تشير معطيات سلطة مكافحة المخدرات الى تقديرات بوجود أكثر من 30 ألف مواطن اسرائيلي مدمن على المخدرات. المعطيات المتوفرة تشير الى نسبة متعاطين للمخدرات أكبر في المجتمع العربي منها في المجتمع اليهودي، فبحسب بحث أجرته السلطة عام 2003، والذي يتم مرة كل بضع سنين، في صفوف الجيل الشاب، وطلاب المدارس من سن 12 – 18 عاما، تشير الى أن حوالي 10% من الشباب اليهود بهذه الحقبة العمرية تعاطوا المخدرات الخفيفة كالحشيش والماريخوانا وما شابه، بينما حوالي 12% من الشباب العرب بهذه الشريحة استخدموا هذه المخدرات. بما يخص المخدرات الأكثر خطورة كالاكستازي، التريب، الهيروئين والكوكائين، تشير المعطيات الى أن حوالي 9% من الشباب العرب تعاطوها، ما يشكّل ضعفي نسبة متعاطي هذه المخدرات في صفوف الشباب اليهود (4,5%). أما بما يخص الكحول، فالنسبة تفوق نصف الشباب اليهود، ما يضع دولة اسرائيل في المرتبة الثانية عالميا بعد أوكرانيا، من حيث احتساء الشباب الاسرائيليين للمشروبات الكحولية. أما في صفوف الشباب العرب فقد أشار 30% منهم أنهم احتسوا الكحول، ويؤكد في هذا الصدد د. وليد حداد – مدير القسم العربي في سلطة مكافحة المخدرات أن "الانحراف في المجتمع العربي يبدأ من احتساء الكحول.. مجتمعنا مجتمع محافظ جدا، وهذا ما يفسر التفاوت في النسب، ففي المجتمع الاسلامي الكحول محرّم، مما يدفع الشباب العرب لتعاطي المخدرات في بعض الأحيان بدلا من الكحول"!!!
ثلث المدمنين في البلاد من العرب!
ويشير د. حداد الى أن قرابة ثلث المدمنين في البلاد من العرب، بينما تزيد نسبتهم وراء القضبان وداخل أروقة السجون في صفوف السجناء الجنائيين في البلاد الذين يصل نسبة العرب منهم الى حوالي 45%.
أما حول أساليب العلاج للفطام من الكحول والمخدرات فيقول د. حداد أن دولة اسرائيل تعتبر دولة رفاه اجتماعي، وبالتالي فالدولة توّفر العلاج الكامل للمدمنين دون مقابل عن طريق مكاتب الشؤون الاجتماعية.
في المجتمع العربي يعمل مركزان للفطام، القرية العلاجية نجوى في الطيبة ومركز الشفاء في طمرة، إضافة الى مراكز خاصة علاجية أخرى، ومراكز علاجية في البلدات اليهودية التي يفضّل بعض المدمنون العرب ارتيادها تفاديا لما أسماه بـ"الفضيحة"!
ارتفاع الوعي للمشكلة والحلول المطروحة...
ويؤكد د. حداد أن المشكلة في المجتمع العربي وانعدام التوعية الكافية لوباء استخدام المخدرات، هو أنه "في مجتمعنا يجب أن تتفاقم المشكلة حتى نتجه لايجاد الحل. اليوم نعمل كثيرا على الوقاية والمنع والتثقيف. ندخل محاضرات وبرامج توعية وتثقيف في المدارس والمراكز الجماهيرية والبلدات العربية. حتى على مستوى متخذي القرار هناك وعي لمشكلة المجتمع العربي والمخدرات وأنه اذا لم يتم علاج مشكلة المخدرات في الطيبة أو الطيرة أو أي بلدة أخرى هي مشكلة دولة بأكملها".
ويضيف أنه يتم تفعيل برامج تأهيل لكوادر مهنية من العرب للتعامل مع مواضيع الادمان في الأكاديميا للسنة الثانية على التوالي، مشيرا الى أن "كل نظريات علم النفس التي تتعامل مع الادمان مبنية على اسس غربية، والتي قد لا تناسب المجتمعات العربية الشرقية المحافظة"!
