تُمكِنك معرفة مدى رقيّ شعب ما من خلال تعرّفك ثقافتَه وأدبه وفنّه وإبداعاته واهتماماته اليوميّة ونشاطاته الرياضيّة؛ فالرياضة لا تقلّ أهميّة عن باقي المجالات التربويّة في صقل وتربية وتهذيب وتثقيف الشعب، بل إنّها تساهم في الحفاظ على نظام حياة صحّيّ وتنشّط العقل؛ لذا تدأب الدول المتحضّرة على الاهتمام بالرياضات المختلفة بشتّى أنواعها للارتقاء بشعبها، ولصقل شخصيّة الأطفال والفتيان والشباب؛ فتعمل على توفير جميع الوسائل الضروريّة واللّازمة لرصد ميزانيّات خاصّة لبناء أفضل وأحدث المرافق الرياضيّة وتحديث مبانٍ قائمة، من دون تمييز أو تفضيل، لهدف إشغال كلّ الفئات والأعمار وملء أوقاتهم بأمور هامّة، بدل التسكّع و/أو الانحراف و/أو الانجرار وراء مغريات جمّة يوفّرها الشارع - بكلّ سهولة - للأطفال والفتيان والشباب، من منطلق غرس مبدأ "العقل السليم في الجسم السليم".. لكن، وللأسف، لا تهتمّ جميع المؤسّسات ولا تعمل غالبيّة السّلطات والبلديّات في بلادنا على إدراج الرياضات في سلّم أولويّاتها؛ فلا توفّر الشروط الملائمة دومًا، ولا المرافق الرياضيّة والملاعب المناسبة، فضلًا عن التمييز بين مواطنيها - حتّى في هذا المجال، أيضًا - العرب واليهود.. وهذا ما قامت به، مؤخّرًا، بلديّة حيفا؛ بإهمالها وتقصيرها مع فريق كرة القدم العربيّ "سپورتاك حيفا"، التابع لحيّ الحليصة - كما ادّعى عدد من أهالي الحيّ(!).
لقد توجّه إلينا عدد من أهالي الفتيان الّذين كانوا يلعبون ضمن فريق "سپورتاك حيفا" التّابع لحيّ الحليصة، مستائين من عدم توفير البلديّة ملعبًا مناسبًا للتدريب ولإجراء المباريات، ما اضطرّ الفريق إلى إيقاف نشاطاته، ليجد أكثر من 20 فتًى (لاعبًا) أنفسهم من دون إطار يجمعهم.. ومن بين المتوجّهين الغاضبين المستائين من الوعود الفارغة للبلديّة والتمييز الصارخ بحقّ العرب في مدينة "التعايش"، حيفا، كان مصطفى أبو دبّوس (متطوّع وناشط اجتماعيّ في حيّ الحليصة)، وقد جاء احتجاجه حادًّا، ينمّ عن استياء وغضب عارمين، قائلًا: "أودّ، بدايةً، أن اؤكّد لك أنّني مسؤول عن كلّ كلمة أتفوّه بها.. إنّني أوجّه إصبع الاتّهام بكلّ ما يحدث من تمييز عنصريّ، وإهمال وتقصير، إلى رئيس البلديّة، يونا ياهڤ، بعينه، الّذي يتحدّث بلغة ويعمل بلغة أخرى"!
- دعني أفهم، بدايةً، سبب التذمّر والاستياء..
أبو دبّوس: "تعود القضيّة إلى أكثر من سنة تقريبًا، حين قرّرنا تأسيس فريق كرة قدم للفتيان (نعاريم) تابع لحيّ الحليصة - "سپورتاك حيفا" - حيث تحدّينا، حينها، جميع الصّعاب، لهدف جمع الفتيان في إطار رياضيّ تربويّ تثقيفيّ.. إلّا أنّه - ومنذ البداية - لم يتوافر لدينا ملعب لإجراء التدريبات والمباريات، رغم الوعود الدائمة للبلديّة بإيجاد حلّ لهذه المشكلة الرئيسة، وبتوفير ملعب مناسب"!
- وكيف استطعتم الاستمرار في الدوريّ من دون توافر ملعب؟
أبو دبّوس: "بشقّ الأنفس استطعنا الصمود والبقاء حتّى نهاية الدوريّ في الموسم الرياضيّ الأخير. لقد افتقرنا إلى ملعب، واضطُررنا إلى إجراء التدريبات والمباريات في ملاعب القرى المجاورة لمدينة حيفا".. يصمت هُنَيْهَةً فيتابع، متسائلًا مستاءً: "تخيّل كيف يُعقل أن يغادر فريق كرة قدم عربيّ حيفاويّ مدينته - على نفقته الخاصّة - لإجراء التدريبات والمباريات في قرًى عربيّة مجاورة، تعاني مشاكل اقتصاديّة وأزمات، توفّر لنا ما لم تستطع توفيره بلديّة حيفا لمواطنيها العرب"(!!).
