لقاءٌ خاص أجريناه في موقع بكرا مع الطالب الجامعي عزّات ظاهر، وهو يدرس طب الأسنان في ألمانيا.
وتطرق عّزات إلى تجربته في الغربة، وشعوره بالراحة بعد كُلِ عناءٍ وتعبٍ عاشه.
فهو يعرفُ تمامًا أنّ الباحث عن العلم سيجد الصَعبَ لكنه بفضل الإرادة سيتجاوز الصعب والمستحيل، وكذا فعلَ عزات.
لقد وضع العلم والثقافة في رأسِ سلم اهتماماته في الغربة، متجاهلاً أنّ هناك أمور ثانوية قد يجد فيها متعته، لكنها لن تغنيه عن شهادةٍ لطالما حلم بتحقيقه، ليس فقط له شخصيًا بل لعائلته ولأبناء شعبه الذي يحتاجه، فكلما زِدنا مثقفًا وناجحًا، فإنّ مجتمعنا العربي وشعبنا العربي يَنعُم بمزيدٍ من التقدم والنجاح وتحقيق الآمال، وعزّات واحدٌ مِن الشباب المكافح، الذي ينتظرهُ وطنه بفارغ الصبر.
إليكم أهم النقاط التي دار الحديث عنها في لقائنا بالطالب الجامعي عزّات ظاهر:
* صِف لنا تجربتك في الدراسة بالخارج؟!
عزّات ظاهر: أنا الآن في السنة الخامسة، أدرسُ طب أسنان. العام الأول من تجربتي، بدا لي جميلاً، أذكر تلك الأيام جيدًا، أشهره الأولى كانت صعبة جديدًا، كنتُ لا أعرف إلا اليسير جدًا عن المانيا، لم أكن أتقن لغتهم، ولم أكن على اتصالٍ بأحد ليقدم لي مساعدة، لكنني قررتُ تحمُل هذه الغربة، وتجاوز الصعوبات حتى أنجح بالتأقلم، معظم الوقت كنتُ وحيدًا، لكنني كنتُ عنيدًا في تحقيق ذاتي هناك، حتى تجاوزتُ محنة البعاد عن الأهلِ والوطن.
قبل سفري حاولتُ تعلم دورات باللغة الألمانية في برلين، لم أعرف أينَ سأعيش؟! وأين أنام؟! وماذا سأفعل؟! والأصعب أن غالبية السكان الألمان لا يتقنون اللغة الانجليزية، الأمر الذي اضطرني لإجادة الألمانية وبأسرعِ وقتٍ ممكن.
ومن حسنِ حظي أنني وجدتُ مسكنٍ شبيهٍ بالفندق قرب المدرسة، التي تعلمتُ بها اللغة، غرفةٌ صغيرة، فيها سريرٌ وطاولة، أقمتِ في الشقة شهرين حتى صرتُ أتكلم بعضًا من اللغة الألمانية، وبعدها كنتُ مضطرًا لتغيير بيتٍ، فاستأجرت مكانًا آخرًا هو أفضل بالتأكيد.
مع الوقت بدأت الأمور تسير بصورة ايجابية، صرتُ أفهم اللغة سماعًا ونُطقًا، تعرفتُ على أصدقاء جدد، وزاد تأقلم بحياة الألمان شيئًا فشيئًا.
* حدثنا عن التكاليف التي يكبدها الطالب الجامعي في المانيا.
عزات ظاهر: هناك فرق في التكاليف بين مكان وآخر. فمثلا، التكاليف في برلين ليست كالتكاليف حيثُ أقيم في هانوفير أو في منشن، لكن سنة بعد اخرى، ترتفع تكاليف العيش، وحتى التعليم كانَ في البداية يكلفني أسعارًا أقل، اليوم ترتفع الاسعار بفعل الوضع الاقتصادي الذي يؤثر على الدولة بالتأكيد.
ويجب ألا ننسى أن العملة التي يتم استخدامها في ألمانيا هي اليورو، فهذا شيء من الأشياء التي نتعلمها وننتبه لها، ان نتابع أسعار اليورو، ونراقب ارتفاعه أو هبوطه.
ولأعطيكِ مثلاً فمعدل الطالب خلال الفصل الدراسي الواحد: ما يقارب الـ 800-1000 يورو، يتضمن التأمين، المواصلات، استئجار البيت، والطعام، بينما هناك اختلافٌ بين اسبوعٍ والذي سبقه في التكاليف.
* هل لك أن تفيدني عن عدد الطلاب الذين يدرسون معك؟!
