يمكن القول أن الأمطار الغزيرة التي تكرّمت بها الطبيعة على بلادنا قد تغلغلت إلى أعماق أنقاض وأطلال قرية لوبية الفلسطينية المهجرة، فارتوت روايتها التاريخية المأساوية المنكوبة بمياه أنبتت من جديد ذاكرة الرحيل وأمل العودة.
بين الاطلال وفوق الأنقاض انزرع حرش كلفته الأيادي السوداء بطمس الذاكرة والتاريخ، لكن هيهات. تمرّد الشجر وانتفض الحجر منحازًا الى الطبيعة الساحرة والموقع البرىء الأعزل إلاّ من الحق الذي ينادي أصحابه ومريديه بأن يزوره كل سنة اكثر من مرة، وهذه المرّة من أحلى المرّات،فتحت الشجر تغني شقائق النعمان والزنابق وصابونة الراعي(الزقوقيا) وأخواتها أزاهير الجليل انشودة العودة المكررة، واعدة ضيوفها بحسن الاستقبال والوفاء بالعهد.
كيف تصلون الى هذا المكان؟
تتجهون الى مفترق"تسومت غولاني" (مسكنة" المهجرة أيضًا) حيث ملتقى الشارعين 65 و 77 ، في الطريق الى طبريا. بعد المفترق بمسافة (900) متر، شمالاً، تنعطفون يمينًا حيث مدخل حرش لوبية (واسمه عند البعض"ياعر لافي"). تواصلون السفر صعودًا في طريق داخلي في موقع الحرش، وتنعطفون يسارًا تبعًا للافتات واليافطات وصولاً الى موقف السيارات الرحب المنظم.
المسار
يبدأ المسار من موقف السيارات، فتتقدمون حتى تصلوا الى مبنى صغير يضم الحمامات، وخلفه مفترق على شاكله حرف "تي". تتجهون يسارًا مشيًا بين اشجار الصنوبر، وسرعان ما تترامى امام العين بقاع شقائق النعمان من اليسار، ممتدةً بهبوط باتجاه الشارع رقم 77. تواصلون السير في درب واسع تحول ترابه الى أوحال ما بعد الأمطار، محفوفًا بأشجار الصنوبر وأسراب الصبّأر الصابر على الضيم. بعد مسير خمس دقائق أخرى تتراءى سجادة زاهية بألوان أزهار الربيع،تتزعمها صابونة الراعي(الزقوقيا أو إجر (رجل) الحمامة)، تتراقص على جانبي الدرب. واصلوا السير صعودًا الى اليمين، او هبوطًا الى اليسار، لتمتعوا أبصاركم بمشهد عارم غامر من الأزهار المطرزة بها تشكيلات بساط أرضي رهيف يلامس أقدام الصنوبر ويصبو الى قممها، غير متحرّج من عصابات شقائق النعمان التي تباريه وتقتحم مرابضه محمرّة متوهجة.
لمحة عن قرية (لوبيا) المهجرة
القرية قبل الإغتصاب:
كانت القرية تنهض على قمة تل صخري مستطيل الشكل يمتد من الشرق الى الغرب, وتشرف على سهل ترعان من جهة الجنوب. وكانت تنقسم قسمين, شرقي وغربي, تفصل بينهما طريق فرعية تصل القرية بطريق طبرية - الناصرة العام وقد عرفها الصليبيون باسم لوبيا. والى لوبيا نسب أبو بكر اللوبياني, العالم الديني الذي اشتهر في القرن الخامس عشر للميلاد, والذي درس علوم الدين في دمشق. في سنة 1596 كانت لوبيا قرية في ناحية طبرية (لواء صفد)وعدد سكانها 1177 نسمة وكانت تؤدي الضرائب على الماعز وخلايا النحل و على معصرة كانت تستخدم لعصر الزيتون أو العنب.