مجموعات المدمنين المجهولين
ولكن يبدو أن هذه الحلول غير كافية، فحتى بعد الفطام من الادمان هناك حاجة للمداومة في البقاء "نظيفا"، فيشير العامل الاجتماعي موطي شرعابي من حيفا الى أنه "قبل حوالي 100 عام في الولايات المتحدة أقيمت مجموعات الـAA المدمنين على الكحول مجهولي الهوية (alcoholic anonymous) وهي مجموعات دعم يلتقي فيها المدمنون ويتحدثون ويشجع أحدهم الآخر على المواصلة في الابتعاد عن إدمانهم.. وهذه المجموعات ذات أساليب مثبتة وهناك دراسات وكتب تتم بحسبها.هذه المجموعات نجحت كثيرا، فالقوة في مجموعة الدعم هي القدرة على تشجيع الآخرين على البقاء "نظيفين"! بعد نجاح مجموعات دعم المدمنين على الكحول، قرر مدمنون آخرون تجربة الفكرة، فمثلا أقام المدمنون على السموم مجموعة كهذه، وأطلقوا على أنفسهم اسم NA – narcotics anonymous".
من جهته يؤكد عبد، البالغ من العمر 56 عاما من حيفا، والذي أدمن على المخدرات الخطيرة طوال أكثر من 35 عاما، أن "هذه المجموعة تعطيني قوة أن أبقى نظيفا من يوم لآخر"...
ويضيف عبد في حديثه عن المجموعة الأولى من نوعها في المجتمع العربي والتي تلتقي في حيفا: "كمجموعة، بدأنا كل واحد نعد يوم بيوم وصرنا نعد السنوات، وانا نظيف منذ اثنين وعشرون يوما، سبعة أشهر، وأحد عشرة سنة. أنا أحمد ربنا على أن الله بعث لنا بهذه المجموعة. وبصدق أقولها، ففي الوسط العربي لا توجد هذه المجموعات، في اسرائيل هناك 130 فرقة تجتمع يوميا تلتلقي لساعة ونصف لتتحدث وتتبادل الخبرات ويشجع أحدنا الآخر على البقاء "نظيفا". نحن كحلقات متعالقة ببعضها البعض، اذا انكسرت احداها انقطعت السلسلة، بينما الحلقات تساهم في قوة السلسلة كلها، وعلينا أن نكون أقوياء وأن ندعم احدنا الآخر. أحدنا يدعم الآخر عبر الكلام الحسن، التشجيع، وتبادل الخبرات".
لماذا لا توجد مجموعات كهذه في المجتمع العربي؟؟
ويشير عبد الى وجود علاج للإدمان وتوعية في البلاد "ولكن للأسف الشديد لا توجد توعية كافية في المجتمع العربي أجمع. هناك مجموعات في تل أبيب، بات يام، أشكلون، أشدود، نتانيا، ايلات، بئر السبع، عكا، طبريا، بيسان، معلوت، العفولة وغير ذلك، ولكن للأسف لا يوجد في البلدات العربية مجموعات كهذه. أتسائل لماذا لا توجد توعية لهذا الموضوع؟ لماذا لا توجد مجموعات كهذه"؟
وأضاف: "أنا كمدمن سابق يجب أن أكون قدوة للغير، فمدمن سابق آخر، اذا رآني يقول أنه اذا عبد نجح بذلك، فأنا ايضا يمكنني.. نحن نتضامن مع بعضنا البعض، نقوم بتوعية ومساعدة أحدنا الآخر"..
مجموعات مدمنين مجهولين في العديد من الدول العربية!
وتابع عبد حديثه: "هذه المجموعات متواجدة اليوم في كل أنحاء العالم، حتى في ايران هناك 5000 شخص منضمون لهذه المجموعات، في السعودية، الكويت، قطر، الامارات، البحرين، مصر، الأردن، لبنان وفي كل مكان. وحتى أننا نملك كتبا باللغة العربية بهذا المجال، وقد وصلني كتاب من مصر، عن الـ12 خطوة، التي تساعد الشخص وتمنحه التوعية والفكر السليم بينه وبين نفسه والسلام الداخلي الذي هو بحاجة له... لا يكفي المدمن ان يفطم من إدمانه، بل هو بحاجة لمجموعات دعم كهذه كي لا يعود الى سابق عهده والادمان من جديد.. أنا لا يمكنني أن ابقى "نظيفا" لوحدي، أنا بحاجة لمجموعات الدعم الهامة هذه"!!
