انطلقت مساء أمس النسخة الرابعة من فعاليات "أشغال فيديو" التي تنظمّها جمعية "أشكال ألوان" في سينما "ميتروبوليس أمبير صوفيل". الأفلام الأربعة التي عرضت في اليوم الأول للفعالية، كانت بمثابة اختبار لصبر الجمهور العريض الذي ملأ الصالة جلوساً ووقوفاً. والاختبار هناك لم يكن ممتعاً على الإطلاق. إذ تبقى العلاقة بين المتفرّج والفيلم، حيادية وفي بعض اللحظات قد يشعر المتفرّج بالدونية إذ لا يفهم بالضبط ماذا يجري على الشاشة الكبيرة، أو أنه لا يفهم على الإطلاق. هل هو الفن الحديث ومتطلباته الصعبة؟ وماذا يعني الفن الحديث؟ هل هو علاقة المخرج بفيلمه وبشخصياته فقط؟ هل هي مجرّد علاقة تجمع أصحاب العمل بعضهم ببعض؟ حتى أنني قرأت مقابلة الزميل نديم جرجورة مع نصري الصايغ الذي شارك في فيلم "غشاء" لجاد يوسف وعرض بداية الافتتاح البارحة، وما تحدّث عنه الصايغ يكرّس فكرة هذه المسافة التي تفصل الجمهور عن الفيلم. يقول الصايغ: "لم أكن أعرف جاد يوسف. قال لي إنه يريدني معه في فيلم الديبلوم. طلبتُ السيناريو، أو نصاً سينمائياً لأطّلع على الموضوع. قال لي إن المسألة لا تتعلّق بعدم رغبته في إرسال السيناريو إليّ، ولا في أنه لا يُريدني أن أعرف القصّة. لديه طريقة في العمل شجّعتني كثيراً على الموافقة: لا سيناريو ولا قصة مسبقاً. أخبرني القصّة صبيحة يوم التصوير الأول".
أما التقديم الذي يرافق الفيلم فهو كالتالي: "قصة نجيب، رجل في الخامسة والثلاثين من عمره وحيداً في منزله مع سلسلة اتصالات هاتفية". بالضبط، هذا ما شاهدناه. لا غير. شاب يجلس في بيته وينتظر لقاء حبيبته ليال. في الفيلم، ثمة شخصيات أخرى لا وظيفة لها سوى تعزيز إحساس المتفرّج بغبائه وبعدم قدرته على التقاط الفكرة، الحدوتة، القضية، أي شيء!
الفيلم الثاني "مونديال 2010" للبناني روي ديب الذي حصد أخيراً جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان برلين السينمائي، فهو الآخر يفشل في خلق علاقة مع المتفرّج. يمرّ الفيلم ومدتة 25 دقيقة بلا أسئلة وبلا أجوبة. لا يستثير في مخيلة المتفرّج أي إحساس، لا حب ولا كراهية ولا فضول ولا حلم ولا أي شيء. إنها رحلة شابان مثليان لقضاء إجازة بعيداً عن الأعين في فندق "موفمبيك" في رام الله. أين القصة إذاً؟ هل القصة هي الشابان المثليان؟ لماذا؟ أليس من الطبيعي وجود أشخاص مثليين في الحياة؟ ألم نجتز هذه المسألة المحرّمة بعد؟ هل القصة في ذهابهما إلى رام الله؟ لماذا رام الله تحديداً؟ لكي يقول أحد الشابين إنه يرغب بالعودة إلى بيروت وإنه يتمنى لو أنه لم يزر رام الله. كان يحبها. الآن جاء إليها ولم يشاهد ما يلبّي خياله عنها. ما هي الفكرة بالضبط؟ لا داعي للإجابة. إنه الفن الحديث.
"جوديث"
الفيلم الثالث بطولة جوليا قصار وإخراج رومان هامار. نصف ساعة من التعذيب، لا غير. حوار بين جوليا قصار (امرأة مطلّقة) وجاد تانك (شبح كما يجري تعريفه). في غرفة فسيحة، يجلسان ويتحاوران. هو يسأل وهي تجيب. كأنه حوار ذاتي تجريه جوديث مع نفسها. لا نفهم الغرض من وراء تسميتها بجوديث وتكلّمها اللغة الإنكليزية بلكنة غير متقنة. ذلك الحوار الذي من المفترض هو بوح ذاتي عن أمور كثيرة من الحب إلى الكراهية والأنانية والموت والحياة، لا يلامس المتفرّج ولا للحظة واحدة. تلك الأسئلة التي يطرحها الشبح وتجيب عنها جوليا، هي أسئلة الحياة. لا جديد فيها ولا مثير ولا مستفز.
"متى قتلت الدب/متى صرت جميلة"
الفيلم الرابع قد يكون نجا بعض الشيء من تلك الرتابة المنهكة. ثمة فكرة واضحة وثمة فكر أيضاً وموقف ومسألة وأسئلة. "متى قتلت الدب/متى صرت جميلة" لمروة ارسانيوس، هو دراسة عن مجلة "الهلال" المصرية وبحث في أرشيفها للتحقق من شخصية المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد.
لم يكن اليوم الأول من فعاليات "أشغال فيديو" المستمر حتى يوم الثلاثاء 8 نيسان/أبريل، على قدر التوقعات. أو أن هوة عميقة ستفصل البعض عما يسمّى بالفن الحديث وأسئلته ستبقى معلقة دون إجابات أو دون متعة في المشاهدة.
• يعرض اليوم الإثنين 7 نيسان/أبريل "طقوس نوال" لسارة فرنسيس و"مقتطفات" لرائد رافعي و"انوثة ساكنة" لكورين شاوي.
[email protected]
أضف تعليق