تبعد قرية لوبيا نحو 13 كم الى الغرب (الجنوب الغربى) من طبريا على الطريق الواصلة بين الناصرة وطبريا تعتبر لوبيا من حيث مساحتها ومساحة اراضيها الزراعية ثانى اكبر قرى قضاء طبريا وتبلغ مساحة القري 210 دونمات ومساحة اراضيها 39629 دونما وتحتل اشجار الزيتون 1520 دونما من تلك المساحة اشتهرت القرية المهجرة التى تحيط لاراضيها قرية
الشجرة وكفر سبت والمنارة وحطين.بلغ عدد سكان لوبيا عام 1922// 1712 نسمة وارتفع الى 1850 نسمة واما فى عام 1945 فقد قدر عدد سكانها بنحو 2350 نسمة.
وقد بلغ عدد الشهداء من قرية لوبيا 56 شهيدا
في سنة 1743 توفي في لوبيا سليمان باشا, والي دمشق, وهو في طريقه لمحاربة ظاهر العمر الذي حاكم فلسطين الشمالية الفعلي لمدة قصيرة في النصف الأول من القرن الثامن عشر في أوائل القرن التاسع عشر و وصف الرحالة البريطاني بكنغهام لوبيا بأنها قرية كبيرة قائمة على راس تل وقد أشار الرحالة السويسري بوركهارت (الذي كتب في سنة 1822) الى نبات الخرشوف (الأرضي شوكي)البري الكثير, والذي يغطي السهل الذي كانت القرية تقع فيه في وقت لاحق من القرن التاسع عشر وصفت لوبيا بأنها قرية مبنية بالحجارة على حرف من الصخر الكلسي الأبيض وكان سكانها الذين تراوح تقدير عددهم بين 400,700 نسمة يعنون بزراعة التين والزيتون , وكانت المنازل القديمة العهد متجمهرة في القسم الشرقي من القرية(ومثلها المنازل الأحدث عهدا التي أنشئت في الفترة الانتداب البريطاني ). ولعل ذلك يعزى الى كون هذا القسم مشرفا على أراضي القرية الزراعية. وكان سكان القرية معظمهم من المسلمين و في سنة 1895 , أيام العثمانيين أنشئت مدرسة ابتدائية في القرية وظلت تعمل في عهد الانتداب البريطاني وخلال هذه الفترة أيضا كانت لوبيا تعتبر ثانية كبرى القرى في قضاء طبرية من حيث المساحة.
كان اقتصاد القرية يعتمد على الزراعة, اذاكانت أرضها خصبة وقمحها ذائع الصيت في المنطقة. وكان القمح يزرع في حقول منخفضة ترعان, بينما كان شجر الزيتون يستنبت على المنحدرات الجبلية شمالي القرية. في 1944/1945 كان ما مجموعه 31026 دونما مخصصا للحبوب ,1655 دونما مرويا أو مستخدما للبساتين.
كانت القرية مبنية فوق بقايا مواضيع كانت آهلة سابقاً ولذلك كانت موقعا اثريا. وعلى بعد كيلومترين الى الشرق من القرية كانت أطلال بناء يعرف بخان لوبيا (192242) يحتوي على بقايا حوض وصهاريج وحجارة بناء كبيرة الحجم منن الأرجح أن هذا الموقع كان خانا أيام العثمانيين.
إحتلال القرية وتطهيرها عرقيا :
نشرت الصحافة الفلسطينية نبا هجوم قامت القوات الصهيونية على لوبيا ليل 20 كانون الثاني / يناير 1948 , وقتل نتيجته واحد سكان القرية واستنادا الى نبا ورد في صحيفة (فلسطين) فان هذه الغارة المبكرة قد نسقت مع غارة أخرى عند شنت على قرية ترعان المجاورة. كما حدث اشتباك آخر عند مشارف لوبيا صبيحة 24 شباط / فبراير إذا جرت مناوشة مع قافلة يهودية دامت أربع ساعات وخلفت قتيلا وجريحين من استنادا الى رواية صحيفة (فلسطين) كما وقع هجوم آخر في الأسبوع الأول من آذار / مارس 1948 . ويذكر المؤرخ الفلسطيني عارف أن جنود الهاغاناه حاولوا أن يشقوا طريقهم عنوة عبر الطريق الممتد بين طبرية والشجرة وأغاروا على لوبيا عند افجر . وقد بلغوا المشارف الغربية للقرية لكن سكانها تصدوا لهم فقتلوا سبعة منهم في حين فقدوا ستة كذلك أوردت صحيفة (فلسطين) نبا تسلل آخر في 11 آذار مارس مهد له بقصف مدفعي .
