في أعقاب الاجراءات التي تتخذها نقابة الأطباء في البلاد، من حيث التهديد بالإضراب، واعتماد الإضراب الجزئي طوال أسبوعين مؤخرا، ومظاهرة الأطباء قبالة الكنيست اليوم الأربعاء، التقى مراسلنا بالدكتور يتسحاق بيران – نائب مدير قسم العيون في مستشفى رمبام وعضو لجنة الأطباء في المستشفى، للوقوف عن كثب عند أزمة الطب العام في البلاد.

ويحدثنا د. بيران عن الإضراب والإجراءات التي اتخذتها نقابة الأطباء العامة في البلاد قبيل عيد الفصح العبري: "في أول اسبوعين منذ بداية الاجراءات التحذيرية، لم يكن هذا اضرابا فعليا، فكانت هناك النية بالتقليل قدر الامكان من الأضرار على المرضى، ولذلك لم نختر الخوض في إضرابا شاملا، وانما اخترنا أسلوب الاجراءات التحذيرية على أساس تجريبي لبضع أيام في الأسبوع. هذه الاجراءات تضمنت اضرابا عاما ليوم كامل اسبوعيا، وعندما نقول إضرابا في الطب نتحدث عن عمل بصيغة يوم السبت، وهذا يعني أننا لا نمتنع عن القيام بواجبنا العادي لانقاذ حياة البشر، وانما فقط الامتناع عن القيام بالعمليات المخطط لها في اليوم ذاته، في بقية أيام الأسبوع كان نشاطنا عاديا، ما عدا يوما واحدا تقرر خلاله أن يكون النشاط جزئيا. نقابة الأطباء (الهستدروت الطبية)، اختارت بهذا الأسلوب بهدف تقليل قدر الامكان من الضرر على المرضى، أي ألا تحدث حالة فيها اضراب مستمر ولا يحظى المرضى بالعلاج كليا، وانما ان نحدث حالة فيها بعض التفضيل، فلا يتم تأجيل حالات طارئة بينما يتم تأجيل الحالات غير الطارئة أو الضرورية".

ويضيف: "تم تأجيل عدد من العمليات الجراحية التي كان يتوجب اجراءها، والتي بالامكان تأجيلها من ناحية مهنية، وكان ذلك عادة يتم في يوم واحد من كل أيام الأسبوع. وذلك يتم لأنه لا خيار آخر امامنا. وتم اختيار هذا الأسلوب من الاحتجاج، لكي نوّضح موقفنا مقابل بعض عدم الراحة للمرضى.

وكان أملنا أن نلفت أنظار المسؤولين والجهات المتخذة للقرارات في الحكومة بهدف تطوير المفاوضات، ولكنا مما نسمعه حتى الآن لم يطرأ أي جديد أو أي تطوّر فعلي في المفاوضات. ويقوم حاليا زملائي الأطباء بالتظاهر أمام مبنى الكنيست في القدس، في الوقت الذي تجري فيه جلسة خاصة بهذا الموضوع بمبادرة من عضوة كنيست ليست من الحكومة، بهدف وضع الموضوع على برنامج العمل اليومي وايجاد حلّ لمشكلتنا، التي تسبب عدم راحة ومعاناة غير مستحقة للجماهير، وهذه أمور لا نتحكم بها، ولكننا سنحاول تخفيفها قدر الامكان".

أما في رده على سؤال حول أسباب إعتماد هذه الإجراءات فقال د. بيران: "هناك العديد من المعلومات التي تعطى بهدف التضليل وزرع معلومات خاطئة، في نهاية الأمر هناك محوران أساسيان في نظرنا، الأول هو محور كيان جهاز صحة عام، الوضع هو أنه بسبب عدم تحويل الميزانيات والموارد اللازمة والمطلوبة لجهاز الصحة العام، يفقد هذا الجهاز من قدرته على تقديم الرد المطلوب منها، وبما أنه هناك طرق بديلة كأجهزة طبية خاصة، يحدث وضع غير محتمل يتطلب فيه المواطن العادي للتوجه لتلقي المساعدة من جهاز صحي خاص، في الوقت الذي يتوجب على جهاز الصحة العام منحه هذا العلاج والرد.

انعدام الرد هو دالّة بسيطة من الملاكات والميزانيات، وبهدف تصحيح هذا الجهاز مع التشديد على الأماكن التي فيها المشكلة أكبر، أي الضواحي، يتطلب الأمر قرارا مبدئيا بالاستثمار في الجهاز. وعندما سنّ قانون الطب العام في البلاد، اتفق أن الأموال التي تجبى من السكان مقابل خدمات الصحة، تحوّل كميزانيات لجهاز الصحة، وأن ينتج منظومة تعويض سنوية على أن تكبر الميزانية سنويا بالنسبة التي اتفق عليها، هذا الأمر لا يحدث اليوم. وفي العديد من السنوات لا تتحتلن ميزانية الصحة، أو لا يتم التعويض على سنين لا ترفع فيها الميزانية. هذا الظلم المستمر منذ سنين طويلة أرجعنا الى الوراء من حيث ما كان معتادون عليه من حيث المستوى والانجازات. وبهدف تعويض هذا التراجع علينا ان نستثمر أموالا طائلة، وهذا محور مركزي في نضالنا.

