مصر في السينما لأول مرّة من أجمل بلاد العالم ...والفيلم كوميديا راقية وأنيقة.

د . جمال فياض - عن مجلة زهرة الخليج لأنها أولى تجاربه السينمائية، ولأنها تجربة مختلفة تستحق التوقف عندها بتأمّل، نضع فيلمه الأول تحت المجهر. فقد بدأت منذ أيام العروض الأولى لفيلم "365 يوم سعاده" أولى تجارب المخرج اللبناني سعيد الماروق في السينما. من إنتاج شركة "ارابيكا موفيز – محمد ياسين ". فبعد تجربة متفوّقه ومميزه في عالم الفيديو كليب، حقق فيها إنجازات يمكن إعتبارها مدرسة سارت عليها أسماء لامعة في عالم الكليب. يبدو أن الفيلم الذي قدّمه سعيد منذ أيام للصحافة والإعلام في بيروت بعد عروض أولى في مصر، عـَبَر مرحلة الإمتحان النقدي بنجاح بعدما نال تصفيقا حادا من الصحفيين والإعلاميين والنقاد الذين أجمعوا على أن سعيد الماروق قدم شكلا جديدا من "اللايت كوميدي" في السينما العربية والمصرية. وقد ردّد الحضور أن سعيد يقدّم صورة مصر في هذا العمل بأحلى ما يمكن. وهذا أمر يمكن أن تحتسبه له السينما المصرية خصوصا والعربية عموما ... ولنشاهد الفيلم معا.

القصة والسيناريو والحوار

هي قصة شاب وسيم، ثري، ( أحمد عزّ) يحترف الزواج العرفي من الجميلات، ويطلقهن بعد فترة بحجة غريبة، عندما يأتيهن بخبر مرضه المستعصي لتركهن وتمزيق عقد زواجه العرفي من كل واحدة منهن بطريقة دراماتيكية، مستغلا سخائه ووسامته لتحقيق مراده دائما. الى أن تأتي الفتاة (دنيا سمير غانم) التي تلعب عليه لعبته هو هذه المرّة بطريقة عكسية فتوهمه أنه تحبه لكنها لن تتزوجه لأنها مصابة بمرض مسعصٍ وستموت بعد سنة واحدة فقط، فيتزوجها على أمل أن يحقق لها "365 يوم من السعادة" قبل أن تفارق الحياة....الخ.

القصة عن فكرة لماجد مجدي كتبها السيناريست يوسف معاطي( كتب عدة أفلام لعادل إمام ومحمد هنيدي وغيرهما وحققت نجاحا كبيرا). تبدو فيها بعض ضروب الخيال ، لكن من الممكن جدا إعتبارها قصة فيها بعض الفانتازيا اللطيفة والمقبولة والقريبة جدا من الواقعية. وقد رسم السيناريو بدقّة متناهية، صورة محبّبة لشخصية البطل والبطلة والشخصيات المحيطة بهما ( صديقه الطبيب شادي خلف ، ووالدها صلاح عبدالله).

يمكن إعتبار هذا الدور إنطلاقة جديدة وهامة في حياة أحمد عزّ الفنيّة. وهو الذي يحقق منذ فترة، في كلّ عمل إنطلاقة مميزة ومتجدّده. خصوصا في أفلامه ( ملاكي اسكندريه – مسجون ترانزيت – الرهينه) .وقد لعب هنا دوره بمنتهى الظرف، وإن كنت أتمنى لو أن الماكياج غطّى بعض البثور الواضحة في بشرة وجهه.

من جهته صلاح عبدالله كان كعادته عبقريا لا يتكرّر. أما دنيا سمير غانم فقد أدت دورها بعفوية وصدق. لكن شادي خلف كان إكتشافا كوميديا مفاجئا. وهو بالتأكيد سيكون نجم الكوميديا القادم.... دور لاميتا فرنجيه كان كما أغلب أدوار اللبنانيات في السينما المصرية. جميلة ولها مفاتن تستحق الذكر والظهور. لكنها بدت ذات جاذبية وأعتقد أنها أسست لمستقبل موعود في السينما المصرية على ألا تقبل لاحقا بأي دور لا يضيف اليها أمرا هاما.

