتماعياً، فلم يقتصر نشاطها على تنظيم التظاهرات والاضرابات الطلابية ومواجهة الاحتلال، وجهاً لوجه، في كل مناسبة.. بل تعدى نشاطها إلى المطالبة بتسهيلاتٍ للطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية، ومنحهم امتيازات من خلال سياسة التفضيل المصحّح والاعتراف بهم كأقلية في الجامعات المختلفة.
إلا أن هذا النشاط الذي شهدته الحركات الطلابية في الجامعات كافة (وجامعة حيفا خاصة)، والذي استمر منذ السبعينيات وحتى التسعينيات، أخذ بالأفول في بداية الألفية الثالثة حتى اختفى تقريباً في العام 2008، ثم عاد مع انتخاب لجنة طلاب عرب في «جامعة حيفا» سنة 2010، فكانت ولايتها لسنة واحدة، ليدخل النشاط الطلابي في سباتٍ بعدها حتى يومنا هذا.
وفي نظرةٍ إليها، يبدو جلياً أن الحركة الطلابية العربية في الجامعات الإسرائيلية تمتاز بتعددية في الانتماء الحزبي والآراء والمواقف السياسية. وقد ولدت هذه التعدّدية منذ بداية تكوّن الحركة في السبعينيات، وبقيت مستمرة حتى اليوم، إلا أنها كانت سابقاً تتحد (رغم الاختلافات الايدولوجية) ضمن «لجنة الطلاب العرب» التي تنشط لخدمة الطالب العربي بمعزل عن النقابات الصهيونية، وبعيداً عن المصالح الفئوية لكل حزب، فتشكل ملاذا موحداً مشتركاً للطلاب العرب على مختلف انتماءاتهم. هذه التعددية، تحوّلت اليوم إلى أحزابٍ متنافرة تتخذ من الجامعات ساحة جديدة لإدارة صراعاتها السياسية، ليس أكثر.
وفي ظل الوضع الراهن، يقتصر نشاط الحركات الطلابية العربية المختلفة في الجامعات الإسرائيلية على نشاط فئوي ذي تأثير ضعيف، ولو أنه يحمل في داخله رغبة بتحسين وضع الطلاب العرب، إلا أن معظم نيته مأخوذ برفع قيمة حزبٍ دون سواه في ناظر الطلاب العرب.
وبالمجمل، يمكننا القول بأن لكلّ حزب وحركة سياسية بين فلسطينيي 48 حركة طلابية في الجامعات. ولهذا، فإن الحركات العربية في الجامعات الإسرائيلية اليوم تنقسم إلى أربع حركات أساسية: حركة أبناء البلد، التجمّع الوطني الديموقراطي، الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، والحركة الاسلامية (في بعض الجامعات، تنشط مجموعتان مختلفتان من «الحركة الإسلامية» بشقيها الشمالي والجنوبي. اما في جامعة حيفا، تنشط الحركة الاسلامية بشقها الشمالي فقط).
ولتلخيص صعوبة الوضع الراهن عبر المقارنة بزمنٍ آخر، يكفي أن نستعيد التظاهرات الطلابية التي نظمتها «لجنة الطلاب العرب» خلال الاجتياح الاسرائيلي للبنان سنة 1982، حيث استدعت الجامعة الشرطة لقمع التظاهرة فما كان من «لجنة الطلاب» إلا أن أقامت الدنيا ولم تقعدها فوق رأس الجامعة، لتجرئها على إدخال رجال الشرطة إلى الحرم الجامعي. كما نظمت ندوات ونشاطات طلابية تضامنية، حينها. في المقابل، عندما نظّم الطلاب العرب تظاهرة طلابية ضد العدوان على غزّة سنة 2012، فقد استدعت إدارة الجامعة الشرطة التي قمعت الطلاب العرب داخل الحرم الجامعي، ومن ثم غرّمت الحركات الطلابية العربية بمبلغ 12 ألف شيكل (ما يقارب 3 آلاف دولار أميركي).
