توصلت دراسة بحثية أنّ ارتفاع معدلاّت البطالة بين خريجي الجامعات والمعاهد المحلية ترجع إلى عدم الربط بين كفاءة وتخصصّات خريجي التعليم العالي والتدريب المهني والتقني, وبين احتياجات ومتطلبات سوق العمل الفلسطيني، وكذلك ضعف قدرة القطاع الخاص على استيعاب المزيد من الأيدي العاملة.
جاءت تلك الدراسة خلال مناقشة رسالة ماجستير في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، للباحث محمــود حسـين عيــسى، بعنوان "الاختلالات الهيكلية في سوق العمل الفلسطيني وسبل معالجتها"، في برنامج الدراسات العليا والبحث العلمي لجامعة الأزهر بمدينة غزة، والتي بموجبها منحت له درجة الماجستير من قبل لجنة المناقشة والحكم والتي تضم كل من الدكتور سمير أبو مدللة عميد كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة الأزهر مشرفاً ورئيساً، والدكتور فاروق دواس مشرفاً، والدكتور نسيم أبو جامع مناقشاً داخلياَ والأستاذ الدكتور معين رجب مناقشا خارجياً.
وتوصّل الباحث في دراسته إلى أنّ معالجة اختلالات سوق العمل تتطلّب برامج إصلاح شاملة ومتدرّجة ومتسلسلة, كما تتطلّب تحوّلاً واسعاً في السياسات الاقتصادية لتعزيز الدوافع الجوهرية للنموّ الاقتصادي لخلق تطلّعات قابلة للتحقيق من خلال استحداث فرص عمل لاستيعاب الأعداد المتنامية التي ستنضم إلى القوى العاملة خلال السنوات القادمة.
وأوصت الدراسة بضرورة تدخّل السلطة الفلسطينية بشكل قوي وفعّال, لدعم القطاع الخاص في تأدية دوره المناط به كفاعل مهمّ لعملية التنمية, للشروع في معالجة التشوّهات الهيكلية طويلة المدى في سوق العمل وبنية الاقتصاد الفلسطيني, كخطوة أولى على طريق بناء الدولة المستقلة.
وقدّم الباحث خلال دراسته مقترحاً لإستراتيجية تنموية وطنية للتخلّص من التشوّهات في سوق العمل, تُنفّذ في سياق الإستراتيجية التنموية الرسمية العامة.
هذا، واستخدم الباحث في دراسته، منهج التحليل الكمّي بتقديمه تحليلاً كمّياً لمظاهر الاختلالات الهيكلية في سوق العمل، والتطوّر الكمّي لنسبة البطالة، كذلك منهج التحليل الوصفي بتقديمه صورة وصفية تحليلية لدور السياسات الاقتصادية وقدرتها على معالجة الاختلالات الهيكلية في سوق العمل. كما استخدم الباحث المنهج القياسي والدلالات الإحصائية لاختبار وتوضيح العلاقة الحقيقية بين بعض متغيّرات الدراسة في حال استدعت الضرورة لذلك.
وتناول الباحث مشكلة الدراسة في ضوء الاختلالات الهيكلية المزمنة التي يعاني منها سوق العمل الفلسطيني مما قلصت من قدرته على توفير فرص عمل كافية ومستمرّة، مما جعل الباحث يطرح السؤال التالي الذي يتعلق بعنوان ومحتوى الدراسة، ما هي الاختلالات الهيكلية التي يعاني منها سوق العمل الفلسطيني، وينبثق عنه أسئلة فرعية أبرزها التعرف على أهم مظاهر الاختلالات الهيكلية في سوق العمل الفلسطيني، ومصادرها ومدى تأثيرها على سوق العمل وما هي السياسات والإجراءات الملائمة للتخلّص من اختلالات سوق العمل.
وهدفت الدراسة إلى التعرّف على حجم الاختلالات الهيكلية في سوق العمل الفلسطيني، وتحليل مؤشّراتها الأساسية، وتحديد العوامل والمسبّبات الرئيسية التي تؤدّي إلى تفاقم حدّة هذه الاختلالات، وكذلك اقتراح آليات وإجراءات عملية على هيئة خطة لمعالجة الاختلالات المذكورة وتحقيق توازن نسبي في سوق العمل.
وافترض الباحث وجود اختلالات هيكلية في سوق العمل الفلسطيني، حالت دون تمكين هذا السوق من توفير فرص عمل دائمة ومناسبة.
وبين الباحث أن أهمية الدراسة تكمن في مساعدة صناع القرار الفلسطيني في بلورة سياسات تنموية، تؤدّي إلى زيادة القدرة الاستيعابية للعمالة داخل الاقتصاد المحلي من خلال زيادة قدرته الإنتاجية والتشغيلية. موضحاً أن القوى العاملة الفلسطينية (رأس المال البشري) هي أساس التنمية، والمحرّك الحقيقي لبناء اقتصاد فلسطيني قوي، خاصّةً في ظل محدودية الموارد الطبيعية والمالية التي يعاني منها الاقتصاد الفلسطيني.
وتطرّقت الدراسة إلى توازن سوق العمل واختلاله في النظرية الاقتصادية، وخصائص العرض والطلب على العمالة في سوق العمل الفلسطيني. وعمدت إلى تحليل مصادر الاختلالات الهيكلية في سوق العمل الفلسطيني، وخاصة ضعف القدرة الإنتاجية للاقتصاد الفلسطيني، واعتماد سوق العمل الفلسطيني على أسواق العمل الخارجية خصوصاً سوق العمل الإسرائيلي، وعدم مواءمة مخرجات التعليم والتدريب المهني لمتطلبات سوق العمل.
وأوضح الباحث عيسى أن سوق العمل الفلسطيني يعاني من اختلالات هيكلية مزمنة حدّت من قدرته على توفير فرص عمل كافية ومستمرّة. لافتاً إلى أن السلطة الفلسطينية منذ قيامها عام 1994 اعتمدت الكثير من الخطط والسياسات للتخفيف من حدّة هذه الاختلالات، إلّا أنّ جميع هذه السياسات كانت محدودة التأثير، وبقيت الاختلالات في سوق العمل متجذّرة في الاقتصاد الفلسطيني مما تركت آثاراً سلبية حادّة على الاقتصاد والمجتمع الفلسطيني على حدٍ سواء .
وفي ذات السياق، أوصى الباحث بضرورة دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة, من خلال إنشاء صندوق يرعى برامج الإقراض التنموي لهذه المشاريع, وتقديم التسهيلات الائتمانية والخدماتية, والمساعدات الفنيّة والتدريبيّة, والاستشارات التسويقية، وكذلك إدماج الاقتصاد الفلسطيني في الأسواق العربية والإقليمية والعالمية مع وتنويع علاقاته التجارية.
وأثنت اللجنة على الرسالة وجهود الباحث ومن ثم منحته درجة الماجستير. وحضر المناقشة لفيف من الطلبة والمهتمين وزملاء الباحث.
[email protected]
أضف تعليق