هناك بعض الأمراض التي لم تعتبر في الماضي وباءً، بينما نلاحظها قد تحولت حديثاً إلى أوبئة واسعة الإنتشار في هذا العهد من القرن الواحد والعشرين. من بين هذه الأوبئة يمكن طرح مثالين من الأمراض: السمنة المفرطة ومرض السكري من نوع 2.
 

مرض مزمن
تحولت السمنة المفرطة إلى مرض مزمن يشكل خطورة على حياة الإنسان. ففي الولايات المتحدة مثلاً، تعتبر السمنة الزائدة المسبب الثاني للوفاة بعد التدخين. عند الإمعان في تقارير منظمات الصحة العالمية، نشهد ارتفاعاً عالمياً مقلقا في نسبة السمنة والسكري من نوع 2. كما وتشير التقديرات أنّه ما يقارب 300 مليون إنسان يعانون من السمنة المفرطة (Obesity) في جميع أنحاء العالم، وما يعادل 40 مليون ممّن يعانون من السمنة المفرطة المرضيّة Morbid Obesity)). في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، يبلغ عدد الموتى حوالي 300000 إنسان نتيجة لهذه الأمراض من السمنة ومضاعفاتها.

السّمنة المفرطة

وبناءً على التقارير الصادرة عن المعهد الوطني للصحة في الولايات المتحدة (NIH)، يتضح أنّ السّمنة المفرطة قد بلغت حد الوباء، حيث أنّ ما يقارب 60% من السكان هناك يعانون من السمنة المفرطة. أمّا في بلادنا (إسرائيل) يُلاحظ أنّ هذه النسبة بعيدة كل البعد عن هذه الأرقام كما هي في الولايات المتحدة، مما يجعل هذه النتيجة ذات دلالات إيجابية في بلادنا. فالنسبة هنا تبلغ 5.2% من عدد السكان، أي ما يعادل 250000 شخص ممّن يعانون من هذه السّمنة المفرطة المرضية.
 

يزداد انتشار المرض
بالنسبة لمرض السكري من النوع 2، كانت نسبة المصابين به قد ازدادت ما يعادل %50 أثناء العقد الأخير. هناك ما يقارب النصف مليون شخص ممن يشخّصون على أنّهم مصابون بهذا الداء في البلاد. في الماضي غير البعيد، كان مرض السكري نوع 2 يُعتبر مرضاً للبالغين، وقد تمّ تشخيصه، على وجه الخصوص، في أوساط الشريحة السكانية البالغة سنّ الأربعين وما فوق. ولكن في السنوات الأخيرة، يزداد انتشار المرض في أوساط البالغين من الشباب والأطفال بشكل مقلق. يعود ذلك إلى ارتفاع عدد الأطفال والشباب من أصحاب الوزن المفرط، والذي يعتبر بمثابة العامل الأساسي لنشوء السكري من نوع 2. هذا إضافة إلى عوامل مساعدة أخرى، منها الجيل والعامل الوراثي ونمط الحياة الخامل وغيرها من العوامل.
 

%70 من المستَطلعين يعانون من إحدى المشاكل المتعلّقة بمرض السكري
عند تفحّص الوضع في أوساط الجماهير العربية في البلاد، يتضح أنّ مجتمعنا يُعدّ من القطاعات التي تحمل مخاطر عدة لتطوّر مرض السكري من نوع 2. من خلال إحدى الاستطلاعات التي أجريت في الوسط العربي في شمال البلاد، اتضح أنّ %70 من المستَطلعين يعانون من إحدى المشاكل المتعلّقة بمرض السكري، مثل السمنة المفرطة، السمنة المفرطة مع مرض السكري أو معايير سكر غير سليمة في الدم، والتي تدلّ على حالة ما قبل السكري. هذه الظاهرة تبدو أكثر سوءاً لدى النساء العربيات، مقارنة بالرجال أو بقية القطاعات السكانية الأخرى في البلاد.

الوزن والسكري

عند الحديث حول الأسباب المؤدّية إلى السمنة نلاحظ أنّها متعددة. فالعوامل الأكثر شيوعاً هي الميول الوراثية، أنماط الأكل الخاطئة، ظروف اجتماعية- اقتصادية منخفضة وانعدام النشاط البدني. فالأشخاص أصحاب الوزن المفرط هم أعلى نسبة ممّن يكونون عرضة للإصابة بالسكري من نوع 2. تظهر هذه النسبة في أوساط النساء اللواتي يعانين من السمنة المفرطة بمعدل ما يقارب ثلاثة عشر ضعفاً، بينما تكون 5 أضعاف في أوساط الرجال، وذلك بالمقارنة مع الأشخاص أصحاب الوزن الطبيعي. زد على ذلك، أنّ السكري يكون شائعاً بشكل أوسع، بما يزيد على 3 أضعاف من هؤلاء الذين يزداد وزنهم معدل 10 كيلوغرامات خلال حياتهم، في المراحل المتقدمة في السنّ، وذلك مقارنة مع الأشخاص الذين يحافظون على وزن ثابت. أمّا المؤشر الآخر والمهمّ هو محيط الخصر، الذي يعكس السمنة في منطقة البطن. فالمرأة التي يبلغ محيط خصرها 80 سم وما فوق تكون عرضة إلى خطورة زائدة للإصابة بالسكري من نوع 2. أمّا بالنسبة للرجال، سواء كانوا بيض البشرة أو سوداء، فإن محيط الخصر الأقصى هو 94 سم وما فوق، وبالنسبة للرجال الآسيويين- 90 سم وما فوق. ليس جميع المصابين بمرض السكري يكونون من ذوي الوزن المفرط ، ولكن عند التشخيص تظهر الأبحاث أنّ أكثر من %80 من مرضى السكري من نوع 2 هم أصحاب وزن مفرط.

