يرى الأديب الفلسطيني سلمان ناطور، ابن قرية دالية الكرمل، أن ربيع الشعوب العربية لم يحمل طابعا سياسيا فحسب، بل أنه تخطى ذلك يكون ربيعا ثقافيا أيضا. اذ يتوّقع أن تنهض الثقافة في العالم العربي أجمع وفلسطين خصوصا بعد هذا الربيع العربي.

ناطور، وهو غنيّ عن التعريف، عمل في الصحافة وفي صحيفة "الاتحاد" لسنين طويلة، وكذلك في مجلة "الجديد" الثقافية. شارك في تأسيس عدد من الجمعيات والمؤسسات كاتحاد الكتّاب العرب، مركز إعلام، عدالة، وغيرها، كما عمل مديرا عاما لمعهد إميل توما للدراسات الفلسطينية والاسرائيلية في حيفا. ولديه عدد كبير من المؤلفات التي تراوح بين القصة القصيرة، قصص الأطفال، النثر، المقالات السياسية، النقد، والرواية...

فيحدثنا ناطور عن آخر أعماله، رواية "هي أنا والخريف" التي صدرت مؤخرا عن دار راية للنشر، فيقول: "هي رواية تختلف كثيرا عما كتبت في السابق، فلا تعتمد على التوثيق أو التسجيل، هي رواية خيالية وإن كانت من واقعنا. الرواية تُرجمت الى اللغة العبرية وستصدر خلال شهرين بالعبرية. وأعمل حاليا على رواية جديدة".

ما هو تقييمك للحركة الأدبية الفلسطينية في البلاد؟

أولا الحركة الثقافية الفلسطينية في البلاد منذ النكبة كانت لها مميزات خاصة، لها نكهة خاصة. أولا استمرار لثقافة الفلسطينية التي كانت قبل العام 1948، ونعرف أنه قبل العام 1948 كانت في فلسطين حركة ثقافية راقية، خصوصا في المدن الفلسطينية كحيفا ويافا والقدس، وكان نشاطا ثقافيا متفرعا ومنتشرا أيضا في المنطقة كلها ليس فقط في فلسطين، في العراق، سوريا، الأردن، لبنان، مصر وحتى في شمال أفريقيا. وجاءت النكبة وضربت هذه الثقافة الفلسطينية! وقطعت التواصل مع العالم العربي بل وقطعت كل شيء، هي مزّقت الشعب الفلسطيني ومزّقت العالم العربي أيضا.

ونحن وُجدنا داخل "جيتو" محاصرين، مغلق علينا، وكان علينا أن نواصل ما كان ولكن بظروف جديدة وأدوات جديدة وإمكانيات محدودة جدا، وعمليا تحت إحتلال! حكما عسكريا واحتلالا، وكانت حالة غريبة جدا. بالرغم من كل هذا أصر شعبنا على مواصلة هذه الثقافة وتطويرها، واعتبرنا أن الثقافة الفلسطينية في البلاد هي جزء من المعركة على الهوية! والمعركة على الهوية هي جزء من المعركة من أجل البقاء في الوطن! لأننا حتى اليوم نحن مهددون بالترانسفير والتشتت وضياع الهوية. ونشأت حركة ثقافية في ظروف غير طبيعية، وحاولت أن تكون طبيعية بمفهوم أنها تنتج الثقافة بشكل طبيعي!

الشكل الطبيعي الذي كان حتى آخر 10 – 15 سنة هي أن تنتج ثقافة وطنية، ثقافة مقاومة! لأنك في خضّم معركة على البقاء! ولهذا السبب قامت هذه الثقافة بدورها الصحيح، أنها كانت ثقافة مقاومة!

مشكلة ثقافتنا أنها لا تملك مشروعا.. هذه الثقافة اعتمدت طوال الوقت على مبادرات فردية أو جماعية مصغّرة، وهذه الثقافة التي تعتمد على مبادرات تكون أحيانا مشرذمة، وأحيانا تفقد شكلها، ولا تملك الادوات الكافية لأن تنهض بالأمور على مستويات أعلى وأن تطوّر نفسها.