ويواصل: "نحن نبقى على اتصال مع بعض بشكل دائم، فنتصل ببعضنا البعض، ونسأل عن بعضنا البعض، واذا تخلف أحدنا ولم يصل للاجتماع نتصل وبه نسأل عن سبب عدم حضوره للقاءنا. هذه قوة المجموعة. هذه عائلة بالنسبة لي، هذه عائلتي الثانية! هذه اللقاءات هي محل مقدس بالنسبة لنا"...
ويؤكد أنه قد يصادف مدمن سابق في هذه المجموعات مدمنين سابقين آخرين قد يكون استعمل السموم معهم في السجن أو في الشارع.. مشيرا الى أن هذه الحادثة وقعت معه بنفسه...
في الادمان لا يوجد عنصرية! هذه المجموعات مثل السحر...
ويتابع عبد في حديثه عن هذه المجموعات: "الجيد في هذه المجموعات أنه لا يوجد عنصرية، لا يوجد تفرقة بين العرب واليهود، هذه المجموعات فيها محبة وإخلاص فقط... فلكل عضو في هذه المجموعات "سبونسر" أو مؤتمن، والذي أتوجه له في حال لديه مشكلة، وأنا بحالي مؤتمن لأعضاء آخرين في المجموعة، والذين يتوجهون لي في حال واجهوا مشكلة ما، وقد يكون لدي الحل، وفي غالب الأحيان كذلك الأمر، وعندما نتشارك في المشاكل تجد أنه في العديد من المرات قد يكون آخرون واجهوا نفس المعضلة وتغلبوا عليها فتكتسب من خبراتهم.. هذه المجموعات مثل السحر، لديها قوة غريبة جدا"...
عبد عاد عبد، تعلمت الحب من جديد
ويقول عبد: "اليوم انا جد لـ18 حفيدا، 9 منهم وُلدوا وأنا نظيف، المحبة التي لم أعطها لأولادي أعطيها اليوم لأحفادي. عن طريق هذه المجموعات تعلمت الحب، تعلمت أن أحب الانسان كما هو، أن اتقبل الانسان كما هو. اليوم أنظر للانسان كإنسان... لا يهمني كيف يعيش الانسان حياته في الخارج، ما يهمني هو أن نكون مثل بعضنا البعض في المجموعة، الاحترام المتبادل أهم شيء... اليوم عبد ليس كعبد الذي كان قبل 15 عاما، ليس نفس الشخص، اليوم شخص مختلف، أحب نفسي وأحب الغير، أنا شخص مختلف تماما، شخص أفضل، وكل ذلك عن طريق هذه المجموعات"...
ويواصل حديثه قائلا: "كل أسبوع يدعونني لتقديم محاضرات حول الموضوع في السجون حتى، لتشجيع المدمنين على الانفطام من ادمانهم والانضمام لهذه المجموعات التي أسسنا مثلها في داخل السجون الاسرائيلية جميعها"..
رجال الدين لم يمنحوني الدواء مثلما منحتني اياه هذه المجموعات
ويقول عبد ان هذه المجموعات هي الدواء الأفضل للفطام من المخدرات، فيحدثنا قائلا: "لم يعطني أي شيخ أو كاهن أو حاخام أو طبيب أو بروفيسور في العالم العلاج أو الدواء كما أعطتني اياه هذه المجموعة. فقد اختبرت جميع الطرق، ولم يساعدني الأمر، وفقط هذه المجموعة ساعدتني. وكأنني وُلدت من جديد في هذه المجموعة... أنا لم أكن أحب نفسي، وعن طريق هذه المجموعات تعلمت أن أحب نفسي، أن أحب عبد"!
ويتابع: "كمدمن كنت ميّتا في الحياة.. استعملت السموم طوال 35 عاما، من جميع انواع السموم... ووصلت في بعض الأحيان لوضع في الحضيض، انا كنت تحت "مياه الزبالة"، لم أكن أشعر حينها، اليوم عدت اشعر، عدت أحس، عدت الى وعيي، عاد العبد الى العبد!! عاد عبد لأهل بيته شخصا جديدا، فحتى معاملتي لأهلي في المنزل تغيّرت، فقد تغلبت زوجتي معي وصبرت طوال أكثر من ثلاثين عاما، عانت الأمريّن، ولكن الحمدلله، وبعد أن انضممت لهذه المجموعة انا بنفسي ارتحت، زوجتي ارتاحت، أولادي ارتاحوا، وحتى الجيران، والمجتمع الذي أعيش به ارتاحوا وفرحوا بهذا التغيير... فعبد بات اليوم انسانا، شخصا بالامكان الحديث معه والتفاهم معه"...