ما زال الطلاب العرب ناشطين في مجالات مختلفة وعلى أصعدة وقضايا مختلفة، سياسياً واجتماعياً، ضمن الحركات الطلابية العربية المختلفة، إلا أنهم مشتتون وغير متحدين، ومدى تأثيرهم ضعيف لا يتخطى جامعاتهم وأحزابهم السياسية، من دون القدرة حتى على إحداث تأثير فعلي في المستوى القطري مثلاً. أضف إلى ذلك صراعاتهم الداخلية بين بعضهم البعض. وبينما كان للأكاديميين العرب في الجامعات الإسرائيلية دورٌ رئيسي في إعلان الإضراب العام في يوم الأرض الأول سنة 1976 بفضل قوّتهم في لجان الطلاب العرب الموحدة، وحتى كان لهم دور رئيسي وهام في تأمين مساكن طلابية للطلاب العرب في مختلف الجامعات، تجدنا نراهم اليوم كتلة بلا ثقل يذكر، سوى ثقلهم في تأمين إضافةٍ نوعية لجمهور الأحزاب المختلفة، تصبّ أخيراً في صناديق الاقتراع.
«عبرانيون»، منذ العام 1934
من أشدّ ما يثير الاهتمام خلال البحث في تاريخ الحركات الطلابية الصهيونية في فلسطين المحتلة منذ العام 1948، هو معرفة أن «اتحاد الطلاب الإسرائيليين» كان قد تأسس في العام 1934، ليضمّ الطلاب اليهود في الجامعة العبرية (التي تأسست سنة 1925) والتخنيون معهد الهندسة التطبيقية ــ (الذي وضع حجر أساسه سنة 1912، وتأسس بشكل رسمي سنة 1924)، وقد سميّ اتحاد الطلاب حينها باسم «اتحاد الطلاب العبرانيين»، وتغير لاحقاً إلى «اتحاد الطلاب الإسرائيليين».
ومن المفارقة أن يظهر في تاريخ هذا الاتحاد إعلانه التضامن مع الحركات الطلابية الخاصة بالطلاب السود في جنوب أفريقيا التي كانت ملاحقة من قبل نظام الفصل العنصري الابيض في بداية الستينيات، بينما كان الحكم العسكري لا يزال مفروضاً على السكان العرب في فلسطين المحتلة سنة 1948.
اليوم، يضمّ هذا الاتحاد ممثلين عن ستين نقابة طلابية صهيونية من مختلف الجامعات والمعاهد والكليات الإسرائيلية. ويتم تشكيل النقابات عن طريق انتخابات تُجرى في الجامعات المختلفة، حيث تترشح الكتل الطلابية الممثلة لأحزاب مختلفة، ويتم التصويت لها من قبل مجمل الطلاب المنتسبين إلى النقابة العامة في كل جامعة.
هكذا، تُنتج شبكة من العمل الطلابي الممنهج والمنظم: الأحزاب بأفكارها المختلفة وتوجهاتها المختلفة تتحد داخل النقابة العامة لكل جامعة، ممثلون عن هذه النقابة يتحدون مع ممثلين عن نقابات أخرى في جامعات أخرى في البلاد ضمن اتحاد الطلاب، ويعملون جميعاً كَيَدٍٍ واحدةٍ وجسم واحد من أجل تحقيق أهداف طلابية مشتركة. يبقى أن نضيف كلمة «صهيونية» لتوصيف العمل الناشط في الجامعات الاسرائيلية.
وفي نظرة سريعة على أرشيف اتحاد الطلاب الاسرائيليين، نجد أن الاتحاد نشط في مجالات مختلفة، سياسياً واجتماعياً، وهو ذو تأثير كبير وفعلي على الساحة المحلية في إسرائيل. فعلى مدى سِنِيِّ تأسيسه منذ العام 1934 وحتى اليوم، كانت له قوة في تخفيض أقساط التعليم، وحتى سن «قانون الطالب»، إلى نشاطاته السياسية المختلفة محلياً وعالمياً.
في العام 1978، التقى رئيس «اتحاد الطلاب الإسرائيليين» ميخائيل ينكولفيتش مع رئيس «اتحاد الطلاب الفلسطينيين» في حينه محمد أبو كوش، كما مع الأمين العام لاتحاد الطلاب الفلسطينيين في حينه عمر مهداوي في انكلترا، لتبادل وجهات النظر. وعبّر الطلاب الفلسطينيون عن رفضهم لحلّ الدولتين ورفضهم لوجود الدولة اليهودية فوق أرض فلسطين، في حين أن ممثل «اتحاد الطلاب الإسرائيليين» نادى بحلّ الدولتين وإعلان دولة فلسطينية في حدود العام 1967 (وقد التقى رئيس اتحاد الطلاب الاسرائيليين أيضاً مع ممثلين عن اتحادَي الطلاب التونسيين والمصريين في حينه في مالطا).
