ربما كانت المُغامرة، وربما حُب الاستطلاع لثقافة شعوب نسمع عنها عبر الوسائل المُختلفة، إحدى الدوافع قرار الطالبة أوهيله ياسين بعيش مُغامرة، لن تنساها مدى حياتها، حين وطأتْ قدميها في الثامن والعشرين من شُباط الماضي، أرض تنزانيا، التي أمضتْ بها مدة أربعة أسابيع، تجول وتُساعد، وترسم الضحكة والابتسامة على وجوه الأطفال الأيتام، تجربة فريدة من نوعها تُحدثنا عنها أوهيله خلال هذا اللقاء، والسبب الأول هو خُصلة العمل التطوعي المزروعة في داخلها منذ صغرها.
إذ تجد أهيله العمل التطوعي أمرًا أساسيًا بحياة الأفراد، ومُعتبرة التطوع ثقافة تعكس حب الفرد إلى مجتمعه، ولبلده، ولوطنه، وفيها إثباتْ للذاتْ، وأن لديه القدرة على العمل، ولديه طاقاتٍ من العطاء دون مقابل، مقتبسة قول الله سُبحانه وتعالى: " فمن تطوع خيرا فهو خير له".
وأهيله ياسين، (21) عامًا، من قريبة عرابة البطوف، وهي طالبةٌ في سنتها الدراسية الثالثة بجامعة فرايبورغ بألمانيا، وهي عضو بجمعية " بردى" –(جمعية المانية عربية) للمساعدات وجمع التبرعات لسوريا، بالإضافة إلى أن الجمعية تُشغل طلابًا وأشخاص عربًا وألمان مع بعضهم ضمن فعاليات لجمع التبرعات وهدفها إنساني بعيدًا عن السياسة. بالإضافة إلى كونها ناشطة اجتماعية وحزبية، فهي عضو بشبيبة عرابة الشيوعية منذ صغرها.
التطوع بتنزانيا.. ( أفريقيــا)...
وتحدثتْ أهيله عن التطوع بشكل عام، وكم هو أساسي في ثقافة المجتمعات المختلفة، ومن خلاله يُثبت المرء لنفسه، كم هو قادرُ على العطاء لبلده أو للمكان الذي يتطوع به دون مقابل، مُشيرةً أن العمل التطوعي يجعل الفرد يشعر بالراحة النفسية، ويشعر بتحقيق مكسبٍ بعدة نواحي، مثل المكسب الديني وهو الأجر والثواب من الله، وتقوية الانتماء الوطني بين الفرد وموطنه، بالإضافة إلى قضاء وقت الفراغ بما يُفيده ويُفيد من حوله.
وأكدتْ، أن هذا الشيء لمسته من خلال عملها التطوعي مع الشبيبة الشيوعية في بلدتها عرابة والذي منحها الفضل الكبير والأساسي بالخطوات التي تخطوها اليوم بعملها التطوعي.
وتابعتْ؛ من أهم الأسس اللازمة للعمل التطوعي، بالتأكيد إيجاد الأكر التي تعتني بهذا السياق، وحث الشباب العربي بالقيام بخدمة بلده، وخاصة، وواجب تشجيعهم من قبل الأهل، والمدرسة والبيئة المحيطة به.
وأشارتْ في حديثها إلى نقطة أن مُجتمعنا وبلادنا تحتاج إلى تنمية مشاريع التطوع ولكن تسييس التطوع وجعله جزء من الامن وماكنات الحرب هذا امر نرفضه تماما وهو بعادي السلام بين الشعوب، فأنا من رافضين الخدمة المدنية من منطلق السلام والإنسانية.
لماذا تنازانيا؟
وعن اختيارها للتطوع في تنزانيا قالت: في البداية كانتْ الفكرة كانت التطوع بقارة أفريقيا بشكلٍ عام، وبالنسبة لي كان السفر إلى تنزانيا أسهل من دولٍ أخرى، لأنه لدية صديقة مقربة، بالجامعة من تنزانيا، ودائمًا كانت تُحدثني عن البلد، وكان حديثها دائمًا يقربني لجغرافية البلد والتعرف عليها من خلالها.
وقالتْ، أن ذهبت إلى تنزانيا عن طريق برنامج تطوع ألماني، عبارة عن حلقة وصل بين طلاب ألمان متطوعين بأفريقيا، وعملية السفر كانت ضمن مجموعاتٍ صغيرة، تم تقسيمنا إلى أفراد في أمكان مختلفة داخل البلد، وأنا تطوعت في بلدة صغيرة اسمها " كيباها" وهناك بمفردي.
