لا يقف التمييز العُنصري بحق المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل على المرافق الاقتصادية، السياسية، القومية والعرقية، انما تخطت حدوده الكثير منها، لتضم أيضًا الجوانب الثقافية، العلمية، الأكاديمية، حيثُ يُعاني، جهاز التعليم داخل المجتمع العربي من الاجحاف في التمييز منذ المراحل المبكرة التي تسبق المدرسة وصولاً إلى مؤسسات التعليم العالي وما يتلوها من إيجاد فرص في العمل.
" من المدرسة للجامعة العنصرية.. لاحقتك "
وفي حديثٍ مع د. يوسف جبارين- رئيس المركز العربي للحقوق والسياسات " دراسات"، المحاضر في جامعة حيفا وكلية تل حاي قال: " يُستدل من المعطيات والأبحاث أن الطالب العربي تبدأ معه مرحلة التمييز منذ دخوله للحضانة، وصولاً إلى الجامعة، وتشمل الميزانيات المخصصة، البنى التحتية للمدارس، وجودة الأبنية والتجهيزات في المدارس العربية، مرورًا في كل ما يتعلق بقضية مضامين التعليم المتنكرة لهوية الطالب الوطنية، ولأدبه وتراثه الفلسطيني. الأمر الذي يتمثل بالأساس، في استثناء التعليم في اللغة العربية.
لذلك نؤكد أنه من حق الطالب العربي في البلاد، المنتمي إلى الأقلية القومية وهي الأصلانية، أن يتمم تعليمه العالي في لغته الأم العربية، وللأسف، هذا الشيء غير متوفر داخل إسرائيل، ويُذكر أن المؤسسة الأكاديمية في الناصرة حظيت بهذا التميُز، وهي حديثة العهد، لكنها للأسف غير مدعومة وممولة من قبل مجلس التعليم العالي في إسرائيل، رغم اعترافه بها! وبرأيي يُعتبر هذا الشيء، نوعًا من التمييز ضد الطالب العربي، الذي يمُر فعليًا، بتجربة التمييز في كل مراحل دراسته!
الأسباب والدوافع لانتهاج هذا اسلوب التميز بحق المواطن العربي..
يقول دكتور يوسف جبارين، " أعتقد أن الأسباب الرئيسية لانتهاج هذا الأسلوب، يعود لسُلم الأولويات، الذي تتبعه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لخدمة الطالب اليهودي، وتحضيره لقيادة هذه الدولة، وفي المقابل تنتهج المؤسسات سياسات عنصرية بشكل واضح ضد المواطن العربي، وهذا على مستوى الحقائق، باعتراف من مراقب الدولة، واقرارات حكومية، ومحكمة العدل العليا، وهذا الأمر استنادًا لأبحاث، قام بها زملاء يهود، التي تُشير أن الكثير من الطلاب العرب، في الخدمات التربوية يحصل على خُمس ما يحصل عليه الطالب اليهودي، الأمر الذي يوضح ان هذا الفرق او هذا التمييز ليس وليد الصدفة، وهذه سياسة مقصودة تمنح الأفضلية الأولى للطالب اليهودي، وبالتالي يبقي الطالب العربي على هامش توزيع الموارد والميزانيات!
ما هو مدى تأثير هذا النهج العنصري على الطلاب العرب في المؤسسات الأكاديمية، وعلى تحصيلهم العلمي؟
وقد أشار دكتور يوسف جبارين، أن الأبحاث تدل على علاقة واضحة بين الموارد التي ترصد وتستثمر في التعليم، وبين النتائج، لا يُمكننا أن نفصل بين أمرين مُهميّن، الأول: التمييز في الموارد، وبين اسقاطاتها على نتائج الطلاب العرب، والتي تنعكس في عدم ايجاد فرصة لدخول الجامعات، التي يُشكل الطلاب العرب فيها نحو 10% في الجامعات، و6% في الكليات، مع هذا لا زلنا بعيدين عن نسبتنا في تعداد السُكان التي تصل إلى نحو 20%.
الجانب المادي مُهم، والنقص في الأبنية التعليمية في المدارس، هي بداية المشكلة، لأن الاكتظاظ في المدارس، والأجواء الدراسية الصعبة، تؤدي إلى نتائج متردية في التحصيل!
والأمر الثاني: المضامين التي يتعلمها الطالب/ التلميذ، إذ تُشير الأبحاث، أن هُنالك علاقة بين مضامين التي يدرسها، وبين نجاحه في تعليمه وتحصيله، بمعنى أن، عندما يكون هُناك قرب وتجانس، ما بينه وبين المضامين التي يدرسها، والتي تمثل بيئته، وشعبه، وعروبته، وهويته، وثقافته، وتخلق جوًّا من القرب والمودة بين المتلقي وما يدرس في مؤسسته، وبيئة تربوية أفضل، وينعكس على انجازاته.