بالإضافة إلى ذلك النشاط ضمن الاتحاد العام، تنشط النقابات الطلابية الصهيونية داخل الجامعات بشكل مستقل عن الاتحاد، لكن بالتنسيق معه أيضاً بالقضايا المحلية. كما تنشط الأحزاب التي تمثل النقابات المختلفة بمعزل عنها، لكن بالتنسيق معها. فمثلاً، خلال العدوان على غزّة، وفي مقابل جميع التظاهرات الطلابية العربية التي انتشرت في جميع الجامعات الإسرائيلية، اتحدت النقابات والأحزاب الصهيونية في التظاهر دعماً للجيش الاسرائيلي وضد التظاهرات الطلابية العربية.
«إم ترتسو» الجديدة!
انتشرت في السنوات الأخيرة بقوة في الجامعات وبعض الكليات الإسرائيلية، حركة طلابية صهيونية جديدة. ففي حين كانت الحركات الطلابية الإسرائيلية بمجملها تابعة لأحزاب صهيونية سياسية أو اجتماعية (أو متصلة بها بطريقة أو بأخرى)، بدأت بعد حرب لبنان الأخيرة في العام 2006 حركة طلابية صهيونية لا حزبية تدعى «إم ترتسو» التي تعني بالعربية «إذا أردتم». وهي حركة تعرف نفسها على انها قائدة الثورة الصهيونية الثانية، تنظر إلى ثيودور هرتزل، مؤسس الصهيونية السياسية المعاصرة، على أنه الأب الروحي للصهاينة، وترى أن عليهم العودة إلى الطريق التي أسّسها هرتزل لضمان بقاء دولة إسرائيل قوية، وضمان بقاء الشعب اليهودي متّحداً ضد أعدائه.
عملت هذه الحركة في حملات إعلامية عدة على طمس مفهوم النكبة وحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة، مع إعادة نشر الرواية الإسرائيلية وتقويتها بين أوساط الطلاب اليهود، خاصة في الجامعات الإسرائيلية. كان هذا في محاولة لمواجهة التيارات اليسارية الاسرائيلية وفي مواجهة للحركات الطلابية العربية في الجامعات الإسرائيلية. ما يميز عمل هذه الحركة هو انتشارها الواسع والسريع بين أوساط الطلاب الاسرائيليين اليهود، كما لكونها حركة غير حزبية. فعدد لا بأس به من الناشطين هم أيضاً ناشطون في حركات طلابية صهيونية حزبية أخرى.
معضلة «التعاون»
في ظل غياب لجنة طلاب عرب قوية ومؤثرة في مختلف الجامعات الإسرائيلية، تجد الحركات الطلابية العربية ضعيفة وغير قادرة على التأثير بقوة في المجالات المختلفة. لهذا، تراها تتوجه حيناً إلى النقابات الطلابية الصهيونية فتكون ضمنها، بينما تحاربها في أحيان أخرى وتتهمها بالعنصرية. وقد يكون مبرر هذه الازدواجية وليد وجود أحزاب صهيونية يسارية ويمينية في البيت ذاته (النقابة)، واتفاقها لتحصيل مطالب مشتركة، ما جعل أحزاباً وحركات عربية مختلفة (وليس كلها) ترى أن الاتفاق في أمور والاختلاف في سواها يعني إمكانية ائتلاف الأحزاب العربية مع الإسرائيليين ضمن النقابة لتحصيل بعض الحقوق للطلاب العرب، وإمكانية الاختلاف معهم خارج النقابة في القضايا السياسية مثلاً.
وبعيداً عن أسباب خوض بعض الأحزاب العربية لانتخابات النقابات الطلابية الصهيونية المختلفة في الجامعات الإسرائيلية المختلفة، يمكن البحث في تأثير ذلك على الوعي العام لدى الطلاب العرب في مختلف الجامعات، خاصة في ظل اختفاء لجان الطلاب العرب وضعف الأداء الحزبي الفئوي في تحصيل حقوق الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية.
