ارتبط رمضان بعد الإسلام بالكثير من المناسبات والعادات والتقاليد الجديدة التي ظهرت ولم يكن العرب يعرفونها من قبل من بينها: "المسحراتي" وهو رجل يطوف بالبيوت ليوقظ الناس قبيل أذان الفجر يضرب على الطبلة ويردد بعض "الأناشيد والموشحات" مثل :"اصحى يا نائم وحد الدائم" أو "سحور يا عباد الله".

وأحيانا ينادي أهل الحي كل باسمه نظير أجر رمزي يجودون به عليه وقد يصاحب المسحراتي ابنه الذي يرث هذه المهنة من بعده وكان يحمل مع والده الفانوس، لما كانت إنارة الشوارع محدودة ، وهي عادة تكاد تكون مشتركة بين الدول الإسلامية وخاصة في القرى الريفية ولكن المدنية تكاد تقضي عليها ولكنه لا يزال صوت المسحراتي يتردد لحد الآن في بعض مدن وقرى فلسطين وإن خفت سطوته وكان الجميع يعتمدون عليه في نهوضهم للسحور. أما اليوم فلا يرغب بعضهم بالاستيقاظ للسحور، أو يفضلون الاستيقاظ في وقت معين معتمدين على ساعة المنبه.

ويقول المواطن أبو صالح من مخيم بلاطة بنابلس الذي لا يزال يشهد نشاطا للمسحراتي حتى الآن، "أن المسحراتي له احترام كبير ويحظى بمكانة اجتماعية عالية بين المواطنين خصوصا وانه يقوم بخدمة الصائمين ويضيف ان الناس يتعاطفون مع المسحراتي ويقومون بإعطائه بعض المال أو الطعام خاصة في نهاية الشهر الفضيل وأيام العيد تقديرا لجهوده".

ويضيف إن ظهور المسحراتي ارتبط بحاجة الناس إلى من يوقظهم من النوم في ليل رمضان، فلم يعرف الناس قديما وسائل الإعلام أو التنبيه، وكانت الوسيلة الوحيدة المتاحة هي القناديل التي تعلق بين مآذن المساجد ويستدل من نورها على وقت الامتناع عن الطعام "

عادات رمضانية تغيب

على الرغم من احتفاظ الفلسطينيين بالكثير من العادات والتقاليد التي ترافق شهر رمضان الكريم إلا أن الكثير من كبار السن يؤكدون أن عددا من العادات الرمضانية الجميلة غابت خلال الأعوام الأخيرة لدرجة أن بعضها انتهت تماما ومع ذلك فهم يأملون في إمكانية أن تتجدد يوما ما لتعيد لشهر رمضان بريق عادات وتقاليد وألعاب شعبية كانت إحدى ميزاته الرائعة ..

يقول "الحاج أبو منذر (67 عاما) من مدينة نابلس "ارتبطت منذ طفولتي بالمسحراتي؛ حيث كنت أحمل الفانوس مع الأطفال وننتظر قدوم المسحراتي للخروج والتجول معه أثناء نداءاته، فكان ذلك مصدر سعادة لنا، وكنا نردد معه أيضا بعض نداءاته مثل: "وحدوا الله يا صايمين وقومو تسحروا يا عباد الله "، أما الآن فلم يعد يحدث ذلك لاختفاء المسحراتي حاليا.واصبح الناس يخافون من اقتحامات قوات الاحتلال للمدينة .

أما المواطن محمود فيقول: أعتقد أن السبب في الارتباط بالمسحراتي هو دقات الطبلة التي كان يحملها في يده و يدق عليها؛ فهي شيء غريب يجذب انتباه الأطفال ويجعلهم يتجولون مع المسحراتي ويصفقون ويتغنون معه، من هنا كانت العلاقة القوية بين الأطفال والمسحراتي، ما جعلنا نرتبط به عاما بعد عام.

مسحراتي نيو لوك بنابلس

وفي نابلس، أصبح المسحراتي عبارة تقليد يستخدم لاستقطاب المتسوقين في المدينة أو دفعهم للذهاب إلى مقاهي معينة دون غيرها من المقاهي، حيث يلبس أحد المواطنين اللباس التقليدي الفلسطيني ويحمل طبلا ويقوم بالدق عليه من أجل لفت انتباه المارة إليه أو إثارة فضولهم أو التحدث معهم لإجبارهم على الدخول إلى المحل التجاري.

ويقول أنس المشني أحد أصحاب المقاهي وسط المدينة إنه قام بإحضار احد أصحابه للعمل في المقهى الخاص به لمدة شهر واحد كـ"مسحراتي" من اجل استقطاب الجمهور للدخول إلى المقهى والجلوس فيه.

في ذات السياق، تراجع الدور التقليدي للمسحراتي في مدينة نابلس وفي عموم الأراضي الفلسطيني لصالح مكبرات الصوت المنطلقة من المساجد والتي تسهم في إفاقة الصائمين للسحور وهو الدور المفترض للمسحراتي حتى فترة قريبة.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]