البلديات العربية لا تحب مجتمعاتها بما فيه الكفاية!!!
ويقول عبد حول رفض البلديات العربية لاستقبالهم كمجموعة مدمنين سابقين يحاولون الحفاظ على اسلوب حياة نظيف من المخدرات: "البلديات العربية يبدو انها لا تحب مجتمعاتها بما يكفي، كأنها تخاف من التوعية، ولا أعرف ما تخشاه.. هل أحسن أن يواصل سكانها استعمال المخدرات؟؟ اذا كان اليوم في القرية خمسة مدمنين فقط، بعد شهر قد يصل عددهم الى 12، وبعد ثلاثة أشهر قد يصلون الى الـ30! ولكن عندما توجد لديك توعية فهذا الأمر يساعد بتقليص عددهم، ومنع أن ينتمي الشاب الى المجموعات السلبية هذه... فالانسان وكأنه على مفترق طرق، إما أن يذهب يسرة أو يمنة، في اليسار جهنم واليمين الجنة، لماذا لا أتجه الى اليمين"؟؟؟
المجتمع العربي يفتقد للتوعية..
ويواصل حديثه متطرقا للتوعية في المجتمع العربي بشكل عام لقضايا الادمان ومحاربة الادمان: "للأسف الشديد الوسط العربي يفتقد للتوعية... أنا وموطي توجهنا للناس وتحدثنا مع رؤساء بلديات ومسؤولين وحصلنا على وعودات كثيرة.. أنا قلت لهم، نحن لا نطلب المال، أنا آتي من حيفا تطوعا ولا أطلب التعويضات مقابل نفقة السفر، كل ما طلبناه هو غرفة وعشرين كرسيا لساعة ونصف فقط، لنلتقي وندعم أحدنا الآخر، كما يقال لتعبأة البطارية لليوم التالي.. هذه المجموعات هي حسنة وتعطيك امكانية أن تختار الخيار الصواب، ولكن للأسف الشديد في كل الوسط العربي لا يوجد وعي كافي لهذه القضية ولا دعم كافي للمدمنين السابقين"...
كنت أسرق طعام أولادي..
ويتابع حديثه عن تجربته الشخصية قائلا: "عندما كنت مدمنا، سرقت أموال والدتي، سرقت أموال أولادي، سرقت زوجتي، وعندما كنت أملك المال والثلاجة فارغة، لم أكن أهتم بملأ الثلاجة بالمواد الغذائية لإطعام أولادي، بل أهتم بأن "أعبي راسي"!! لم يكن يهمني الأمر، كانت الثلاجة فارغة، ولكن عندما أعود الى المنزل أطلب الطعام.. فكيف سيكون الأكل عندما تكون قد سرقت الأموال؟ وهذه الأمور حدثت معي، ومع غالبية المدمنين، أنهم سرقوا أموال طعام الاولاد"
ويواصل: "مجموعاتنا مثل الصلاة... مثلا لديك آذان الفجر وآّذان الظهر، نحن صلاتنا الساعة الثامنة مساءً!! ففي الثامنة مساء، تلتقي هذه المجموعات في كل أنحاء اسرائيل"...
تعقيب بلدية سخنين وبلدية شفاعمرو
من جهته قال فتحي أبو يونس – مدير قسم الرفاه الاجتماعي في بلدية سخنين تعقيبا على ما جاء أعلاه الى أنه بالفعل توّجهت اليه مجموعة المدمنين المجهولين من حيفا عارضة عليه تبني المشروع وفتح مجموعة في سخنين نفسها، ولكن الأمر لا زال قيد الدراسة، مشيرا الى أنهم يبحثون عن مكان لائق لاستضافة مجموعة كهذه في البلدة، وفور اتخاذ القرار سيكون على اتصال بهم. بينما لم ينجح مراسلنا في الحصول على تعقيب بلدية شفاعمرو.
[email protected]
أضف تعليق