الديكور والمشاهد والمناظر والتصوير

في ديكورات بمنتهى الأناقة والجمال ( سامر الجمّال)، وبألوان مريحة جدا للعين والنفس يصور سعيد الماروق مكاتب الشركة التي لا توظف إلا الجميلات إمعانا بالكوميديا اللطيفة، والموقف الساخر. أبيض وقليل جدا من الأسود هي الألوان الطاغية على ملابس المدير والموظفات ومفروشات الشركة ( ستيليست مايا حداد) بل حتى الشكل الخارجي للمبنى يوحي أنه في أميركا أو أي مكان من العالم الغربي. وقد تعمّد المخرج ألّا يصور إلا الزهو والجمال والتفاؤل في كل مشهد من مشاهد فيلمه. بل هو ذهب الى الحارة الشعبية حيث تقيم زوجة المستقبل ليطلب يدها من والدها، على قهوة فقيرة، لكن مرحة وسعيدة. هو أراد أن يجعلها قصة كوميديا صمّ، دون أي نوع من "العكننه". ووصل الى مبتغاه، فلم يترك لنا لحظة واحدة توحي أننا يجب أن نعتصر الحزن في قلوبنا. وقد إختار سعيد الماروق أجمل الأماكن في القاهرة، حتى حسبناه قد أخذ كاميراته الى لندن مرّة والى أميركا مرّة ... فإذا هو في مصر. لكن عين الكاميرا عنده لم تبرز إلا بهاء مصر وجمالها، وقد يتفاجأ كثيرون من جمهور السينما المصرية أن في مصر مثل هذا الذي صوّره سعيد وبهذا الكمّ. وسيتعرض عدد كبير من المخرجين المصريين لسؤال الجمهور لماذا لا تظهرون من مصر إلا الفقر والخراب والتلوّث ؟ فقد شاهد سعيد من مصر مساحات التفاؤل الشاسعة هذه المرّة، لا العكس.

التصوير والإضاءة

مدير التصوير وائل درويش ومدير الإضاءة هيثم زانيتا. جعلا كل زاوية في هذا العمل نقطة مضيئة وزاهية وجميلة. لم يتركا أي نوع من تفاصيل المشهد العام لا يأخذ حقّه في الظهور ولفت النظر. لقد جعلت الإضاءة من كل مشهد من مشاهد هذا الفيلم جزءا هاما من فيلم عالمي المواصفات التقنية. وقد إحترما العين الى أبعد ما يمكن. وهيأت الإضاءة للكاميرا الكثير من التسهيلات لتلتقط مشاهد يمكن التباهي بأنها أصبحت ممكنة في السينما العربية.

في الموسيقى والغناء

أغنية "تخبّي ليه" من بدائع الشاعر الكبير الدكتور نبيل خلف وألحان الموسيقار وليد سعد. وأداء بديع وساحر من المطرب وائل جسّار. الأغنية جاءت في مكانها المناسب، وموقعها في السيناريو كان مطابقا جدا. وإن كان الفيلم يركّز كثيرا في البداية على الأغنية الأميركية الشهيرة " دانس ويذ مي" إلا أن المشاهد سيعود ليكتشف أغنية وائل جسار الرومانسية ويتمنى لو أنها كانت أطول. أما الموسيقى التصويرية للفيلم والتي كتبها عمرو اسماعيل فقد كانت رومانسية وحالمة وصاخبة وقريبة جدا من القلب والأذن.

المؤثرات

لقد إستخدم سعيد الماروق المؤثرات الغريبة والعجيبة بشكل مذهل وجميل جدا... حتى الفكرة التي دخلت لتدعمها المؤثرات كانت مضحكة جدا وساخرة جدا تماما كما النكات المصوّرة. ( كمثل القطار الذي تمناه البطل ليدهس الذين يزعجونه فيظهر من خياله بشكل ظريف وناجح جدا).

الخلاصة

لا يمكن الذهاب مع فيلم "365 يوم سعاده" تجربة سعيد الماروق السينمائية الأولى الى أبعد من كون الفيلم جرعة من الضحك الخفيف والأنيق ... شيء يشبه "اللايت كوميدي" في السينما الأميركية، أو حتى الفرنسية... كلها سخاء وثراء وفخامة. وقد إستمتعت بالفيلم وضحكت كثيرا وإبتسمت كثيرا، وخرجت سعيدا لأني كنت دائما أتمنى أن أدخل السينما للترفيه لا أكثر. وهذه المرّة حققت أمنيتي كاملة دون نقصان أو "عكننه" . وقد إكتشفت أمرا هاما أن المشاهد بشكل عام يحب مشاهدة الثراء ومجتمع الأثرياء، أيضا تماما مثلما يحب البعض أن يحببنا بالتفجّع دائما على المأساة التي يعيشها من هم أكثر منّا فقرا وحرمانا وألما.

برافو سعيد الماروق... تجربة ممتازة.

أنتظر منك في الفيلم القادم، إستعراضا موسيقيا غنائيا ضخما.

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]