- ألا تتلقّون دعمًا أو ميزانيّات من قسم الرياضة التابع لبلديّة حيفا؟
أبو دبّوس: "رغم أنّنا مسجّلون بشكل رسميّ في اتّحاد كرة القدم، ولعبنا ضمن إطار الدوريّ الإسرائيليّ، إلّا أنّنا لم نتلقَّ أيّ دعم من البلديّة ولم نحصل على أيّ ميزانيّات خاصّة.. لكنّنا استطعنا، بإمكانيّاتنا المتواضعة وبمساعدة أهل الخير والمتطوّعين، البقاء والصمود لمدّة سنة، لكنّ الصعوبات الّتي تواجهنا تتفاقم، والبلديّة وقسم الرياضة يغضّان الطرف، طالما الأمور تتعلّق بالعرب!".
- لماذا قرّرتم إيقاف نشاط فريق كرة القدم؟
أبو دبّوس: "لقد نوينا تشكيل فريق كرة قدم يحمل الاسم ذاته «سپورتاك حيفا» للشبيبة، بعد أن كنّا قد أسّسنا فريقًا للفتيان، إلّا أنّه ولسبب عدم توافر ملعب «يؤوينا» للتدريبات والمباريات، والمصاريف الطائلة الّتي نتكفّل بها على مدار السنة لهدف السفر إلى خارج حيفا لإيجاد ملعب مناسب، ولسبب الأوضاع الماديّة الصعبة، كان من المستحيل الاستمرار على هذه الحال، فقمنا بإيقاف نشاط فريق كرة القدم، على أمل إيجاد حلّ؛ رغم أنّني متشائم ولا أثق بوعود رئيس البلديّة الفارغة"!
- بماذا وعدك ياهڤ؟
أبو دبّوس: "في لقاءَاتنا مع رئيس البلديّة - والّذي يعرف المشكلة جيّدًا - وعدنا، مرّات عدّة، بإيجاد حلّ للمشكلة وبتوفير ملعب مناسب للتدريبات ولإجراء المباريات، إلّا أنّ وعوده بقيت مجرّد وعود. يتكلّم ويعد ولكنّه لا ينفّذ ما يعد به. هذه سياسة عنصريّة واضحة تنتهجها بلديّة حيفا ورئيسها بحقّ العرب في المدينة.. فلو كان صاحب الفريق "موشيه" أو "شلومو" لكان تعامل رئيس البلديّة مع الفريق مغايرًا تمامًا. نتلقّى وعودًا لا حلولًا، لا أكثر ولا أقل".
- هل حاولت إيجاد حلّ بعيدًا عن وعود البلدية "الفارغة"؟
أبو دبّوس: "أنا لست من أولئك الّذين يرشون أصحاب الملاعب بزجاجة كحول، أو بمبلغ ماليّ - كما يفعل البعض - لهدف الفوز بملعب لساعات معدودات؛ فأنا على علم بعمليّات رِشًى عديدة وصفقات تتمّ "من تحت الطاولة"، وأنا مسؤول عن كلامي هذا. لست أنا المسؤول عن إيجاد أو توفير ملعب ملائم؛ بل من واجب قسم الرياضة في البلديّة الّتي يجب أن تخدم العرب واليهود على حدّ السواء، توفير ملعب مناسب، فلا يمكن للبلديّة توفير الخدمات لليهود، فقط، دون باقي مواطني هذه المدينة!".
- إذًا، أنت توجّه إصبع الاتّهام إلى رئيس البلديّة، شخصيًّا؟
أبو دبّوس: "أكيد.. فلا يمكن أن يُترك الفتيان والشباب يتسكّعون في الشوارع، فنحن لم نأتِ بمشروع هادم بل بمشروع بنّاء يقي فتياننا وشبابنا من الانحراف. إلّا أنّنا في حيّ الحليصة المُهمل والفقير والمهمّش في مدينة «التعايش» والمساواة حيفا، نعيش واقعًا أليمًا موجعًا، وما يزيد هذا الواقع بؤسًا هو سياسة التمييز الصارخ من قبل البلديّة بحقّ سكّان حيفا العرب. أردنا تأسيس وتكوين فريق لكرة القدم يجمع أبناء الحيّ وأبناء من أحياء عربيّة أخرى، وقد نجحنا في ذلك فعلًا، واستطعنا تأسيس فريق ضمّ عددًا من الفتيان المسيحيّين والمسلمين في حيفا.. لا ننوي الحصول على حقّنا عن طريق الرِّشى، كما يفعل العديد!! تحدّينا جميع الصعوبات.. ولكن لا يمكننا الاستمرار بعد في مثل هذه الظروف الصعبة".
