مثل جميع المرتبطين، كنت وزوجتي أناقش مسائل الزواج قبل أن نرتبط رسميا. ولكننا اكتشفنا أنّه كان بإمكاننا أن لا نحتفظ بسرية معلوماتنا الشخصية.
وعندما بدأنا نناقش نوع خاتم الخطوبة، مثلا، عبر رسائل فيسبوك، بدأ محرك البحث الذي أستخدمه يتيح لي خيارات تتعلق بأنواع خاتم الخطوبة الذي قد يلائم ذوقنا. من لحظتها أصبح كل من يكون في غرفتي على علم بخططي.

لقد تأكدت من صحة قول مأثور: إذا لم تدفع مقابل خدمة أو منتج، ستكون أنت المنتج أو الخدمة التي تباع.
ومثل غالبية الناس الذين يستخدمون أجهزة الحواسيب، فإنّ المعلومات داخل بريدك الشخصي أو على محرك البحث تباع للمعلنين. ثم تطوقك الإعلانات من كل الجوانب وتداهمك في تلك اللحظة التي تكون فيها قريبا من صديق أو قريب أو زميل.
نحن نستخدم فيسبوك مجانا ونبحث في الانترنت مجانا أيضا ولكن الثمن الذي ندفعه هو معلوماتنا الشخصية والتي يستخدمها المعلنون من أجل "التنكيل" بنا برسائل تضغط من أجل أن تقنعنا بشراء منتجات يعتقدون أننا نرغب بها.

وفي الحقيقة ما كان يتعين أن يكون الأمر على هذا النحو. سأكون سعيدا بأن أدفع مقابلا لاستخدام فيسبوك أو غوغل شريطة أن يسمحا لي بالحفاظ على معلوماتي الشخصية شخصية.

ولست الوحيد في عدم الارتياح للوضع الراهن، والأمر طبيعي لأنّ الإعلانات عبر الانترنت تؤثر في حياة كل شخص يستخدم الشبكة هذه الأيام.
ومن ضمن هؤلاء صديقي جيم ترامل، وهو أستاذ في نورث كارولينا، والذي تزوج عن حب إحدى الفتيات. ومؤخرا كان يتعين عليه إعداد مقال عن المثلية بين المسيحيين، وذلك لحساب مجلة دينية، وهو ما تطلب منه البحث عبر الانترنت.
لقد أبلغني لاحقا قائلا "لقد شعرت وكأنني أتلقى سيلا من الإعلانات عن عطلات مخصصة للمثليين وعن مواقع مواعدة مثليين."
أما أليسا ريختر فكانت لها قصة مشابهة حيث أنها كانت تبحث في الانترنت عن هدايا للرضع ستمنحها لصديقتها الحامل. وصادف مرة أن كانت رفقة زوجها، وفوجئ بكم الإعلانات عن المرأة الحامل، فسألها "هل هناك ما تخفيه عني؟"
ورغم أن مثل هذه القصص تحتوي على جانب من الفكاهة، إلا أن هناك قصصا أخرى تحتوي على جانب مماثل من المشاعر المخالفة لذلك.
فقد روت لي صديقة طلبت عدم ذكر اسمها أنّها بمجرد أن علنت بأنها حامل، بدأت تبحث على الانترنت في مسائل على علاقة بالحمل شاركها فيها بكل سعادة زوجها.
لكن لاحقا أجهضت، فيما استمرت الإعلانات التي تتضمن صور الأطفال والنساء الحوامل في الظهر لها كلما فتحت الحاسوب لدرجة أنها كانت على حد تعبيرها بمثابة "صبّ الملح على جرح."
فالبرامج التي تفحص الأنشطة على الانترنت، لا تميّز. ولكونها غير بشرية، فإنها لا تتمتع بأي حس أو شعور، وأي مفتاح تمنحها إياه يكفيها لتنفيذ عملها.
وإذا كنت تعاني من الكآبة بسبب وفاة أحد المعارف، فلا يعتريك الشعور بالمفاجأة إذا هوجمت بإعلانات من شركات تنظيم مراسم الجنازات. وإذا كنت تخطط لمفاجأة زوجتك بهدية، فلا يعتريك أي شعور بالمفاجأة، إذا رأيت وأنت بجانب زوجتك إعلانا عن الهدية التي قررت شراءها لها قبل أن تقوم بذلك.
وينبغي أن أضيف أن الأمر لا يقتصر على فيسبوك وغوغل، فالعديد من المواقع تقوم بنفس الأمر.
ولطالما كنت مندهشا للدفاع المستميت الذي يبديه أناس عن هذه الاساليب من قبل شركات التقنية. ومثال ذلك القول إنك لست مرغما على زيارة هذه المواقع. هذا صحيح، ولكنه يشبه إلى حد بعيد الطلب من أحد سكان قرية صغيرة لا تتوفر على شبكة نقل عمومي أن لا يملك بالقانون سيارة. فإذا كنت ترغب بالمشاركة في حياة يومية عادية، ما هي الخيارات الأخرى التي تملك؟

مثال آخر أيضا وهو "شروط الاستخدام" فإذا قررت استخدام فيسبوك أو غوغل فإنّك وافقت على شروط الاستخدام. هذا أيضا يمكن أن يكون صحيحا، من وجهة نظر قانونية ضيقة، ولكن من زاوية عملية، لا يمكن الاعتماد على ذلك. ويكفي القول هنا إنّ قراءة شروط الاستخدام يحتاج وحده إلى أيام.
وأخيرا، هناك مثال آخر وهو أن شركات التقنية لا تحاول إجبارك على القيام بأمر لا ترغب به، فقط غيّر معايير الخصوصية لديك. هذا صحيح. ولكن حقّا؟؟ فلشركات التقنية مصالحها الخاصة التي تحركها.

ولذلك فإنّ شعار "فيسبوك مجاني وسيبقى كذلك" يبدو جيدا، ولكن لو يتفضل فقط بأن يتيح النسخة المجانية للأشخاص الذين لا يهتمون بخصوصيتهم. فسأكون سعيدا بأن "اشتري النسخة الممتازة" بالمبلغ الذي يقدره الموقع، مقابل أن أحتفظ لنفسي بمعلوماتي الشخصية.

 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]