المبادرات الخاصة هذه ناجحة على كافة المستويات ولكن هذا لا يكفي، نحن بحاجة لأن نقيم مشروعنا الثقافي هنا في الداخل! وأن نطوّر هذا المشروع بشكل يوّفر الأدوات الكافية للثقافة ومن ناحية أخرى أن يربط هذه الثقاة بفضاءات أوسع! فنحن فضاءنا الأوسع هو الثقافة الفلسطينية بشكل عام، والفضاء الأوسع والأوسع هو الثقافة العربية بشكل عام، وفي نهاية الأمر نحن فضاءنا الواسع – اللامحدود هو الثقافة الانسانية والثقافة العالمية! المشروع الثقافي هو مشروع يحدد هذه الفضاءات ويربطنا بها، وهذا ما يجب أن نقوم به!

هل هناك مستقبل للأدب الفلسطيني المحلي؟

نحن نشأنا في ظروف تختلف، جيلنا نشأ في ظروف حكم عسكري، وتحديات يومية وسياسية، الجيل الجديد تحدياته تختلف! فلا يمكن مقارنة ظرفنا بظرف الجيل الشبابي اليوم! كل جيل له الظرف الذي يتحرك به! أنا متفائل جدا من جيل الشباب، لأن هذا الجيل متملك من ذاته، يمسك الادوات الحديثة العصرية، هو جيل عصري، جيل حداثي، هو جيل يحاول أن يثبت وجوده وأن يقدم، وهو بحاجة للكثير من الوقت والعطاء والتخبط في مشاكل الحياة والابداع لكي تكون له هويته وكي يثبت وجوده!

وهذا شيء طبيعي، أجيال تذهب وتأتي أجيال أخرى، هناك أجيالا تطغى على أجيالا أخرى، وفي مراحل معيّنة جيل معيّن بظرف ثقافي وسياسي معيّن يأخذ كل الأضواء ويستغرق وقتا حتى تنتقل الأضواء للجيل لاذي يليه! نحن نمر بهذه المرحلة لأن كل مجتمعنا الفلسطيني في مرحلة انتقال، مرحلة انتقال من تحديات يومية، فكان الانسان الفلسطيني في مرحلة معيّنة مجندا بثقافته اليومية، بطعامه، بعمله، بحياته اليومية، لأجل القضية الفلسطينية، اليوم هناك حالة ترفيه معيّنة! الحياة باتت أكثر ترفيهية، لديه أكثر خيارات اليوم، نضاله بات يختلف اليوم عن نضالنا نحن عندما كنا بجيل الشباب.

وأتمنى أن يواصل هذا الجيل المسيرة، أولا بفكره الحداثي، بعطاءه وألا ييأس وألا يرى أنه موجود بظل جيلنا، بل هو يستطيع أن يبني كيانه ووجوده بشكل محترم، ونحترم كثير من الأصوات والأقلام، ان كان في مجالات الشعر، أو النثر أو القصة أو المسرح أو الفنون التشكيلية!

وأعتقد أن تأسيس مشروع ثقافي، واحد أهداف المشروع الثقافي ضمان استمرارية هذا الجيل، وبروز هذا الجيل على الساحة الثقافية!

جيل الانترنت والفيسبوك اليوم.. هل ترى ان التكنولوجيا ستُلغي الحاجة للكتب الفعلية وستغيّر مبنى الأدب؟ أم أننا كفلسطينيون ما زلنا نحافظ على هذه القيم؟

أعتقد أن ما سيحدث معنا هو ما سيحدث مع كل شعوب العالم. الفيسبوك والانترنت ليسا ظاهرة فلسطينية، ليسا اختراعا فلسطينيا، وليس فقط عند الفلسطينيين أو عند العرب، بل هذه ظاهرة موجودة في كل العالم. وكل العالم بات مهووسا بالفيسبوك والانترت، وهو شيء موجود بكل العالم، ولا أعتقد أن هذه التكنولوجيا ستد مكان الكتاب!

