كلمات كثيرة وروايات مليئة بالخوف والحزن والمعاناة عنوانها" علينا أن نحمي أطفالنا وأنفسنا وأن نغادر قريتنا لنعود إليها بعد أيام"، ترويها التسعينية أم فهمي الحاجة لبيبة زهران غيث من قرية بيت إكسا شمال غرب القدس المحتلة، حول معاناتها وأطفالها ابنان نكبة فلسطين في العام 1948.
"معاناة متواصلة استمرت شهورا قبل أن يستقر بها الحال في مدينة رام الله، فهي إبان النكبة كان عليها وحسب ما رأى أهل قريتها التوجه إلى قرية خروبة قضاء الرملة مع جميع نساء القرية فيما تولى الرجل حماية القرية من العصابات الصهيونية التي هاجمت القرية في التاسع من نيسان عام 1948"، بهذه الكلمات استهلت الحاجة أم فهمي حديثها عن معاناتها ابان الكنبة والتي لا تزال متواصلة حتى اليوم.
إطلاق النار المتواصل
وتضيف "كنت في الثلاثينات من عمري كان علي المغادرة سيراً على الأقدام إلى قريتنا الأخرى الواقعة في السهل الساحلي الفلسطيني لأنها كانت تبدو أكثر أمنا، سرت وأطفالي في ساعات الصباح الباكر مع الكثير من نساء القرية، هربا من إطلاق النار المتواصل الذي كانت تتعرض له قريتنا بيت إكسا في ساعات الليل وتوجهنا إلى خروبة".
وتتابع استرجاع ذكرياتها وتقول "لم تكن الحياة هناك سهلةً، فبعد عدة أيا من وصولنا إلى هناك قامت العصابات الصهيونية بمهاجمة القرية والتعرض بشكل متواصل إذ كنا نضطر إلى الذهاب إلى خربة مجاورة لقريتنا تدعى قرية زكريا هربا من إطلاق النار الذي كان يستهدف خربتنا خروبة بشكل متواصل من مستوطنات الرملة".
تتابع الحاجة لبيبة حديثها قائلة:"كان علينا رعاية الأطفال توفير الطعام اللازم لهم وحمايته وحماية منازلنا بالتعاون مع عدد قليل من الرجال الذين تواجدوا في خروبة في ذلك الحين، كان ذلك صعبا، خصوصا أن القرية التي أقيم عليها أجزاء من مطار اللد حاليا وتحولت الأجزاء الأخرى إلى مراعي للمواشي، كانت تتعرض لهجمات متواصلة تشنها العصابات الإسرائيلية بهدف إجبار الأهالي على ترك القرية والرحيل".
العنوان الأبرز لتلك المرحلة تقول الحاجة أم فهمي " هو كثير من المواطنين الذين يغادرون قراهم في الساحل متوجهين إلى الضفة الغربية كانوا يمرون يوميا من القرية، كنا نشعر بخوف وقلق دائم على مصيرنا لم نعرف إلى أين سنتوجه وما هو مصيرنا".
خروج إلى المجهول
وتتابع أم فهمي سردها للأحداث "في العاشر من أيار قرر الرجال الغائبون عنا في والمتواجدون في قرية بيت إكسا الرحيل باتجاه قرية خروبا بعد أن قصفت القرية ودمرت بالمدفعية الإسرائيلية الثقيلة من قرية دير ياسين التي جرى احتلالها بعد مجزرة بشعة روعت الأهالي في مدينة القدس".
وما أن وصل الرجال إلى هناك حتى تصاعدت وتيرة الاشتباكات التي كانت تشنها العصابات الصهيونية على قرية خربة والقرى المجاورة، في السادس عشر من الشهر ذاته وبعد يوم من إعلان قيام إسرائيل وبسبب تصاعد عمليات القصف وإطلاق النار التي تعرض لها القرية، قمنا بالمغادرة متوجهين إلى مدينة رام الله كان علينا السير على الأقدام، فيما ركب الأطفال والشيوخ الحيوانات التي كنا نستعين بها على التنقل.
وبسبب الخوف الذي كان يرافقنا كان الأطفال يسقطون من على ظهر الحمير ونعيدهم أثناء سيرنا الذي تواصل ليومين دون توقف أملا في الوصول إلى مكان أمن ثم العودة إلى قريتنا بعد استقرار الأوضاع.
"لم نأخذ شيئا مما بداخل منزلنا سوى بعض الأغراض التي تعينا على السفر أغلقنا باب منزلنا وتركنا كل شي بالداخل، ولا نزال نحتفظ بمفتاحه أملا في العودة إليه، كان بداخله طاقة داخل الحائط كنا نضع فيها أغراضنا الثمينة، لكن المنزل لم يعد موجودا اليوم بعد أن جرى تدميره في أوسط الخمسينيات من القرن الماضي".
معاناة جديدة في مخيم الكرامة
ومن رام الله انتقلنا إلى مخيم الكرامة في غور الأردن، ومكثنا متنقلين بين المخيم ومدينة عام 3 أعوام متنقلين بين عمان ومخيم الشونة أو الكرامة كما كان يسمى في حينه، كان علينا تدبر أمورنا وأمور أطفالنا الوقوف إلى جانب رجالنا في معاركهم المتواصلة مع الاحتلال.
"هناك كان علينا تدبر أمورنا بحثا عن منزل وعن تعام مع البيت في العراء وسط المعارك التي كانت تدور على جانبي نهر الأردن" تقوم الحاجة ام فهمي.
عودة إلى الوطن
وفي العام 1953 فوجئنا بدعوة توجهها القوات الأردنية للمواطنين الفلسطينيين الذين كانوا يقطنون في قرية بيت إكسا بضرورة الذهاب إلى الحافلات للعودة إليها بعد انسحاب القوات الإسرائيلية منها بموجب اتفاق بين الجانبين.
وبالفعل عادة قرابة 300 شخصا من أهالي القرية إليها من أصل 1500 إلى 1800 قاموا بمغادرتها، وكان علينا تدبر أمورنا في بيوتنا التي دمرت أجزاء كبيرة منها وبينها منزل عائلتي، بالفعل عدنا إلى القرية وواصلنا صمودنا حتى اليوم لنعيش نكبة جديدة تتمثل في الجدار والاستيطان الذي يستهدف القرية بشكل متواصل ويحاصرها من كل مكان، فلم يبقى لنا سوى بيوتنا.
[email protected]
أضف تعليق