وأضاف: "إنّها معاملة عنصريّة واضحة.. فإنّ كلّ مَن يدّعي أنّ حيفا هي مدينة تعايش وأخوّة لا يرى الحقيقة ويكذب على نفسه.. هناك عنصريّة وتمييز فادح وفاضح في مدينة «التعايش الزائف»، عنصريّة من الدرجة الأولى. إنّ الفرق اليهوديّة تحظى بالدعم والميزانيّات والشروط اللّازمة، ولكن بما أنّ الحديث يدور عن حيّ عربيّ وفريق عربيّ فالموازين تختلف.. وفي الأخير، يحدّثك ياهڤ عن التعايش والتآخي والمساواة؛ وعلى أرض الواقع، يعمل بخلاف ذلك!!".
على البلديّة أن تخجل من تصرّفها!
ولدى سؤالي عن نادي "هچيبوريم" في الحيّ، أجاب أبو دبّوس: "إنّ نادي "هچيبوريم" غير مؤهّل وغير مُصان ولا يفي بالمطلوب، ولا بأدنى شروط الأمن والأمان. كلّ شهرين أو ثلاثة يتأذّى أحد الأولاد في النادي من جرّاء عدم الصيانة. لقد أبرقنا طلبات عدّة إلى البلديّة مطالبين بالتحسين، لكن لا أجوبة ولا حلول.. هذا هو الحال عندما يتعلّق الأمر بالأحياء العربيّة في المدينة؛ فلو كان الحديث عن حيّ يهوديّ في المدينة لاختلف الوضع. إنّ حيّ الحليصة مهمل وفقير ويعاني نواقص عدّة، وبدل إيجاد إطار رياضيّ تربويّ لفريق كرويّ، يُهمّش الأمر".
وعاد وأكّد أبو دبّوس أنّ أصحاب الملاعب مرتشون!! وأشار: إنّ لعبة كرة القدم تربويّة، فلِمَ علينا التعامل بشكل غير تربويّ وغير أخلاقيّ؟ وأضاف: "لماذا يجب أن نلعب ونتدرّب خارج مدينة حيفا في قرًى مجاورة نسافر إليها على نفقتنا الخاصّة.. فهل هذه هي التربية الّتي تصدّرها بلديّة حيفا للقرى المجاورة.. صورة عن التمييز والإهمال بحقّ عرب المدينة؟!! فهل هذه هي رسالة التربية الّتي ينتهجها ياهڤ؟! للأسف، يعملون في هذه المدينة على تشويه صورة العربيّ".
واختتم مصطفى أبو دبّوس حديثه، قائلًا: "أنا ناشط ومتطوّع حريص على أبناء الحيّ وباقي الأحياء العربيّة، أعمل على تغيير الأفكار المسبّقة عن حيّ الحليصة وسكّانه؛ فسكّان حيّ الحليصة ليسوا بمجرمين أو لصوص، كما يروّج لذلك البعض.. ولكنّ إهمال البلديّة وعدم تعاونها معنا سيؤدّيان بأبناء الحيّ - وخصوصًا أبناء الشبيبة منهم - إلى عدم إيجاد مأوًى أو إطار يجمعهم، فينحدرون إلى العنف. أنا مسؤول عن أقوالي، فالبلديّة مسؤولة، بل أكثر من ذلك، هي معنيّة بتشويه صورة العربيّ في مدينة «التعايش».. فتتركه يتسكّع في الشوارع من دون إيجاد إطار له.. أنا أتحدّث بحُرقة لأنّني أعيش ذلك، وكلّ مساعيّ لم تسعفني في إيجاد ملعب لفريق كرويّ رياضيّ عربيّ(!)؛ على البلديّة أن تخجل من تصرّفها هذا، فإنّه تصرّف يتّسم بالعنصريّة والتّمييز، فالتعايش زائف وكلام فارغ.. وليس كما يصوّره لنا ياهڤ".
من حقّنا الحصول على الحقوق كافّة، ومن واجب البلديّة العمل على توفير ذلك
وفي حديث لي مع رئيس لجنة الحيّ، كامل يوسُف (أبو كايد)، حول ما جاء أعلاه، قال: "نحن مستاؤون جدًّا من تصرّف البلديّة.. هناك ملاعب خاصّة لـ"بيتار حيفا" و"ناڤيه يوسيف"؛ لأنّها فرق يهوديّة. هناك تهميش وشبه استبعاد للعرب من غالبيّة النشاطات الرياضيّة والتربويّة، والتعامل معهم يأتي مغايرًا، دائمًا".
