قامت يوم أمس، الإثنين، الجبهة الطلابية في جامعة تل أبيب بمشاركة كل من جمعية ذاكرات، حركة ترابط وخيمة 48 بإحياء ذكرى النكبة بمراسم أخذت طابعًا رسميًا والتي أقيمت في ساحة أنطين، المدخل الرئيسي للجامعة. حيث شارك في الحدث المئات من الطلاب والمحاضرين، عربًا ويهودًا، وأعضاء الكنيست محمد بركة وحنا سويد من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والفنان محمد بكري، وكان موقع بكرا قد تابع المواجهات التي اندلعت بين اليمين الفاشي الذي تهجّم على معرض الصور وحاول تمزيف يافطة عن النكبة الأمر الذي أدى لاندلاع مواجهات واعتقال ثلاثة اشخاص.

إحياء ذكرى النكبة بمراسم ذات طابع رسمي

وأقيمت المراسم التي أخذت طابعًا رسميًا بهدف إحياء ذكرى النكبة بشكل يليق بالحدث وأهميته في تاريخ المنطقة. وفي حديثنا مع الطالب صافي قعدان –ناشط في الجبهة الطلابية- قال: "في إحيائنا لذكرى النكبة بهذا الشكل أردنا تحقيق عدة غايات، منها إستقطاب عدد أكبر من الطلاب اليهود وطرح الوقائع التاريخية للنكبة، كون هذه المراسيم تتشابه مع المراسيم اليهودية في الشكل. والأهم هو ضرورة الإعتراف بالنكبة ومكانتها التاريخية"

اليمين الفاشي يستعروا غيظًا امام المراسيم

بالمقابل، إحتشد العشرات من عناصر اليمين المتطرف، حركة "إم ترتسو" الصهيونية وبمشاركة أعضاء الكنيست أرييه إلداد، باروخ مارزل وميخائيل بن أري.

وقد عمل اليمين على عرقلة وصول الطلاب العرب، من خلال الوقوف وسد الطرق المؤدية لموقع الحدث. كما ووجهوا الشتائم البذيئة للمشاركين، العرب واليهود، داعين إياهم بالرحيل، ناعتين اليهود الداعمين للقضية الفلسطينية ب"الخونة" كما قاموا بالتهجم على ساعر صقلي -عريف الحفل- وعنات مطر -محاضرة بالجامعة- بشكل شخصي.

كما وقاموا برفع الأعلام الإسرائيلية، إعتماد مكبرات الصوت وصفارات صوت وهتفوا بشعارات عنصريّة، فاشيّة وبذيئة وذلك بهدف التشويش على الكلمات الملقاة في الحدث. وقد قام أحدهم بالوصول الى منصة الحدث وتمزيق الخلفية مما أدى إلى إعتقاله إثر تعديه على الطالب رامي حيدر، سكرتير التجمع الطلابي في جامعة تل أبيب، الذي أعتقل هو الأخر من قبل الشرطة.

وفي حديث لنا مع جبر بصل-ناشط في الجبهة الطلابية- قال " نحن نعرف رامي كإنسان مسؤول ومن غير الوارد أنه قام بأي إعتداء، سنعمل بكل طاقاتنا لفك إعتقاله في الساعات القليلة القادمة". وفي صبيحة اليوم، تم الإفراج عنه.

ساعر ساكلي ورلى خلايلة في عرافة المراسيم

تولى عرافة المراسيم، الناشطان ساعر ساكلي ورلى خلايلة. وقد جاء في كلمة الإفتتاح التي قدمها ساعر ساكلي: "نجتمع هنا اليوم، يهودا وعربا، لنذكر مأساة الشعب الفلسطيني، النكبة الفلسطينية، القتلى والمهجرين من قراهم، الذين لم يسمح لهم بالعودة وأضحوا لاجئين داخل وطنهم، في مخيمات اللاجئين والشتات"

وقال أيضًا: "في الذكرى الـ 64 للنكبة، نستذكر 531 قرية دمرت، بعض أهلها هجّر، بعضهم قتل بدم بارد والبعض الآخر لجأ تحت تهديد القتل ولم يسمح لهم بالعودة. 95% من سكان المدن، وأكثر من 750 ألفا من كافة أنحاء البلاد تحولوا إلى لاجئين يملؤون المخيمات، ونحن نرفض أن ننساهم. بقيت دور السينما يتمية، المطابع العربية خرّبت، قاعات المسرح والنوادي أفرغت، الحكواتيون أسكتوا، الحراك السياسي والثقافي دمّر، والعربية تحولت إلى غريبة في وطنها."

وجاء أيضًا: "هذه هي الكارثة التي مُنعنا من الإعتراف بها وإحيائها، والتي لم نجابه حتى اليوم تداعياتها المستمرة، وقد فرض بعدها الحكم العسكري، وصودرت الأراضي، واستمر التمييز والاضطهاد القومي والسياسي، وساد نظام المتساويين واللا متساويين، المواطنين والمواطنين من الدرجة الثانية."

وإختتم ساعر الكلمة الإفتتاحية بقوله: "نتحمل، كبشر، واجب الاستذكار وعدم النسيان. قد تختلف قصصنا، ولكن حياتنا وحريتنا أمر مقدس."

