هذه هي الحال: أسرة مكونة من والدين – الرجل في الخمسين، والسيدة في الخامسة والأربعين – ومن ابنتين – الكبرى في السابعة عشرة، والصغرى في التاسعة. قبل سنتين تورط رب الأسرة في أزمة مالية حادة، أضاعت عليه مصلحته التجارية المزدهرة، والتوفيرات والأموال، وحتى سيارة الجيب الفاخرة، وتراكمت عليه ديون ثقيلة، وأعلن عن إفلاسه ونتيجة لذلك عـُرض منزل الأسرة للبيع، آملا ً في تسديد ولد جانب من الديون المتراكمة.
وبطبيعة الحال، غرق أفراد الأسرة في غمّ واكتئاب وحسرة، وخاصة البنتين اللتين تعيشان حالة من الكرب والضياع والألم، لأنهما تفقدان البيت الذي ترعرعتا فيه، وهما تريانه "يـُسرق" منهما، وتـُحرمان منه...
فكيف السبيل إلى التخفيف عن كربهما وحزنهما وشعورهما بوطأة الحياة؟
حادثة طارئة!
الاختصاصية الإسرائيلية في علم النفس الاجتماعي، فاردا رازيئيل جاكونت ، نصحت ربة الأسرة بما يلي، لمجابهة هذا الوضع، وخاصة من جهة البنتين:
"في هذه الحالة، لا مفر من قول الحقيقة، شريطة المواظبة على التواصل مع الابنتين، لإفهامهما معنى الأزمة.
ومن الممكن تصوير الحالة على أنها حادث عارض، طارئ، فالناس معرّضون في حياتهم لمختلف أنواع الحوادث – منها ما هو بسببهم هم، ومنها ما هو لأسباب أخرى لا علاقة لهم بها.
فالناس قد يموتون في حادث طرق أو في حرب أو بسبب مرض – وربما بفقدون اقرب الناس إليهم لمثل هذه الأسباب.
ومن حسن حظكم أنكم على قيد الحياة، أصحاء سليمون سالمون (حتى وان كنتم متضررين خاسرين!). كما أنكم مجتمعون معا ً، باقون مع بعضكم البعض، وهذا أمر مهم، في هذا الوضع الأليم المستجدّ.
لا تخفوا شيئا ً!
ويتوجب عليكما كوالدين، أن تظهرا للبنتين أن هذا الوضع هو جزء من الحياة، وان حياة البشر ليست سلسة سهلة، بل فيها كثير من العقبات والعثرات، وان الخير والسعادة والهناء ليست أمورا ً مفروغا ً منها. لا تحاولا التقليل من حزن وحسرة الابنتين على فراق البيت، ولا تخفيا المصاعب التي تواجهانها في هذه السن المتقدمة، ولا تحاولا مواساتهما بكلمات وعبارات فارغة ممجوجة خالية من الصدق والحقيقة!
وهنا يجب الانتباه إلى أن شكل وتفاصيل الشرح بشأن التدهور والانهيار الحاصلين (ماليا ً) – تتعلق بمدى حب الاستطلاع والرغبة في المعرفة وحجم القدرة على الاستيعاب من جهة الابنتين ، بالإضافة إلى مدى صدقكما وصراحتكما. ومن الأهمية بمكان الإجابة على الأسئلة المتعلقة بسبب حدوث ذلك الانهيار، وبماذا إذا كان يمكن منع وقوع هذا الأمر، وكيف وصلنا إلى الفقر والعدم والديون بعد أن كنا أغنياء ميسورين، ولماذا يستحيل تسديد الديون بدون اللجوء إلى بيع البيت؟
دروس في الاقتصاد والمال...
وبطبيعة الحال، يجب تقديم شروحات أكثر عمقا ً وتفصيلا ً للابنة البالغة (17) عاما ً، وللصغرى – بشكل مبسـّط. وهذا يعني لزوم تعريف الابنة الشابة بمصطلحات وحقائق، تتعلق بالقروض البنكية وإجراءاتها وتبعاتها وعواقبها، مثل القائدة المصرفية والتخلف عن السداد، وعن التغييرات والأزمات الاقتصادية الحاصلة في العالم، وعن الإنتاج والبيع والشراء والتجارة – وما إلى ذلك.
ويمكن "استغلال" هذه الشروحات لإقناع وطمأنة البيتين فيما يتعلق "بشد ّ الحزام" وتقليل المصروف ، وعدم الحرج من السكن في بيت متواضع، والسفر بالباص والملابس العادية غير الفاخرة....
ثم أن هذه الأزمة قد تفيد البنتين وتعلمهما دروسا ً للمستقبل من جهة التوفير والتواضع والتحسب للازمات ومواجهة الصعاب – وفي نفس الوقت الصراحة والتعاون مع أفراد الأسرة لمواجهة كل طارئ.
[email protected]
أضف تعليق