هنا يجب أن ننوه أن الوقت الذي يتطلبه هذا الأمر، يكلفنا أمرا ما دوما نحن كمواطني دولة اسرائيل، نحن نخسر من المستوى، نحن نحوّل عدد أكبر من المرضى لاستخدام الجهاز الخاص، ونحوّل الجهاز الصحي العام لأكثر اعاقة، وهذا بالضبط ما نحن لا نريده، فان من يمكنه أن يتوجه للجهاز الخاص ليس محور نضالنا، وانما ما يهمنا في نضالنا هم أولئك الذين لا يقدرون على الاستعانة بخدمات جهاز الصحة الخاص، والذين لا حل آخر أمامهم الا التوجه لجهاز الصحة العام".

ويتابع حديثه قائلا: "المحور الآخر والموازي هو قضية رواتب الأطباء، رواتب الأطباء اليوم مقارنة مع أي راتب آخر لأي شريحة أخرى في الاقتصاد في بلادنا، الكلمة الوحيدة التي يمكننا وصفه بها، هي مُخجل!!! فإذا كان على الطبيب أن يعتاش من الراتب الذي يتلقاه من العمل في جهاز الصحة العام، فهذا صعب جدا حتى مستحيل. ولذلك العديد من المعاني، ويترتب عن ذلك أنه يضطر للتوجه لجهاز الصحة الخاص ليعتاش. هذه ضرورة وحاجة وليست أمرا اختياريا".

ويستعرض الدكتور بيران الاحتمالات المعروضة لحل أزمة الأطباء في البلاد قائلا: "نحن اليوم لا ننتج عددا كافيا من الأطباء في دولة اسرائيل، وأمامنا ثلاثة احتمالات، الأول أن نقول "الموجود كافي"، وواضح أن هذه المقولة لا تفي بأي من المعايير، فالمجتمع يكبر ويتوّسع ولا يوجد عدد كافي من الأطباء. الاحتمال الثاني هو أن نكبّر مدارس الطب في البلاد، الأمر الذي يتطلب ميزانيات عديدة، ورغم أنه هناك نوايا حسنة بهذا الاتجاه، ولكن هذا لا يكفي بعد. والاحتمال الثالث هو "استيراد" أطباء من الخارج، أي أن يدرس طلاب اسرائيليون في الخارج وأن يعودوا ليمارسوا مهنة الطب في البلاد، هذا حل ليس جيدا، ولا حاجة لأن يكون أصلا. فلا سبب لأن نعلّم هؤلاء الأطباء هنا في البلاد. افتتاح كلية الطب الجديدة في صفد هو خطوة حسنة بهذا الاتجاه ويجب أن تستمر".

في اسرائيل تصل نسبة الأسرة في المستشفيات الى 1.93 أسرّة لكل ألف نسمة، بينما في بريطانيا، 2,6، وفي الولايات المتحدة 2,7، وفرنسا 3,6، وفي ألمانيا 5,7، بينما في اليابان 8,2 أسرة لكل ألف نسمة. مؤخرا وقّعت وزارة الصحة على اتفاقية لتزويد المستشفيات في البلاد بقرابة الألف سرير إضافية سنويا، مما يبقي بؤرة نور في ظل الأزمة الطبية في البلاد، فيقول دكتور بيران: "القول أن المستشفى بحاجة لزيادة أسرة المرضى، لا يتطرق فقط لعدد الأسرّة، وانما أيضا لكل ما هو حول ذلك، من حيث عدد الأطباء والممرضات والطواقم الطبية المساعدة والمعدات... بالطبع أن هذا الأمر يتطلب ميزانيات اضافية، ونحن اليوم من حيث الدول المتقدمة، احدى الدول التي فيها أقل عدد أسرة نسبة لتعداد السكان فيها، وهذا يدل نوعا ما على ما نقدّمه للمواطنين الذين يحتاجون ذلك، ولا شك أنه هناك حاجة لزيادة الميزانيات وتوسيع الخدمات".

أما في رده على سؤال حول مستقبل الإضراب، اذا صحّ استعمال هذا المصطلح: "يصعب عليّ أن أتوّقع ماذا سيحدث مستقبلا، لأن الأمر متعلق بما يحدث في المفاوضات بين الأطباء والجهات المسؤولة ومتخذي القرارات، من وزارة المالية، وزارة الصحة، وعلى ما يبدو في نهاية الأمر رئيس الحكومة"!!!

وينهي د. بيران حديثه باعتذار، قائلا: "أعتذر من كافة المواطنين الذين يجدون أنفسهم للأسف، وليس تحت سيطرتنا، ويتضررون جراء ذلك، نحن نحاول التخفيف من وقع الضرر قدر الامكان، ونأمل اننا ننجح في ذلك، ونعتذر لكل ضرر يحدث، لأنها تحدث فقط للأحسن، آملين أن تعطينا المعاناة القليلة التي نتسببها للمرضى، بعض الثمار وأن تعود علينا بالخير لتحسين ظروف الطب العام في البلاد مستقبلا".

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]