وبدورها قامت رلى خلايلة بالحديث عن فشل الممارسات الاستيطانية في إرضاخ الذاكرة الجماعية وقامت بتعداد عدد من القرى والمدن الفلسطينية المهجرة. كما وألقت قصيدة ""أبد الصّبّار" للشاعر الفلسطيني محمود درويش، من ديوانه "لماذا تركت الحصان وحيدًا".

وتلى ذلك كلمة إيتان برونشتاين، مندوب جمعية ذاكرات، ليتحدث عن وقائع تهجير قرية الشيخ مونّس والتي تقوم على أنقاضها جامعة تل أبيب. من ثم صعد عدد من أبناء المهجرين واللاجئين الفلسطينيين، ليسردوا عملية تهجير عائلاتهم، وهم جبر بصل التي هجرت عائلته من الدامون والبروة وعادت متسللة لتقيم اليوم في الجديدة-المكر، رسول سعدة الذي هجرت عائلته من ميعار وتقيم اليوم في شفاعمرو، رنا رسلان التي هجرت عائلة والدتها من المجيدل، رلى خلايلة التي هجرت عائلتها من مجد لكروم ثم عادت اليها، جهاد كيال الذي هجرت عائلته من البروة وعادت لتقطن اليوم في الجديدة-المكر.

محمد بركة : نعتز بهم

وعبر النائب بركة في ختام المراسيم عن اعتزازه بهذه المبادرة وقال أنا فخور بطلابنا وطالباتنا عربا ويهودا الذين لم ينثنوا أمام التهديدات وأصروا على الدفاع عن كرامتهم الإنسانية وعن الرواية الفلسطينية للنكبة.

وأضاف بركة اعتز أيضا بالمحاضرين الذين توافدوا بالعشرات على هذا النشاط الكبير واحيي المبادرين لهذا النشاط وفي نفس الوقت احيي الطلاب من التيارات الأخرى الذين انضموا إلى طلابنا لمواجهة حمى الفاشية. وقال بركة أن هذا الحضور لم يشكل فقط ثقلا رادعا لليمين الفاشي فحسب وإنما جاء لإنقاذ الإنسان في كل واحد منهم بالتماثل مع الجرح الفلسطيني النازف منذ 64 عاما.

وختم بركة قائلا إن النكبة اليوم كانت حاضرة في قرية الشيخ مونس، التي اقيمت على أنقاضها جامعة تل أبيب.

الأمن يفرض شروطًا صارمة على الجبهة الطلابية

لقد قام أمن الجامعة بالتضييق على الجبهة الطلابية وباقي الأجسام المنظمة، بتحميلهم مسبقا المسؤولية بالشكل الكامل إذا ما حدث إعتداء من أي جهة كانت. كما وأنه فرض نقل مكان المراسيم إلى خارج الحرم الجامعي (ساحة أنطين والتي تتبع لسلطة الجامعة)، بعد ما أن صادقت إدارة الجامعة على إقامة الحدث في ساحة كليّة العلوم الإجتماعية. إضافة إلى ذلك، فرض الأمن شروطًا صارمة لسير المراسيم مانعًا الهتافات، توزيع مواد ونشرات مطبوعة، وإستعمال مكبرّات الصوت، مشترطًا على الجبهة دفع تكاليف الأمن الإضافية بحجة "قانون النكبة".

ولم يسمح للجبهة بتقديم أي إستئناف لقرارات الأمن، فقام الناشطون بتقديم إعتراضهم لرئيس الجامعة، الذي أبلغهم بعدم قدرته على التدخل بقرارات الأمن في الجامعة.

وفي حديثنا مع ربى سالم -ناشطة في الجبهة الطلابية- قالت: "لقد وضعت وحدة الأمن في الجامعة أمامنا الكثير من الحواجز بهدف إفشال الفعالية لكن إصرارنا في السير بهذا النشاط كان كافي لكسر هذه الحواجز، ومما يستحق الذكر هو الدعم الذي تلقيناه من المحاضريين اليساريين حيث قاموا بتغطية جزء من التكاليف"

تجربة أولى لها ما بعدها

سكرتير الجبهة الطلابية في جامعة تل أبيب، باسل إغبارية، قال: "لقد خضنا اليوم تجربة تاريخية هي الأولى من نوعها وإننا أمام هذا النجاح منقطع النظير وهذا الحشد الكبير من الحضور، رغم محاولات الترهيب والإعتداءات، نتعهد بمواصلة هذه التجربة وتطويرها، وسنحافظ على ميزتها الوحدوية العربية-اليهودية، من أجل حفظ رواية النكبة الحقيقية ونشرها داخل المجتمع الإسرائيلي ومن على جميع المنصات".

أما دان فلفيتش -مندوب الجبهة الطلابية في نقابة الطلاب- قال: "نحن نسعى لحياة عربية-يهودية مشتركة قائمة على الإحترام والإعتراف المتبادل بتاريخ الشعبين. من يظن أن هذا الحدث قام به طلاب عرب وإنضم إليه بعض اليساريون اليهود فهو مخطئ، هذا الحدث قام به طلاب يساريين عرب ويهود بهدف إحداث تغيير لدى الطلاب في مفاهيمهم حول المسألة، الصراع التاريخي والحل."

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]