 

ضغط الدم المرتفع
في حال كنتم تعانون من السمنة المفرطة، حتى وإن أنكرتم ذلك وادّعيتم بأنكم معافين وأصحّاء للغاية، فمن تجربتي الغنية، تعرّفت على عدة أشخاص عانوا من سمنة مفرطة مرضية، مع أنّهم ادعوا كونهم "أصحاء للغاية". تبيّن الأبحاث أنّ ما يزيد عن %80 من ذوي البدانة مصابون أيضاً بأمراض أخرى مرافقة. وبالفعل، نحن نجري عدة فحوصات ضرورية، لكافة أولئك البدينين الذين التقيهم والذين امتنعوا سابقاً عن إجراء الفحوصات لسنين عدّة، فيتضح من ذلك أنّهم يعانون من ضغط الدم المرتفع، الذي قد يعرّضهم إلى جلطة دماغية، إضافة إلى ارتفاع بمستويات السكر والكولسترول إلى درجة خطيرة، ونعلم أيضاً أنّ السمنة المفرطة والسكري هما من بين الأمراض المتعلقة الواحد بالآخر.

ولكن هناك بشرى حسنة وهي أنّه بالإمكان الشفاء من مرض السكري، حتى من الحالات التي يكون فيها المصاب به على درجة عالية من السكر وعلى مدار سنوات طويلة، حتى وإن كان المريض مُعالجاً بالإنسولين، أو يعاني من أمراض أخرى مرافقة ويكون عرضة إلى خطر ملموس وحقيقي لمضاعفات صعبة.

حل المشكلة
تمّ علاج مئات من مرضى السكري الذين تم تشخيصهم على أساس أنهم يعانون من سمنة مفرطة مرضية. ففي القسم الذي أعمل فيه في المستشفى، وفي السنوات الأخيرة على وجه الخصوص، ترك الكثير من هؤلاء المرضى الأنسولين والأدوية لعلاج السكري إلى غير رجعة، وذلك بعد قضائهم لمدة قصيرة في السرير في المستشفى. ففي إحدى الحالات، حضرت إحدى النساء للمعالَجة بهدف إجراء العملية الجراحية، وكان وزنها 120 كغم، ومؤشر كتلة جسم 40، وكانت تعاني من مرض السكري وتتناول حقن الأنسولين 4 مرات في اليوم. وبعد أسبوعين من العملية لم تعد بحاجة للأنسولين، وأخذت بتخفيض وزنها بشكل حادّ، وبدأت اليوم تعيش حياة صحّية أكثر وبدون الحاجة إلى استعمال الأنسولين.

تثبت الأبحاث أنّ عملية تقصير المعدة تساعد على تخفيض الوزن ما بين 50% إلى %80 من الوزن الزائد، هذا بالإضافة إلى الحفاظ على الوزن لمدة 5 سنوات أو أكثر. كما وتشير عدة أبحاث إلى تحسّن ملحوظ، وحتى الشفاء الكامل، لدى %77 ممّن يُعانوا من السكري من نوع 2. ليس هذا فحسب، بل تؤثر العملية الجراحية إيجابياً وبشكل لافت في أمراض أخرى أيضاً، مثل انقطاع النفس أثناء النوم (%78)، ضغط الدم المرتفع (%62)، والكولسترول العالي (%71).

الجراحة البرياترية هو أسم يشمل كافة العمليات الجراحية التي تهدف إلى مساعدة المرضى على تخفيف الوزن والحفاظ عليه لمدة أطول قدر الإمكان. يُنصح بالعملية أولاً للمرضى من ذوي مُؤشّر كتلة الجسم (BMI) فوق 40، أو مع (BMI) فوق 35 والمرافقة لأمراض أخرى مثل السكري نوع 2، ضغط الدم العالي، مُستوى دهنيّات مُرتفع في الدم (الكوليسترول) أو انقطاع النفس أثناء النوم.

تشيع في البلاد 3 أنواع من ألعمليات التي تهدف جميعها إلى تقليص حجم المعدة: عملية الحلقة، كمّ المعدة وعملية التفاف المعدة. أطباء العائلة، أطباء السكري والغدد الصماء الذين يعلمون مدى تأثير العمليات الجراحية على السكري، وإمكانية الشفاء منه، ينصحون المرضى بإجراء مثل هذه العملية ويؤكّدون على نجاحها. في السنوات الأخيرة، ارتفعت نسبة المرضى الذين يتبعون نصائح الأطباء ويسعون جاهدين لإجراء العملية، لإدراكهم أنّ هذه الخطوة هي الإحتمال الوحيد للشفاء والتعافي. وكلمة أخيرة، من خلال تجربتي، فعلاً أنّه يطرأ تحسّن على حالة المرضى الصحية خلال يومين أو ثلاثة، حيث يغادرون المستشفى تاركين خلفهم أدويتهم التي طالما اعتادوا على تناولها. بما أن هذه العمليات تُجرى بطريقة جراحة المنظار بأقلّ قدر من التدخل الجراحي بالجسم، فإن عملية التسرير تعتبر قصيرة جداً، كما أن التعافي والشفاء يكون سريعاً وسهلاً. من هنا، أنصح المرضى عدم التردّد أو التخوّف، لأنّ كلّ يوم إضافي من عدم التوازن يؤثر في نشوء مضاعفات لاحقة في المستقبل.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]