تشكل الدراسة الأكاديمية نقطة هامة في بلورة شخصية الإنسان، خاصة في ظل ظروف تاريخية كتلك التي يعيشها الفلسطينيون في أراضي فلسطين المحتلة سنة 48. إلا أن المواجهة المباشرة للطلاب العرب، مع السياسات الإسرائيلية والفكر الصهيوني ضمن الجامعة بلا وسائل دفاعية، يمكن أن تشكل التباساً ضارباً في الوعي الوطني لدى بعض الطلاب العرب، إذ يتوجّه الطلاب العرب إلى الطرف الأقوى على الساحة الطلابية في الجامعة، الطرف صاحب التأثير الأكبر، أي النقابات الصهيونية في هذه الحالة، كونهم أصحاب التأثير الأكبر، ولهم ثقلهم في تحصيل حقوق الطلاب. فيتوجه إليهم الطالب العربي في محاولة لتحصيل حقوقه التي عجزت عن تحصيلها الحركات والأحزاب العربية المفكّكة والضعيفة، وهكذا يصير ضمن النقابة وجهاً لوجه مع الأحزاب الإسرائيلية، وهو في حاجة إليها. يلبون له حاجته، ويحصلون على طاعة منه، في سياق العلاقات الشائكة فكرياً ونفسياً واجتماعياً ومنفعياً تحت الاحتلال. والأعداد الكبيرة من الطلاب التي لا تجد مفراً من ذلك، ستخرج من الجامعات إلى الحياة العامة، تنقل إليها التجربة المتأسسة على قاعدة كهذه.
ليس معنى الحديث أن يتخلى الطالب العربي في الجامعات الإسرائيلية عن حقوقه حتى لا يتواجد في موقف يضعه في صف واحد مع الحركات الصهيونية المختلفة، لأن حقيقة الوضع تفرض التعامل وجهاً لوجه مع الطلاب الإسرائيليين اليهود ضمن حدود «الزمالة» ومشاركة مقاعد الدراسة، وحتى تبادل المصالح ضمن الاطار الدراسي. هو أمر مفروض لا رأي فيه. لكن خير مثال يلخص الواقع الذي يواجه الطلاب العرب في ظل غياب لجان الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية هو أحداث برافر (مثلاً وليس حصراً)، إذ تشكّل قسم كبير من المشاركين في تظاهرات الغضب الخاصة بها من شريحة الطلاب الأكاديميين. وهؤلاء الطلاب لم يكتفوا فقط بأخذ موقف واضح والمشاركة في التظاهرات خارج الجامعات، بل قاموا بتنظيم ندوات وفعاليات مختلفة داخل الحرم الجامعي في جامعات إسرائيلية عدة. لكن المشاركة في هذه الفعاليات (داخل الجامعات) ظلّت محكومة بخوف الطلاب من الملاحقة. مثلاً، في جامعة حيفا، أعلن عن إضراب للطلاب العرب مدته ساعتان: قسمٌ من الطلاب التزم بالاضراب، في حين لم يلتزم قسم آخر به خوفاً من الملاحقة، ولم يعرف قسم ثالث أساساً عن الموضوع إلا بعد انتهائه.
لجنة طلاب عرب قوية ومنظمة تطالب بحقوق هذا الطالب وتحافظ له على هويته وتساعده في بناء وعي وطني صحّي، هو الأمل الذي يقيه «الانجرار» مجبراً إلى النقابات الصهيونية لتلقي المساعدات التي يحتاجها. فهو يتعرض بصورة مباشرة وغير مباشرة للتعايش مع الروايات الصهيونية التي تعيد صوغ ماضيه وواقعه، من دون امتلاكه إمكانية لمواجهتها، وبخوف دائم من ملاحقات وتضييقات متتالية تتم بلا رادع، مانع، أو بديل.في بداية تكوّنه، شكّل هذا الاتحاد أحد أذرع «الهستدروت» (أي، نقابة العمال الصهيونية)، حتى انفصاله عنها في بداية السبعينيات. وتضمّن عمله الطلابي العمل على زرع القيم الصهيونية وتقويتها في نفوس الأكاديميين اليهود في أرض فلسطين، في حين سجل أول احتجاجاته سنة 1937 (خلال ثورة البراق) إذ قام أعضاؤه بزرع أشجار في الجامعة العبرية في القدس إحياءً لذكرى القتلى اليهود خلال المواجهات التي وقعت بين الفلسطينيين واليهود حينها.
[email protected]
أضف تعليق