فكل الموسيقى السريعة، الالكترونية، موسيقى "السيارة" لم تُلغِ الموسيقى الكلاسيكية، ما زال هناك من يسمع موتسارت وبيت هوفن في الثقافة الغربية، وبالمثل حدث لدينا.. يعني الأغاني التي نسمعها اليوم لم تُلغِ، فيروز، وأم كلثوم، وعبد الوهاب، وغيرهم.. لم تُلغِ الأصالة الثقافية التي كانت هنا.

أنا  لا أخاف من الحداثة، بالعكس أقول أن الحداثة هي شيء موجود ويجب التعامل معه! يجب ألا نحاربها، بل بالعكس يجب تطويعها وبإمكاننا أن نستخدم هذه التكنولوجيا لكي نقدم الشيء العصري. طبعا هناك خطورة، أن شعب أو مجتمع يعاني الركاكة في ثقافته، قد تدخل عليه نفايات ثقافة أخرى! عندما يكون لديك كشعب، أصالتك وثقافتك ولديك ما تقدمه للعالم، تستطيع أن تستوعب كل ما يقدمه العالم، وتختار الشيء الجميل والشيء النافع من ثقافة الآخرين، ولكن اذا كانت هناك هشاشة بثقافتنا وضعف وثغرات في هذه الثقافة، ستتسرب في هذه الثغرات نفايات الثقافة الغربية!

الثقافة الغربية فيها الكثير من النفايات، وبشكل خاص الأمريكية منها! لذلك الخطورة أحيانا تكون بسبب ضعف الحالة العربية بشكل عام، سرّبت الينا هذه النفايات من الثقافة الغربية، واحدثت لدينا رد فعل أن كل شيء يأتي من الغرب هو سيء! ما أخذنا من الغرب هو الكثير من السلبيات، ولكن للغرب ايضا ايجابيات عظيمة جدا، هناك نتاج ثقافي عظيم، ولكن لم نصل لهذا، بل وصلتنا "الطراطيش" الغربية ، وهذا بسبب ضعفنا فقط!

هل سيتحسن الوضع؟

أنا ألاحظ التحسن هذا على المستوى العربي بشكل عام، بالروايات التي تصدر اليوم في العالم العربي، بالمسرح العربي، بالسينما اتي تقدم في العالم العربي بشكل عام، وبالطبع هذا يؤثر علينا وثقافتنا الفلسطينية!

نحن نسير مع هذا العصر، ببطء، بإمكانيات معدومة، وتحت احتلال، علما أن كل شعبنا الفلسطيني تحت احتلال، وكل الأمة العربية موجودة بعقلية احتلال واستعمار! وهذا بالطبع يعيق تطوّر الأدب والثقافة العربية! ولكن هناك قوى بكل المجتمعات العربية تدفع الى الأمام، تدفع نحو النهوض، ونحن لا نتحدث عن ربيع عربي بالمفهوم السياسي فقط! بل هو ايضا ربيعا عربيا ثقافيا، والدليل على ذلك أن القوى التي حرّكت هذا الربيع هي قوى مرتبطة بثقافة العالم، بما فيها التكنولوجيا، الفيسبوك، التويتر، الانترت، وكل ذلك.

هل هناك تواصل بين الكتّاب الفلسطينيين في كل أجزاء فلسطين؟

على المستوى الجماعي هذا الانقطاع قائم، هناك من يكسر هذا الانقطاع بمبادرات فردية، وقسم كبير من كتابتنا وفنانينا يتواصلون مع كتابنا في العالم العربي، فيُدعون لمهرجانات في تونس ولبنان وسوريا، ولكن هذا ما زال على مستوى الفرد. حتى الآن لم نحدد شكل علاقتنا مع فضاءاتنا الأخرى! هذا ما ينقصنا!

قبل أسبوعين كنت في مهرجانا في عمان، وكنت بآخر في المغرب، ولكن هذه علاقة فردية، علاقة شخصية بنيتها نتيجة الكثير من الأمور، وهذا بحد ذاته جيد على المستوى الفردي، ولكن على المستوى الجماعي هذا لا يكفي!