في الفصل الدراسي الحالي معي ما يقارب الـ 55 وحتى 60 طالب، وحين بدأنا التعلم كنا حوالي 100 طالب لكن مع الوقت ومع الامتحانات أيضا، قلّ عدد الطلاب في الفصل الدراسي لأنه في Klinik و Physikum يتم تحديد عدد المقاعد، وأحمد الله أنني كنتُ بين الناجحين والآن انا في Klinik.
وأعتقد انّ هناك بين 700-800 طالب من كل الفصول الدراسية في قسم طب الأسنان .
* ألا تشعر ببعض التمييز من طاقم التدريس تجاه الطلبة العرب؟!
لا أشعر أنّ هناك تمييز بين الطلاب ألمانيو الأصل وبينَ الطُلاب العرب أو غيرنا من الأجانب، فجميعنا تسري عليه القوانين ذاتها ويتم التعامل معنا بسواسية.
وهذا الموضوع يعود إلى الشخص نفسه، هل هو عنصري أم انه متفهم، أما الشعب الألماني فهو شعبٌ طيب وحريص على تطبيق النظام، الألمان يقدّرون الذين يقدرونهم ويحترمون مَن يحترمهم .
وأود التشديد أنّ طاقم الأطباء والمختصين في الجامعة، يحترمنا جميعنا وأنا شخصيًا أشعر بهذا الاحترام والتقدير، لأنهم يعتبرون أن الانسان الذي أتى ليستفيد علميًا وثقافيًا يستحق المعاملة الطيبة.
* لو طلبت منك سرد تفاصيل يوم في حياتك الدراسية في الجامعة ماذا تقول؟!
يبدأ يومي في الساعة 6:30 أو 07:00 صباحاً، لا أواظب على أتناول وجبة الفطور، آخذها حسب الوقت والطقس، وبعدها استقل القطار strassenbahn.
نبدأ المحاضرات الساعة الثامنة والربع في klinik حتى الساعة الواحدة. وبعد ذلك نحظى باستراحة حتى الساعة الواحدة والنصف، بعدها تبدأ الدورات المهمة بالنسبة للطلاب وهي علاج المرضى والتي تنتهي في الساعة الخامسة مساءً.
ونُمنَح عددًا معينًا من الساعات في النهار لمحاولة معالجة المرضى وجمع النقاط ولجمع النقاط، وأيضا للبحث عن نوع العلاج، إذا كان علاج عصب السن أو تلبيس سن، أو حتى علاج للثة الأسنان.
ونحن الطلاب نتسابق في جلب المرضى الذين سنعالجهم وفي أحيانٍ عديدة نعطي لهم مواعيد، وأحيانا كثيرة لا يأتون فنخسر النهار بوقتٍ ضائع، وأحيانا نُضطر إلى إحضار أكثر من مريض، كي نفي بالضغط الذي نتعرض له خلال دراستنا لهذا الموضوع.
وتنتهي دورة التدريب هذه عند الخامسة مساءً، ويذهب المرضى أما نحن فنبقى في العيادة، ولكلِ عيادةٍ صغيرة، طالبيْن اثنين، والغرفة عبارة عن كرسي وكل الادوات اللازمة التي يحتاجها طبيب الأسنان، ونحن ملزمون بالحفاظ عليها، ونغادر المكان في السادسة مساءً، ليس قبل أن نُجري التعليم وترتيب العيادة ليتم تحضيرها لليوم التالي.
وإلى البيت أصل في السادسة والنصف، أتناول وجبة خفيفة عبارة عن (لبنة وخبزة، جبنة، معكرونة) لا فرق بين جميع هذه الوجبات فالمهم بالنسبة لي كسب الوقت والسرعة، فأنا احتاج لاستراحةٍ ولتحضير المواد الدراسية حتى الحادية عشرة مساءً، أما في يومٍ آخر، فإنني أطيل سهري حتى انهاء واجباتي الدراسية.
* وكيف تتدبر أمرك على صعيد الكتب الدراسية؟!
بالنسبة للمواد والكتب فإنني أحاول دائمًا أن أستعيرها من المكتبة لكنني لا أفلح بالحصول على جميع الكتب التي أريدها، خاصة وقت الامتحان، لذا فإنّ لزامًا عليًا أن أشتري تلك الكتب القيّمة والمهمّة، والتي لا يمكن الاستغناء عنها طوال فترة الدراسة، هذا طبعًا عدا المعدات والمواد التي احتاجها في تطبيق دراسة طب الأسنان.
وجميع الكتب التي ندرسها باللغة الألمانية فقط، وهذا يلزمني أن أكون متمكنًا من اللغة وقادر على قراءتها وفهمها تمامًا.
