سؤال:
أنا فتاة بجيل الرابعة عشرة. عائلتي مؤلفة من أخوين أكبر مني وأختين أصغر مني.
كل أفراد عائلة أمي اعتادوا الالتزام بواجب الصيام. منذ صغري وأنا أحب أن أشارك أمي بتحضير أنواع طعام الإفطار بفرح ومتعة. المشكلة هي بعائلة بيت جدي لأبي. جميعهم غير ملتزمين بالصوم وأبي ينسى هناك صومه والتزامه.
هو يتظاهر ويتباهى بقدرته على التزامه بالصوم مع أصحابه والجيران. لماذا التظاهر بالصوم؟ وهل من تأثير ذلك على أخواتي الصغيرات؟
الجواب:
أتمنى للجميع أيام أعياد مليئة بالتصالح والمحبة والتسامح. الالتزام بالصوم في مرحلة ما قبل الرشد يأتي بدافع تربوي ربما من تأثير الأم، الأب، الأهل، المربي، الأصحاب في المدرسة أو في الحارة أو.... حين يبلغ الطفل سن الرشد تصبح اختياراته ذاتية ناضجة ومتعلقة بإرادة فردية وضبط ذاتي وخاص.
هل تجربتك هي حالة شاذة؟
بالطبع لا. تجربة مع عائلتك هي ليست بالتجربة الخاصة والشاذة. تلك هي الحقيقة في معظم المجتمعات التي تتحكم بها المظاهر والتي تدين المغاير. في تلك المجتمعات البعض منها ملتزم ويهتم بفروضه ويؤمن بالتقيد بها وذلك لإيمانه الخاص بينه وبين خالقه. هناك البعض الآخر الذي يعيش حالة فردية تجعله مرتاحا وراضيا بما اختاره له من أسلوب حياة حر وغير مقيد بعادات أو بفروض دينية. بين تلك المجموعتين يوجد أناس ضعفاء الإيمان يسيطر عليهم رأي الآخر الاجتماعي. هم على استعداد لأن يزيفوا ويكذبوا خوفا من اتهامهم بصفات سلبية تخرجهم من المجموعة الاجتماعية التي يعيشون فيها.
هذا تأكيد لنا بأننا نعيش ببيئة ليست بدفيئة. البيئة الطبيعية هي التي تتميز بالتنوع. أن يعيش الطفل تجارب مجتمع ليس بلون واحد وحالة طبيعية غير مصطنعة أو مزيفة. يكتسب خبراته من تجاربه اليومية وذلك بعيشه بمحيطه الاجتماعي الطبيعي والحر. الأبوان هما نموذجه العاطفي. هو يقلدهما بكثير من تصرفات، عادات ومفردات لغوية وغيرها. حين يلاحظ عدم التزام أحد أبويه بالصوم مثلا سوف يتساءل ويستفسر. بعد أن يستفسر سوف يعلم بأن التنوع هو طبيعي ويدل على حرية الاختيار بين أفراد العائلة الواحدة.
هل سن النضوج له أهمية بحرية الاختيار الذاتي؟
بالطبع نعم. أثناء تطور شخصيته سوف ينضج رقيبه الداخلي وسوف يستنتج في فترات لاحقة بأن الصوم هو اختيار ديني فردي يقرره بينه وبين وخالقة. القرار يعتمد على مسؤوليته بمنع غرائزه عن الشهوات بأنواعها وليس فقط بالامتناع عن تناول المأكولات وأنواع الشراب بساعات محددة خلال النهار. هو سوف يعي بأن قراره المؤمن والحقيقي ملتزم بتمسكه بقيم أخلاقية وإنسانية من أهمها أيضا احترام اختيارات كل فرد. سوف يعي بأن الصوم هو بالتدريب على ضبط النفس والتعفف عن اطلاق الأحكام جزافا. هو سوف يؤمن وبقناعة تامة بأنه لا إكراه بالصوم ونعم لاحترام حرية اختيار الآخر.
لماذا يخاف بعضنا من الكشف عن ذاته الحقيقية؟
كلنا نعرف بأن الصوم هو ليس للناس بل هو فرض وواجب ديني بين الخالق ومخلوقه. الصوم هو تجربة ذاتية تحتاج لكثيرمن قوة إرادة لكي تجعل الصائم يعتاد على تأجيل رغباته وشهيته. فالتجارب الصعبة التي يمر بها الصائم تجعله أكثر انضباطا وقوة إرادة وثقة. فالذي يحاول التظاهر بالصوم هو الذي يخاف من اصطفافات مجتمعه ضده حين يكشف لهم عن الحقيقة التي يعيشها. تلك الاصطفافات تقيد الحرية الفردية وتركز على معاداة المغاير. تلك مواقف تتناقض مع أهداف واجب الصوم. الاصطفاف ضد الذي لا يعيش حياة الصوم يناقض مبدأ الصوم ويعكر صفو نفس الصائم المؤمن حقا. معاداته تجعل صومه باطلا. الاصطفاف والمعادة صفات لا يحملها المؤمن بقلبه.
هل من المفيد التحدث عن التجربة وماذا عن فائدة الأسئلة الفرضية؟
أكيد نعم. ولكن بلا اتخاذ أي موقف واعظ أو لائم. الهدف من التحدث مع الطفل هو لتطوير احترامه الذاتي أولا ولتقبل حرية اختيار الآخر ثانيا. التطرق إلى وصف مشاعر الضعف وقوة الضغط عند وقوعه بتجربة صعبة، مثل: أن يتناول الأخرون طعامهم أمامه بفترة صومه. يمكن طرح بعض أسئلة فرضية تعمل على توضيح مشاعره بذلك الظرف الخاص، مثل: "ماذا شعرت حين رأيتهم يتناولون الطعام وأنت بحالة ضعف شديد بسبب جوعك؟ ماذا كنت ترغب أن تفعل حينها/ هل تتفهم الذي غلبته شهيته؟ هل كنت تشعر بارتياح أكثر لو أبديت له رأيك؟ أم هل كنت تفضل الابتعاد؟ ماذا كنت ستشعر لو سمعت صديقك يدّعي الصوم وأنت تعلم بأنه ليس كذلك؟ هل السكوت يريحك أكثر؟ أم حين تواجهه؟ هل كنت ستترك له حرية اختياره؟ هل بمقدورك فرض عادة/ لباس/ ... على غيرك؟ هل تحب أن يفرض أحد عليك عادة؟ ...".
الأسئلة الفرضية تساعد الشخص على فهم حالته وقدراته بوضوح. أسلوب كهذا يعمل على تطوير وعي الفرد العاطفي الذاتي وأيضا وعيه العاطفي نحو الآخر. خلق حوار بعد كل تجربة شعورية تجعل الفرد يتفهم ذاته ويدرك أنواع اختيارات الآخر.
من المهم أن يشعر الفرد بثقة وبتقدير ذاتي بالنسبة لأي اختيار لاحق سيتخذه وفي الوقت ذاته سيحترم حرية اختيار الآخر. هكذا يقل عدد الذين يقعوا في ظرف الادعاء أو الكذب.
وأخيرا أرجو للجميع أن يعيش أعيادا دائمة يعمها الشعور بالتصالح مع الذات والتسامح مع الآخر.
إنضموا الى صفحتي على الفيسبوك "الهام دويري تابري"
عنوان موقعي الاكتروني: www.darelham.com
عنوان بريدي الإلكتروني: [email protected]
لتعيين موعد زيارة للاستشارة التربوية الفردية، الاتصال على رقم هاتف: 6014425-04
[email protected]
أضف تعليق