يجب أن يكون على المستوى الجماعي مشروعا واضحا! أي أنه اذا نُظم مهرجانا ما بالعالم العربي، أن تكون دعوة مشاركين من الداخل ليس بسبب علاقة شخصية مع هذا أو ذاك، وإنما يجب أن يكون بسبب أن هذا الداخل يستطيع أن يقدّم ثقافة على مستوى راقٍ، ومن حقه أن يقدم ثقافته للعالم! فيجب أن نرتقي بثقافتنا، بأنه اذا شاركنا في مهرجان في لبنان أو تونس أو الأردن، أن نكون بقدر المشاركة! وليس لأننا نصل من الـ48، بل لأننا في الـ48 لدينا ثقلنا!

لدينا خصوصيتنا ومستوانا الراقي في الادب والثقافة والفن والمسرح، وأعتقد أن مستوى ثقافتنا لا يقل عن مستوى أي ثقافة عربية أخرى، ولا أريد أن أقول أفضل، لكنه لا يقل عن الآخرين! و

اذا شاركنا في مهرجان أو مؤتمر أو ندوة في العالم العربي، نحن نشارك لأننا نستطيع أن نُسهم وليس لأننا أيتام وهناك من يشفق علينا، بل لأننا نستطيع أن نُسهم وأن نقدم، وهذا يجب أن يكون هادفنا. فحتى لو شاركنا عالميا في مهرجانات في أوروبا أو أمريكا وخرجنا الى ثقافات العالم، نستطيع أن نقول للعالم، حن نملك ثقافة راقية! ومعايير التعامل معنا يجب أن تكون بمستوى نتاجنا الثقافي!

هل يوجد اتحاد للكتّاب الفلسطينيين؟

اتحادات الكتّاب والأدباء الفلسطينيين، شهدت عدة محاولات، ففي السنة الماضية كانت هناك محاولة لإقامة اتحاد كتّاب يجمع أكبر عدد من الأدباء، ولكن للأسف الشديد لم تتطوّر هذه الفكرة، فأقيم الاتحاد ولكنه للأسف لم يحقق المطلوب منه. وبإعتقادي يجب أن يُعقد مؤتمر للكتّاب الفلسطينيين في الداخل ضمن هذا الاتحاد، وأن ينتخب قيادة له!

كل اتحاد كتّاب في العالم يضع معايير للانتساب، وبرأيي يجب أن تكون مفتوحة، الكاتب الحقيقي هو كاتب يستطيع أن يتقدم بإنتاجه، وإنتاجه يقرره القرّاء والمتلقين.. فعلاقاته لا تكفيه، واذا كان مسنودا أو غير مسنود قد يساعده لأول مرة مرتين، ولكن بعدها خلص. ما يمنح المبدع القوة هو ابداعه، ولا شيء آخر، لا انتماءه لعائلة أو لحزب أو علاقاته وصداقاته، ولا أي شيء.. ما يجعله يتقدم هو اذا كان مبدعا أم لا! وحتى لو حاول البعض التقدم بواسطة علاقاته، اذا لم يكن لديه فكر ولم يكن لديه انتاج وابداع في مرحلة معيّنة سيوقف وقد يُصدم أيضا، ويتقدم الأفضل! ففي الثقافة البقاء للأفضل!

فليست القضية الأساسية هي كمية الكتب التي أصدرها، فمن الممكن أن تقرأ قصيدة واحدة لشاعر معيّن وتكتشف من خلال هذه القصيدة أنه شاعر عظيم، وقد تقرأ عشرة كتب لشاعر معيّن وتعتبر أن هذا "طق حنك" و "صف حكي" لا قيمة له ولا علاقة له بالشعر.
لذلك بإعتقادي، اتحاد الكتّاب الفلسطينيين في الداخل يجب أن يأخذ بعين الاعتبار ظروف الكتّاب الموجودين هنا، والى أين نريد الوصول!!!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]