* بعيدًا عن أمورك التعليمية، كيف تتدبر مصاريفك اليومية، وهل تُمضي وقتًا في المتعة؟!
بالنسبة لمشتريات الطعام فإنني اقتنيها من مجمعاتٍ كبيرة تعرض دائمًا تنزيلات، أشتري وفق حساباتها أُجريها على الميزانية، لذا تراني أتجه الى تجهيز الأكل بنفسي ولا آكل يوميًا طعامًا جاهزًا، فأوفّر كثيرًا من المصاريف الزائدة، لكنني لا أحرم نفسي بين فترةٍ واخرى من زيارة مطعمٍ في مناسباتٍ مختلفة كالعيد أو الاحتفال بمناسبةٍ ما مع الأصدقاء.
وكذا هو الحال بالنسبةِ للملابس فإنني اتجه الى مجمعاتٍ كبيرة ومعروفة وفيها جميع الماركات العالمية والاختيارات تجري وفق ما أراه مناسبًا لي، ويتعلق أيضًا بحاجتي لهذه الملابس، هل هي للدراسة؟ أم للخروج بعض الوقت مع الأصدقاء؟!
وفي نهاية الأسبوع نخرج عدة ساعات لمركز البلد ونجتمع عند أصدقائي، زملائي في الدراسة وشبانٌ عرب من البلاد يدرسون معنا.
* حدثني عن علاقتكم مع طلاب الـ48، ومع سائر الطلاب العرب؟!
نحن طلاب عرب 48 الذين نتعلم في ألمانيا كلنا أخوة، عائلة واحدة، إذا لم يكن أحدًا صديقًا للآخر، فمَن سيكون معنا؟!
نحنُ نتواصل جميعًا مرة في الأسبوعين أو ثلاثة أسابيع ونتحدث عن التعليم وعن ظروفنا، وإذا احتاج أحدنا إلى مساعدة فلا نتخلى عنه، نتشارك في الطبخ والأكل، نجهِّز خبزًا عربيًا ونُعِدّ "المناقيش" بالزعتر، لنتذكر ريحة الوطن وأهل البلاد.
أما سائر الطلاب العرب فهم قلة في دراسة طب الأسنان، ولا وقت كافٍ يسمح لنا ببناء حياة اجتماعية مليئة.
* هل مِن نصيحة للطلاب الجامعيين العرب في الغربة؟!
للمغتربين مثلي أقول أنّ التعليم صعب وخصوصًا ذاك الشعور بالبُعد عن الأهل والأحباء، لكن دعونا لا ننسى الهدف الذي جئنا من أجله، وأن نضع نُصعب أعيننا النجاح.
ومَن يريد الوصول الى حصد الثمار حتمًا سيتعب ويشقى، لا شيء يأتي بالسهل، المهم ألا ننسى أينَ نحنُ وأننا ضيوف على هذه البلاد، يجب أن نحافظ على أنفسنا وأن نترك انطباعًا طيبًا للشعوب الأخرى عن العرب، وعلينا أن نهتم بأبناء وطننا الموجودين معنا في الغربة.
* لماذا اخترت دراسة الطب في ألمانيا؟!
لم أستطِع أن أدرس طب الأسنان في ألمانيا، مع أنّ علامات عالية، فجاء اختياري لألمانيا، فهي معروفة بمستواها التعليمي العالي وبشهاداتها المعروفة في العالم بأسره.
الدراسة في الخارج مسألة ليست سهلة، فهي ليست رحلة للهو و"شمات الهوا"، هناك أيامٌ صعبة تتطلب مِنا الصبر، وهناك حاجة إلى دراسة اللغة الألمانية بجدية، ولكي يدرس الطب في ألمانيا، يجب أن يكون تحصيله العلمي عالٍ وشهادة البجروت لا تقل عن معدل 95% ولزامًا عليه أن يُجري امتحان لغة DSH بعد سنة من دراسة اللغة، ويأتي بعلامات عالية، كي يُقبل للدراسة.
أخيرًا أتمنى التوفيق للجميع، وأن يعود الأبناء إلى والديهم بنتائج مشرّفة، بعد تعبٍ وسهرٍ ومثابرة.
ولأهلي بشكلٍ خاص كُل المحبةِ طالبًا منهم الدعاء لي بالتوفيق في خطواتي هذه، والله الموفِق، سلامي الخالص لأهلي لبلادي وأحبابي... من ابن الناصرة عزات أحمد حكمت الظاهر.
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
عزات بتجاح خيا ... وانشالله ترجع وتضلك رافع راسنا