وأضاف: "لقد توجّهنا إلى بلديّة حيفا مرّات عدّة، وإلى مسؤول قسم الرياضة (مارك) لهدف إيجاد ملعب ملائم لتدريب الفريق وإجراء المباريات، إلّا أنّ ما تلقّيناه كان مجرّد وعود. وبعد إصرارنا وعدونا بتوفير ملعب يوم السبت، إلّا أنّنا بحاجة إلى يومين أو أكثر.. فلا يُعقل أن تتدرّب باقي الفرق اليهوديّة أكثر من يومين في الأسبوع، بينما فريق الحليصة يحظى بيوم واحد بالكاد، يلي مباراة يجريها خارج المدينة، لعدم توافر ملعب".
واستطرد أبو كايد، قائلًا: "الأمر لم يعُد يُحتمل.. يصعب تأمين السفر للفتيان والشبيبة لإجراء مباريات في القرى المجاورة، بدل إجرائها في ملاعب حيفا - فهذا حقّنا وواجب البلديّة تجاهنا!! لذا أوقفنا عمل الفريق؛ فلم يعُد الأمر يُطاق.. ما المشكلة في توفير ملعب للتدرّب يومين في الأسبوع، ولإجراء مباريات فيه؟! تخيّل أنّ هناك رجل أعمال من دبّورية تعهّد وتكفّل بتوفير ملعب لنا هناك، لكن لا يمكننا الاستمرار على هذه الحال؛ إذ إنّنا حتّى لا نملك ثمن السفر".
وبالنسبة إلى نادي "هچيبوريم"، قال: "يجمع النادي 130 ولدًا تحت إشراف مرشد واحد، لا يعمل بوظيفة كاملة، بينما هناك نوادٍ تحظى بأكثر من مرشدَين أو ثلاثة بوظائف كاملة، ولا تعمل كما يعمل نادي «هچيبوريم». هناك تمييز صارخ وتقصير وإهمال واضحان من قِبل البلديّة ورئيسها، ومن يدّعِ غير ذلك فليُرِنا الحقائق على أرض الواقع.. الكلام لا يجدي نفعًا، نريد التغيير والعمل الجادّ، من حقّنا الحصول على الحقوق كافّة، بمساواة تامّة مع مواطني المدينة اليهود، في شتّى المجالات، وبضمنها الرياضة، ومن واجب البلديّة العمل على توفير ذلك".
تعقيب بلديّة حيفا
هذا وقد توجّهت إلى بلديّة حيفا طالبًا تعقيبها على ما ورد في هذا التقرير، فجاء ردّها كالآتي، ونورده كما جاء: وفقًا لتوجّهك إليّ بالسّؤال حول دعم مجموعة سپارتك [سپورتاك] - حيفا في حيّ الحليصة، وبعد أن طرحت أمامي بعض المزاعم الاستفزازيّة الّتي تمسّ عمل البلديّة ومن يرأسها، إلى حدّ الافتراء والتشهير، كما أنّني أشير إلى أنّ المستخدمين العرب والسّكّان العرب في هذه المدينة يحظون بمعاملة متساوية من قبل رئيس بلديّة حيفا، والّتي تعتبر رمزًا للتّعايش.
وهنا أقول بأنّ مجموعة سپارتك [سپورتاك] - حيفا، الّتي تشمل أبناء شبيبة من حيّ الحليصة، هي جمعيّة خاصّة كبقيّة الجمعيّات الأخرى في المدينة. يحصل مدرّبها من قِبل بلديّة حيفا على راتب شهريّ كمرشد في نادي "هچيبوريم". وتحصل المجموعة من قِبل لجنة دعم الرياضة البلديّة على دعم بمقدار 7000 شيكل [شاقل].
في توجّه لمارك كيچنر، مدير المرافق، تبيّن أنّ المجموعة مُدرجة لوَحدة تدريبيّة واحدة؛ وسيتمّ إدراجها للألعاب وفقًا لأولويّات شِركة "إيتوس"، حيث قيل لهم هذا الأمر، مسبّقًا!
تكاليف المجموعة، مثل: تأجير الملاعب، السفريّات، الملابس، هي من ميزانيّة الجمعيّة، فقط.
وفيما يتعلّق بملعب نادي "هچيبوريم" فإنّ المكان قيد الترقية [التّطوير]؛ [حيث] سيتمّ تثبيت مرافق (أهداف وسلال) [في] الملعب. كما سيتمّ، قريبًا، تثبيت [مدّ] أرضيّة خاصّة (تنجيد أرضيّة الملعب) مجدّدًا."
[email protected]
أضف تعليق