قبل أن تباغتنا في الأسبوع الأخير الذكرى الثالثة والستون لنكبة شعبنا العربي الفلسطيني، والتي أنتجت دولة إسرائيل، كان الشغل الشاغل للشارع الإعلامي والسياسي المحلي، هو موضوع الوحدة بين شقي الحركة الإسلامية في البلاد، والتي جاءت المفاوضات بشأنها نتيجة ضغوط كبيرة من القواعد الشبابية في شقي الحركة.

لست فقيها في أمور الدين، ولا أفهم في شؤون التحليل والتحريم، فأنا لست متدينا أصلا. ولكني أقف في كثير من الأحيان عاجزا أمام فهم منطق إتاحة أمر ما وتحريم غيره، وهو ما حصل معي مؤخرا حين استمعت لمقابلة إذاعية مع الشيخ كمال خطيب، نائب رئيس الشق الشمالي من الحركة الإسلامية، حين حاوره المذيع حول مفاوضات الوحدة، فأكد الخطيب أن جلسات الحوار كانت مثمرة وأنها قرّبت كثيرا وجهات النظر على طريق الوحدة المنشودة. مضيفا أن بعض القضايا المفصلية لا زالت على المحك وموضوع نقاش، وهي قد تكون حاسمة في أمر الوحدة، وعلى رأسها طبعا القضية التي أدت لانشقاق الحركة قبل سنوات، ألا وهي انتخابات الكنيست التي يخوضها الشق الجنوبي، ويقاطعها الشق الشمالي. وقد قال الشيخ كمال بالحرف الواحد: "هذه القضية هي قضية حلال وحرام بالنسبة لنا".

الكنيست، لمن لا يعلم، هي السلطة التشريعية في إسرائيل، والحكومة هي السلطة التنفيذية (كما في كل دول العالم). ولذلك، فإن كل رؤساء السلطات المحلية في البلاد هم موظفون في الحكومة، لدى وزير الداخلية... أي أنهم جزء من السلطة التنفيذية، ومنها يقبضون مرتباتهم، وينفذون قراراتها، التي هي قرارات الحكومة، دون أن يكون لهم أي حق بالاعتراض على فحواها أو تغيير حرف منها.

ولمن لا يعلم أيضا، فإن الشق الشمالي من الحركة الإسلامية يخوض دائما انتخابات السلطات المحلية من بلديات ومجالس محلية (وعلى رأسها بلدية أم الفحم التي ترأسها الحركة منذ سنوات طويلة). والفرق بين أن تكون عضوا عربيا في الكنيست الإسرائيلي وبين أن تكون رئيس سلطة محلية، هو أنك في الكنيست ستكون في المعارضة حتماً، تتحدث بالسياسة وتطرح نظرياتك بشيء من الحرية، تصوت ضد القوانين العنصرية والسيئة وتحاول عرقلتها (وقد تنجح أحيانا)، وقد تنجح بشكل أو بآخر بإقرار قانون ما هنا أو هناك فيه مصلحة لشعبك العربي. أما رئاسة المجالس فهي تعني بشكل قاطع أن تكون موظفا لدى وزير الداخلية، ومن وزارته تقبض مرتبك، وتنفذ القوانين وقراراته كلها دون معارضة، مهما كانت تلك سيئة وعنصرية، وحتى لو كانت تنص على هدم منزل جارك بحجة عدم الترخيص مثلا.

لا أملك أدنى حق بأن أحدد لأي شخص كان ما هو الحلال وما هو الحرام. فكل منا يحيا وفق إيمانه الخاص ووفق معتقداته. ولكني أقف عاجزا أمام منطق الشيخ كمال الذي يحلل خوض الانتخابات المحلية الإسرائيلية ويحرّم خوض التشريعية! أنا لن أفاضل بينهما ولن أخوض في تحليلات ليست ذات جدوى، ولكن المنطق الإنساني البسيط يقول: إن كانت انتخابات البلديات حلال، فإن الكنيست أكثر منها حلالا (لأن لك مجال للتعبير عن رأيك والمعارضة)، وإن كانت انتخابات الكنيست حرام، فإن البلديات أكثر منها حرمة (لأنك تنفذ القوانين الجائرة مرغما). فما هو السبب الحقيقي الذي أدى لانشقاق الحركة الإسلامية إلى حركتين؟! وما الذي يمنع توحيدهما حتى الآن؟! يبدو الأمر أشبه "بمسمار جحا" الذي قد يدقـّه الشيخ كمال أو غيره في نعش الوحدة المنشودة لسبب ما، لا يعلمه إلا الله، والشيخ كمال، وبعض من قيادات الحركة بشقيها.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]