بعد سقوط طبرية في أواسط نيسان /ابريل 1948 شعر سكان لوبيا أنهم باتوا معزولين فالتفوا الى الناصرة طلبا للمعونة والإرشاد وهو ما ذكره سكان القرية أنفسهم. فقد قالوا للمؤرخ الفلسطيني نافذ نزال أن هجوما آخر على لوبيا وقع في 10-11 حزيران / يونيو, قبيل ابتداء الهدنة الأولى في الحرب. وفي الوقت نفسه و هاجم جيش الإنقاذ العربي مستعمرة سجره الواقعة الى الجنوب الغربي.
وذكر السكان إن وحدة من المشاة الإسرائيلية اتخذت مواقع لها في الطرف الجنوبي للقرية. لكنها انسحبت بحلول اليل في 11 حزيران يونيو. كما شاركت ميليشيا القرية لمدة وجيزة جيش الإنقاذ العربي في هجومه على سجرة, لكنها عادت لحماية القرية أثناء الهدنة. وبعد الهدنة شنت القوات الإسرائيلية عملية ديكل (انظر عمقا قضاء عكا ) وفي تموز / يوليو جاء بعض السكان بنبأ سقوط الناصرة. وقد ذعر سكان القرية بحسب ما جاء على لسان بعض من أجريت مقابلات معهم خلال خمس وعشرين عاما وطلبوا المعونة العسكرية من عرق الإنقاذ العربي المرابطة في الجوار, لكن طلبهم لم يستجب وفي ليل 16 تموز / يوليو غادرا في معظمهم متجهين الى قريتي نمرين وعيلبون و منهما الى ابنان مخلفين وراءهم ميليشيا القرية وبعض المسنين. وعندما اقتربت إحدى الوحدات الإسرائيلية المدرعة من القرية اليوم التالي قررت المليشيا القليلة السلاح أن تنسحب. وقال شهود عيان أن القوة الإسرائيلية المحتلة قصفت القرية قبل دخولها ثم دمرت بعض المنازل وصادرت بعضها الآخر.
يشار إلى أن قرية لوبية التي تقع 13كم إلى جنوب غرب مدينة طبريا على الطريق الموصل بين طبريا والناصرة قد تعرضت عام 1948 إلى عملية تطهير عرقي من قبل العصابات الصهيونية.
وتشير الإحصائيات إلى أن عدد سكان القرية وصل عام 1945الى 2350 نسمة وقد تشرد الأحياء منهم إلى سوريا ولبنان والأردن والبعض الأخر إلى قرى ومدن في الداخل منها قرية دير حنا الجليلية
القرية اليوم :
انشئت مستعمرة(لافى) فى سنة 1949 على القسم الشمالى الشرقى من اراضى القرية.
غرس الصندوق القومي اليهودي وهو الذراع المختصة باستملاك الأراضي وإدارتها في المنطقة الصهيونية العالمية, غابة صنوبر لافي في الجهة الغربية من الموقع كما غرست غابة أخرى في الجوار باسم جمهورية جنوب أفريقيا. وقد غاب حطام منازل هاتين القريتين ومن معالم الموقع الباقية بضع آبار مفرقة (كان سكان القرية يستخدمنها في جمع مياه الأمطار). وبنيت هناك أشجار الرومان و التين وقليل من نبات الصبار. أما الأراضي المحيطة بالموقع فيحرثها سكان المستعمرة المجاورة وقد غرست غابة قرب الموقع وأنشئ متحف عسكري تكريما للواء غولاني احد ألوية الجيش الإسرائيلية ولا يزال في الامكان رؤية معالم الطريق الفرعية التي كانت ذات مرة تصل القرية بطريق طبرية
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
لن ابقى لاجئ عائد الى ارض والدي وجدي رغم انفم المحتل والمتخاذلون والمستسلمون