يعاني 70 مليون شخص في العالم اضطرابات مرضية في الأكل. هذا الرقم الخطير يدعو إلى التركيز على أهمية نشر التوعية للحد من التزايد السريع والخطير لهذه الحالات التي لها مضاعفات لا يمكن الاستهانة بها، خصوصاً أن اضطرابات الأكل هي المسبب الأول للوفيات من بين مختلف الاضطرابات النفسية.

في كثير من الأحيان، لا يعي الأهل، الذين يلعبون دوراً جوهرياً في توجيه أطفالهم باتجاه الصح أو الخطأ، أن أطفالهم يعانون مشكلات واضطرابات قد يكون ظاهرها بسيطاً في حين أن وراءها أسساً خطيرة وأسباباً تحتاج إلى معالجة وقد تنتج عنها أيضاً آثار جانبية تزيد صعوبة التصدي لها مع تقدم الحالة.

ثمة مؤشرات كثيرة يمكن أن يتنبه لها الأهل لدى أطفالهم، وخصوصاً لدى المراهقين الذين تظهر أكثر هذه الاضطرابات لديهم في هذه المرحلة الدقيقة في الحياة.

الاختصاصية اللبنانية في علم النفس العيادي المتخصصة بالاضطرابات المرضية في الأكل كارين الخازن من مؤسسة (Middle East Eating Disorders Association) MEEDA لمكافحة الاضطرابات المرضية في الأكل، أوضحت كل الحقائق المتعلّقة بالاضطرابات المرضية في الأكل، على اختلاف أنواعها، مع أسبابها وطرق التصدي لها والوقاية منها من خلال إرشادات توجه الأهل حول طرق التعامل مع أولادهم تجنباً لدخولهم في هذه الدوامة.


- ما أنواع الاضطرابات المرضية في الأكل؟
ثمة أنواع عدة من الاضطرابات المرضية في الغذاء لكن أكثرها أهمية وشيوعاً هي فقدان الشهية العصبي Anorexia nervosa الذي يبدأ بنظام غذائي متوازن حفاظاً على الرشاقة يتحوّل لاحقاً إلى وسواس في الحمية بهدف بلوغ النحول الزائد والتخلص من الكيلوغرامات التي يعتقدها المريض وحده زائدة فيما لا تكون هذه الصورة المشوهة عن ذاته وغير الواقعية إلا في ذهنه. في هذه الحالة يتبع المريض حمية قاسية، وفي الحالات المتقدمة يمتنع نهائياً عن الأكل.

من الواضح أنه لدى مريض فقدان الشهية العصبي صورة غير واقعية عن نفسه بحيث يرى انه يعاني زيادة في الوزن أكثر مما هو عليه.
الشراهة العصبية المرضية Bulimia Nervosa هي التي يتناول فيها المريض كميات كبرى من الطعام في فترة قصيرة ثم يحاول التخلص من الكميات الزائدة من خلال التقيؤ أو المبالغة في ممارسة الرياضة أو تناول مليّنات المعدة.

في هذه الحالة لا يزيد الوزن إلا بنسبة قليلة نتيجة تخلص المريض من الكميات الزائدة. الإفراط المرضي في الأكل Binge Eating هو النوع الذي يتناول فيه المريض كميات زائدة من الطعام دون اللجوء إلى الوسائل المعتمدة في حالة الشراهة العصبية مما قد يؤدي إلى زيادة كبرى في الوزن وصولاً إلى السمنة المرضية.

الOrthorexia هي حالة يعتبر الأشخاص الذين هم فيها أصحاء نظرياً كونهم يتبعون انظمة غذائية صارمة لكن صحية كالنظام النباتي المتشدد. لكن في النهاية تعتبر كل حالة متطرفة مرضية.

اضطراب الأكل الليلي هو الذي يكون فيه النظام الغذائي طبيعياً في النهار لكن يفرط المريض في الأكل ليلاً متجهاً إلى أطعمة يعشقها.
قد يكون الأكل اليلي معتدلاً فيكون الأمر طبيعياً، ولكن تكمن المشكلة في الإفراط في الأكل الذي يتحول إلى مرضي. وتحديداً تكمن المشكلة في الكميات الزائدة لا في نوعية الأطعمة التي يتم تناولها.

علماً أن هؤلاء الاشخاص الذين يعانون هذه الحالة يستيقظون ليلاً بهدف تناول أطعمة يحبونها كالحلويات وما شابه.

- ما العوامل التي قد تتسبب بالإصابة بالاضطرابات المرضية في الأكل؟
بشكل عام، تبرز النسبة الكبرى من الحالات في مرحلة المراهقة مع التغيّرات التي تحصل في جسم المراهق، خصوصاً الفتاة التي تتأثر بشكل واضح بما يحصل في جسمها من تغيّرات، إلى جانب الضغوط الإجتماعية المرتبطة بالوزن والشكل مما يزيد صعوبة تقبلها لهذه التغيّرات.
عندها يخضع المراهق لحمية للتخلّص من الكيلوغرامات الزائدة ويتمادى في ذلك وصولاً إلى هذه الاضطرابات المرضية التي تنتج عن التطرف في الحميات.

