تعتبر الموسيقى ، لدى كل شعب من شعوب هذا العالم ، معلمًا أساسيًا من معالم حضارته وتمثل انعكاسًا لهذه الحضارة أمام العالم بأسره..
ولأن مكتبة الفولكلور الفلسطيني تعد مكتبة غنيّة وقيمة تحتوي أغنيات عديدة تحمل في مضامينها معانٍ وحكم عديدة بالإضافة إلى أنها تعكس مراحل القضية الفلسطينية ببساطة وسلاسة يسهل فهمها وحفظها ، التقى مراسلنا الباحثة في الفلكلور الفلسطيني نائلة لبّس التي أصدرت ،خلال حياتها، عدة كتب تضم الأغنيات الفلسطينيّة الشعبيّة بكلماتها الصحيحة بهدف إحياء الفلكلور بالإضافة إلى تسجيلها أكثر من "سي.دي" يضم أغنيات فلكلورية بصوتها ، وقد وضحت السيدة لبّس ،خلال حوارنا، قيمة الأغنية الفلسطينية وتحدثت بحرية أمام عدستنا عن الصعوبات التي واجهتها خلال رحلة جمع الفلكلور التي بدأت منذ عام 1984 ولا تزال مستمرة حتى اليوم ..
كنت ألاحق الأعراس لأحفظ الأغاني وأضمها إلى مجموعتي..
بدأت نائلة حديثها قائلة : لقد بدأت أجمع أغنيات الفلكلور الفلسطيني منذ عام 1984 بعد أن أقامت المدرسة التي كنت أعمل فيها كمعلمة أسبوعًا للتراث حيث شعرت بقيمة هذا الكنز الذي يختفي مع مرور الأيام وتطور الحياة ، وقررت أن أباشر بجمعه دون انتظار دعم من أحد سواء كان هذا الدعم ماديًا أو معنويًا ، وعليه ، زرتُ مكتبة جامعة حيفا حينها لكي احصل على بعض الموارد والمعلومات التي تلزمني لتحقيق غايتي ، بالإضافة إلى توجهي لأشخاص كثر كان لهم ، عندها ، باعٌ طويل وتجربة غنيّة مع الأغنيات الشعبية والتراثية..
ثم ضحكت وأضافت قائلة:كما إنني قد كنت ألاحقُ الأعراس المارة من أمام بيتي لأحفظ الأغاني التي تُغنّى خلالها وأعود لأضمها إلى مجموعتي ..
تابعت : لا بد من التأكيد إن عملية جمع الفلكلور لم تكن صعبة بقدر الخطوة التي تلتها وهي عملية تركيز أبيات الأغنيات والبحث عن النصوص والمفردات الصحيحة في كل بيت في الأغنية ، حيث إننا لا نزال نغنّي الكثير من هذه الأغنيات بكلمات خاطئة ، ولكن من واجبي التنويه إلى أن المثل الذي يقول :"خطأ شائع خيرٌ من صحيح مهجور" لا يمكن أن يتماشى مع الأغاني الفولكلورية التي تعبّر ، كل واحدة منها ، عن حالة أو حادثة عاشها أبناء شعبنا وغنّوا لها أغنية من أجل تخليدها فأي خطأ في الكلمات من الممكن أن يبدّل المعنى ويغيّر المضمون الذي تحتويه الأغنية ..
أعتبر نفسي عنصرًا هامًا في عملية إحياء التراث الفلسطيني والأعراس الفلسطينيّة..
في مطلع عام 1989 قمت بإصدار كتابي الأول الذي أتى بعنوان : "الأغاني الفلكلورية النسائية لمناسبة الخطبة والزواج" ، وأكادُ أجزم إن مهمة إصداره كانت من أصعب المهام التي قمت بها خلال حياتي ، حيث كانت هناك صعوبة بالغة في تفسير أبيات الأغاني وإظهار المعاني الصحيحة للناس (هناك عدة أمثلة على بعض الأخطاء الشائعة في طريقة غنائنا ، شاهدوا الفيديو المصور) .
زادت نائلة قائلة : بالرغم من استغراق هذا الكتاب مدة تجاوزت الأعوام الخمسة قضيتها في العمل الجاد من أجل تجهيز محتوياته وإصداره ، إلاّ أن الحفاوة الكبيرة التي استقبله بها الناس كانت كفيلة بأن تنسيني كل التعب والجهد وتملأني فخرًا وسعادة ، ومنذ ذلك الحين صرت أعتبر نفسي عنصرًا هامًا في عملية إحياء التراث الفلسطيني والأعراس الفلسطينيّة..
دائرة الثقافة طبعت 1000 نسخة من كتابي حصلتُ على 400 منها فقط..!
عن تمويل طباعة الكتاب وتوزيعه أخبرتنا نائلة إنها لم تتلقى أي دعم من أي جهة كانت إلا من دائرة الثقافة التابعة لوزارة المعارف التي قبلت ،بدورها، أن تطبع 1000 نسخة من الكتاب شريطة أن تحصل الوزارة على 600 منها ويبقى لي 400 نسخة فقط .. ولأنني لا أملك حلاً آخرًا .. قبلتُ ..!
تابعت : بعد أن نجحت خطوتي الأولى في هذا المجال قررتُ الاستمرار وأصدرتُ حتى الآن أربعة كتب أخرى كان أولها في عام 1992 وهو كتاب بعنوان "أغانينا النصراوية شاميّة وجاي من الشام" ، تلاه إصدار ثالث عام 1996 وهو عبارة عن كرّاس بعنوان "من معتقداتنا الشعبيّة .. صيبة العين" ومن الجدير بذكره إن جميع نسخ هذا الكرّاس قد نفذت وأفكر جديًا في إعادة طباعته بطبعة جديدة .
جمع أغنيات الأطفال .. مهمة صعبة وشاقّة ..
وعن نصيب أغنيات الأطفال الفلكلورية من إصداراتها قالت : علي أولاً أن أشير إلى أن ألأغنيات المخصصة للأطفال تعد الأصعب في عملية الجمع وتتطلب جهدًا كبيرًا وذلك يعود إلى أن الناس يبحثون دومًا عن الأغنيات التي تُحاكي الشباب ، لكنني قمت بإصدار كتابان يحتويان أغنيات فلكلوريّة للأطفال وهما : "الأمومة والطفولة في الفلكلور .. يا ستّي ويا ستّي" عام 2003 و"قريمشة يا قريمشة" في عام 2010 .
أضافت : لا بد من التأكيد على أنني قد قمت بإلحاق "سي.دي" أغاني سجلتها بصوتي مع كل كتاب أصدرتُه ولم أكتفي بكتابة كلمات الأغنيات والمواقف التي تُغنّى ، هذه الأغنيات ، خلالها فقط..
ختمت نائلة حديثها بأملها أن تجد من يتابع مسيرتها بعدها ويحمل إيمانها ذاته في أهمية المحافظة على الأغنيات الفلكلورية الفلسطينية التي عملت وتعمل بجد على نشرها وإعادة إحيائها سواء عن طريق إصدارها الكتب أو عن طريق المحاضرات التي تلقيها في كل مناسبة تُدعى إليها .
[email protected]
أضف تعليق