وتابعتْ: فكرة البرنامج أنه كل متطوع يتواجد مع عائلة أفريقية وشخص مُرشد الذي يساعده ببعض الأمور التقنية مثل تجهيز الفيزا، والاستقبال من المطار وكيفية التواصل ع العائلة.
وصرّحتْ خلال حديثها إلينا، أن المعلومات التي تدركها وتعرفها عن تنزانيا متواضعة، لكنها اهتمتْ قبل سفرها إلى الدولة المتوجهة إليها أن توسع معلوماتها بالكتب الجغرافية ومن خلال الانترنت أيضًا، والاستفادة من تجربة المتطوعين الذين سبقوها.
مشاعر الخوف والترقب قبل السفر..
وردًا على سؤالنا حول الصعوبات أو التخوفات قبل السفر، ردتْ أهيله، قبل السفر كان خوف طبيعي مثل اي شخص ينوي السفر، لمكانٍ جديد، وفكرة تواجدي لمكان بمفردي، ببلد غريبة لمدة شهر، هي تخوف بحد ذاته، وراودني التردد، أنه سوف يكون عندي قدرة التحمل الحياة في تنزانيا، والتحمل، وتساؤلات بيني وبين ذاتي إذ أنا جاهزة لهذه الخطوة، وبما أن التطوع كان ببيت للأيتام كان يمتلكني هاجسًا إن كان باستطاعتي إدخال الفرحة لقلوب الأطفال وأنجح في إسعادهم.
ونجحتُ بذلك، وتحديتُ، كل هذه التخوفات والأفكار المُسبقة، بدعم من أهلي الذي شجعوني بقيامي لهذه الخطوة، ومنحوني الثقة والحرية الكاملة، ويمكن من دونهم لما تمكنت من القيام بالرحلة وأكيد بدعم أصدقائي المقربين الذين أكن لهم كل الفضل.
تخوفات صحية وبشرية..
وردًا على سؤالنا، إذا كان لديها أي تخوفات صحية قالتْ:" كان لدي تخوفات كبيرة، كون تنزانيا تُعتبر من الدول التي فيها نسبة الإصابة بالملاريا عالية جدًا، وكان يجب عليّ اتباع توصيات الطبيب وأكون حريصة في تناول الغذاء والماء.
وقالتْ أن وزارة الصحة طلبتْ منها تناول تطعيمات الأساسية الكثيرة، مثل التطعيم، ضد الحمى الصفراء، وتناول دواء ضد الملاريا، التي كنت أتناولها بشكلٍ يومي، بالإضافة إلى دهن كريمات التعقيم ضد البكتيريا ولسعاتْ الحشرات.
أما بالنسبة من أفراد المُجتمع الجديد عليها، فكانت رهبة المكان والناس تراودها لكن بحدةٍ أقل، وكونها اختلطت بمجتمع جديد عليها خلال دراستها بألمانيا، فهي صاحبة تجربة بكيفية التعامل مع الناس.
وتابعت: " هُناك فكرة مُسبقة (ستيريوتايب) في أذهاننا وبذهن الشعوب الأوروبية، أن الشعب الأفريقي عنيف والقارة الأفريقية بلد خطير، وخاصة حين يكون المرء لوحده، ولكن عند وصولي إلى أرض تنزانيا، كُل هذه الأفكار اندثرتْ وانكشفت لي بساطة الشعب وطيبته، ومحبته واحترامه للضيف، وكم هو شعب متواضع، ولكن الأمر لا يخلو في نفس الوقت أننا في بعض الأحيان نتعرض لمضايقات عند مرورنا بالشارع، لكن كان يلزمنا أن نعكس لهم قوتنا وثقتنا بأنفسنا وعدم تخوفي منهم.
بالإضافة إلى أنه كان لدي تخوفات من مستوى الحياة المعيشية، وكيف التأقلم بها، لكني كنت مقتنعة كل الوقت أني مستعدة لأن أعيش وأرضى بالقليل وبمستوى معيشتهم.
سُبل التعامل والتواصل مع الأطفال والأشخاص..
وعن إمكانيات التواصل مع الأفراد وصفتْ أنه واجهتها بعض الصعوبات بالتعامل مع الأطفال بالمدرسة في يومها الأول، حيث تطوعت معلمة للغة الانجليزية لصف ثالث، وذكرتْ أن لُغة الأطفال مبتدئة، لكنها بعد مرور عدة أيام نجحت بكسبهم والتواصل معهم بشكلٍ سلس وذلك عن طريق أنها تعلمت أساسيات لغتهم المعروفة بـ (اللغة السواحيلية) او عن طريق تعليمهن الانجليزية بطرق اسهل مثلا عن طريق العاب مختلفة.