- لكن لا يقع كل مراهق أو مراهقة ضحية الاضطرابات المرضية في الأكل، هل من عوامل أخرى تساهمفي زيادة احتمال الدخول في هذه الدوامة؟
لا يتأثر كل مراهق أو مراهقة بالتغيّرات التي تحصل في مرحلة المراهقة والضغوط الإجتماعية.

إذ أن ثمة عوامل إجتماعية ووراثية وعائلية تلعب دوراً بارزاً في ذلك. ففي الدرجة الأولى، لا بد من الإشارة إلى أنه وراثي، ثمة أجسام تكون نحيلة أكثر من اخرى. وهذا تحديداً ما يلعب دوراً في هذا المجال.

فالاشخاص الذين هم أصلاً أقل وزناً وأجسامهم نحيلة، هم أقل عرضة للاضطرابات المرضية في الأكل لأنه لا يكون لديهم أصلاً اهتمام خاص بالأكل وهوس في هذا المجال، كما بالنسبة إلى الأشخاص الذين لهم ميل إلى زيادة الوزن فيتجهون إلى الحمية بهدف إنقاص أوزانهم.

هذا إضافةً إلى الضغوط الإجتماعية التي تدعو إلى النحول الزائد وتظهر صوراً غير واقعية لاجسام نحيلة وتدعو بشكل سلبي إلى خفض الوزن، مما يؤثر سلباً على المراهقات. من هنا أهمية التوضيح أن ليس على كل فتاة أن تصبح عارضة أزياء ولا تقدر كل فتاة على ذلك.

إضافةً إلى ذلك، واقعياً، تحتلّ العائلة المرتبة الأولى بين مختلف المسببات، إذ ان للعائلة دوراً جوهرياً في توجيه الأطفال باتجاه الصح او الخطأ.
نرى غالباً كيف يميل الأهل إلى معالجة العديد من المشكلات مع أطفالهم بالحل الغذائي وكأن العاطفة ترتبط بالأكل في مجتمعاتنا وننقل هذه المفاهيم إلى اطفالنا.

كما أن الأهل أنفسهم يقودون الأطفال إلى الاضطرابات المرضية في الأكل من خلال الاهتمام الزائد بالشكل والأكل والنحول الزائد.

- هل صحيح أن الفتيات يعتبرن أكثر عرضة للاضطرابات المرضية في الأكل؟
نعم من الواضح أن الفتيات يعتبرن أكثر ميلاً إلى الاضطرابات المرضية في الأكل حيث لا تتعدى نسبة الرجال الذين يعانونها 5 إلى 15 في المئة، فيما النسبة الباقية للفتيات. إلا أن نسبة الرجال الذين يعانون هذه الاضطرابات تتزايد بشكل ملحوظ.

- هل من علاقة تربط ما بين هذه الاضطرابات المرضية في التغذية؟
قد تكون العلاقة وثيقة بين الشراهة العصبية المرضية وفقدان الشهية العصبي. كما قد تكون الحالتان متباعدتين تماماً ومنفصلتين دون روابط بينهما.
إذ يمكن أن يتبع مريض فقدان الشهية المرضي نظاماً غذائياً صارماً، لكنه يقع من وقت إلى آخر في حالة الشراهية العصبية المرضية عندما يدخل في دوامة الإفراط في الأكل مع تقيؤ أو دونه.
وبالتالي يعاني هذا النوع من المرضى من الحالتين معاً فيعانون الاكتئاب اكثر من مرضى فقدان الشهية المرضي وحده كون هؤلاء يشعرون بقوة السيطرة على أجسامهم فيكونون أقل عرضة للاكتئاب بعكس الذين يقعون في فترات من الشراهة المضية مما يشعرهم بالاكتئاب لقلقهم على أجسامهم ولشعورهم بعدم السيطرة عليها.

- لماذا تعتبر المراهقة مرحلة دقيقة إلى هذا الحد في الإصابة بالاضطرابات المرضية في الأكل؟
لا شك أن المراهقة هي مرحلة دقيقة جداً، فخلالها يتغيّر الجسم كما تتغيّر العلاقات مع الأهل والمحيط والأصدقاء أيضاً.
هذه التغيّرات كلّها تؤثر سلباً على المراهق وتسبب له الكثير من القلق والانزعاج.
علماً أنه قد يتأقلم معها ويتخطاها بشكل جيد كما يدخل في دوامة المشكلات المرضية الناتجة عنها.
ففي هذه المرحلة الحساسة يشعر المراهق بفقدان السيطرة على نفسه وعلى جسمه وعلى حياته على أثر التغيّرات الحاصلة فيجدون الحل في هذه الاضطرابات المرضية في الأكل التي يعتبرون أن من خلالها يسيطرون على أجسامهم بشكل أفضل.
مع الإشارة إلى أنه وراء هذه الاضطرابات خصوصاً الشراهة المرضية، نقصاً عاطفياً.
لكن لا بد من التوضيح ان ليس كل نقص عاطفي يؤدي إلى اضطراب مرضي في الأكل، بل هو يلعب دوراً ويساهم في زيادة فرص الإصابة لدى أشخاص معينين.

فالمريض هنا يحاول التعويض العاطفي عما ينقصه من خلال الأكل كونه لم يجد حلاً آخر وكونه اعتاد على الربط بين العاطفة والأكل على اساس المفاهيم التي نقلت إليه.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]