كيف يميز الطالب الجامعي التمييز العنصري بحقه؟
في اعتقادي من خلال تجاربنا نلمس هذا التمييز بشكل يومي، ابتداءً من المرحلة المدرسية وكل ما يشمل من ميزانيات وبنية تحتية، وصولاً إلى الجامعة، هُناك أنواعٌ عدة من التمييز مستخدمة ضد الطلاب الجامعيين العرب، منذ دخولهم إلى الجامعة، منها:
غياب التعددية الثقافية في المؤسسات الأكاديمية؛ إذ يُعاني الطالب العربي من غياب ثقافته فيها، من المفروض أن تتبع هذه المؤسسات، سياسة تعدد الثقافات، ولا تكون تحت سيطرة مجموعة الأغلبية، من ناحية اللغة والثقافة، ويجب أن تكون منفتحة لثقافة الأقليات، وهذا متبع في الجامعات الأوروبية، ليشمل، تواجد اللغة العربية في استثمارات التسجيل للجامعة/ الكلية، موقع الانترنت الخاص فيها، توجيه مهني باللغة العربية، وتجاهل هذه النقاط يأتي بالشعور في الغربة لدى الطالب، لسبب ضعف لغته العبرية.
قضية تحديد الجيل في الجامعات؛ وهي تحديد عُمر الطلاب المسجلين بين جيلي ( 19-12) عامًا، وقد قمنا بمعالجتها في مركز " دراسات"، وهذا أمر غير مهني من قبل المؤسسات الأكاديمية، وليس من الصدفة أن الجامعات/ الكليات التي قامت بتحديد الجيل، لديها أكبر نسبة من الطلاب العرب.
قضية البسيخومتري؛ كما هو معلوم أن امتحان البسيخومتري، أصبح عاملاً مركزيًا، للقبول في الجامعات والكليات، ومن خلال الابحاث التي قمنا فيها في دراسات يستدل الى فرق 120 نقطة بين الطالب العربي واليهودي، وهذا فرق كبير وعلى اساس قومي، يعكس ان هناك يوجد اشكالية جدية في هذا الامتحان أمام الطالب العربي!
قضية السكن؛ بالإضافة إلى أسعار السكن المكلفة، تمنح الجامعة السكن للطلاب الذين خدموا العسكرية، نقاط اضافية في احقية السكن، وهذه القضايا وصلت الى المحاكم، ولكن للأسف المحاكم الاسرائيلية لم تتدخل في حل الموضوع!
قضية الاعتراف بخصوصية الطالب العربي؛ أي الاعتراف بأعياد الطلاب العرب، التي لا تعترف فيها المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، على الأقل من المفروض الاعتراف باليوم الأول للعيد بمثابة عطلة رسمية، نجحنا في بعض المؤسسات في السماح للطلاب العرب، الغياب في اليوم الأول، لكنه بالمقابل يخسر الطلاب يومهم الدراسي.
قضية تغيِّب الطالب العربي من النقابات الطلابية؛ وتعتبر هذه القضية جدية، إذ لا يوجد تمثيل جدي للطلاب العرب في هذه النقابات، باعتبارهم أقلية، على الرغم من ان نقابات الطلاب كان ممكن تكون مورد جدي لدعم الطلاب العرب ومرافقتهم والقيام ببرامج لمصلحتهم. فمن حق الطلاب العرب في التظاهر والقيام بالنشطات السياسية، فهم جزء من شعبهم الفلسطيني، على الجامعات ادراك القضايا القومية، التي هي جزء من حياة وهموم طلابها العرب. وإدارة الجامعة تستغل نقطة حاجتها إلى الهدوء داخل حرمها، لقمع أصوات طلابها.
قضية السلك الإداري؛ حيث تفتقر الجامعات الإسرائيلية، لدمج عاملين عرب فيها، في السلك الإداري والخدماتي، والتوجيهي، وخاصة في المكتبة العمومية في الجامعة التي تستقطب كمًا واسعًا من الطلاب العرب المحتاجين إلى إرشادهم وتوجيهم.
قضية السلك الأكاديمي؛ إذ يُعتبر المحاضرين العرب غير موجودين، حيثُ لا تصل نسبتهم إلى 1,5%، هذا ما يعني أن مُحاضرًا عربيًا واحدًا في كل مؤسسة أكاديمية، ونادرًا أن يكون أكثر من محاضرًا عربيًا في مؤسسة أكاديمية واحدة! على الرغم من وجود ازدياد متواصل في عدد الأكاديميين العرب أصحاب القدرات الكافية والمؤهلة لأن تكون في السلك الاكاديمي، ولكن الجامعات والكليات لا تستقطبها وهذا بالتالي يؤثر على الطلاب العرب.
[email protected]
أضف تعليق