وتنبهت إلى نقطة إضافية وهي محبة الأطفال لتعلم اللغة الإنجليزية، ومحاولة التفاهم معي لتطوير التواصل بيننا وتسهيله، بالإضافة إلى أني تعلمت عددٍ من الكلمات من لغتهم القريبة من المتشابهة مع كلمات من اللغة العربية مما سهل التواصل أيضًا.
ألبوم ذكرياتْ لن تنسى
وردًا على سؤالنا، قالتْ: حملت ذكريات كثيرة معي، وأنا متأكدة أنها سترافقني مدى حياتي، لن أنسى ضحكات الأطفال والأشخاص الذين التقيتهم، وكمية الحب الموجود عند الأطفال هناك، ولن أنسى استقبالهم لي، كل يوم بالأحضان.
هذا الحُب الصادق الذي يعبروا عنه ببساطة عيشهم، ومن خلال الهدايا البسيطة التي أهدوني إياها من صناعة أيديهم.
وأكدتْ، أنها خلال زيارتها إلى تنزانيا استطاعت أن تجد وطنها الثاني، وكانت أطول الفترات التي شعرتْ من خلالها بالسعادة والفرح، وأنها لن تنسى كيف كانت تستيقظ عند كل صباح مليئة بالطاقة ومتحمسة جدًا، حتى تذهب لملاقاة الأطفال وتقضي معهم يومها، ولن تنسى هؤلاء الأطفال الأيتام الذين فقدوا ذويهم وعاشت معهم قصص مليئة بالوجع والحرمان، وبالرغم من حياتهم المُحزنة إلا أن ابتسامتهم وحبهم للحياة لا تفارقهم.
علمتني هذه التجربة..
وتقول أهيله أن هذه التجربة علمتها وفرحتها بالوقت ذاته، أكثر من مدى فرحة الأطفال بها، فقد تعلمتْ كيف ترى الحياة بعين مختلفة، لأنه هُناك الكثير من الأمور التي نعطيها قيمة في حياتنا ونحن بكل سهولة نستطيع الاستغناء عنها، ونعيش أكثر " مبسوطين"، كما علمتني أن أرضى بالقليل، وأحمد اللع على كل شيء بحياتي، بصغره أو بكبره، وأعرف كيف أقدر النعم التي أنعم الله علينا بها وهي متوفرة حولنا.
دافع المساعدة..
وقالتْ بعد أن قمت برفع صوري على الفيسبوك مع الأطفال وصور أخرى تُظهر مستوى المعيشة في تنزانيا، تواصل معي الكثيرين من أجل تقديم المُساعدة لدار الأيتام، ومحاولة اقتناء الطعام وبعض الاحتياجات التي تنقص الأطفال، وتكفيهم لمدة شهرين.
لن أنسى ضحكة الأطفال حين رأوا هذه التبرعات التي جلبتها لهم، ومن هُنا أود شُكر كل شخص قام بفعل الخير هذا.
تشجيع الأصدقاء..
وردًا على سؤالنا قالتْ أهيله، أنها بالتأكيد تُشجع أصدقاءها بالاقتداء بها والذهاب للتطوع وأن يعيشوا نفس تجربتها، وخاصة كوننا نحظى بشباب لديهم طاقة كبيرة في العطاء من القلب إلى القلب، ودليل على ذلك أن الناس قامتْ بمراسلتها عبر حسابها على الفيسبوك من كل صوب، لدعم الفكرة والثناء على تجربتي.
ومن هنا أتوجه بالقول لكل من يرى أو ترى نفسها مناسب/ة لعيش هذه التجربة الفريدة أنني على أتم استعداد لدعمهم وتشجيعهم لخوضها من خلال مساعدتهم للوصول إلى العنوان والأشخاص المناسبين لإرشادهم.
مشاريع تطوعية مستقبلية..
وعن المشاريع المستقبلية في هذا المجال، قالتْ أنها تُجهز نفسها للمشاركة في العمل التطوعي في إحدى دول أمريكا اللاتينية التي ستستغرق أيضًا مدة شهر ونصف، وستعود مُجددًا إلى تنزانيا خلال الصيف المقبل لمدة أسبوعين، كونها تعمل على مشروع توصيل المياه لدار الأيتام، لأن المياه التي يشربوا منها حاليًا ملوثة ومجمع للأمراض.
أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
[email protected]
أضف تعليق