في مسيرة حياتها حيثُ مسقط رأسها الطيرة، إلى بيتها في كوكب أبو الهيجاء، طريقٌ طويل، حافلٌ بالخطوات نحو الأفضل، مكللٌ بالسعي نَحو العلم والمعرفة، فيه متنفسٌ بعض الوقت للراحةِ وللاستراحةِ والسفر الطويل أو القصير... مشيًا على الأقدام أو سفرًا بالطائرة، كلُ الدورب تسُهلُ أمام الطموح العلمي... هكذا أرادت وهذا ما كان للبروفيـسـور فاديا ناصر أبو الهيجاء.
خلال اللقاء الذي جمعني بالسيدة فاديا، أحببتُ أن أتعرف على شخصيتها، وعلى نجاحها عبر تقليب بعض الصفحات في تفاصيل حياتها، بينما لم تبخل هي بالرد عن أسئلتي بهدوءٍ وصراحة...
بطاقة فاديا ناصر ابو الهيجاء
"متزوجة وأقيم في قرية كوكب أبو الهيجا، وُلدت في الطيرة بالمثلث وانهيتُ المرحلة الابتدائية والثانوية في البلدة، بعدها حصلتُ على اللقب الأول في موضوع العلوم أما اللقب الثاني فكان في موضوع التقييم التربوي والإحصاء، وكلا اللقبين حصلتُ عليهما من جامعة تل أبيب، أما اللقب الثالث فكان في مجالي التقييم التربوي والإحصاء من جامعة جورجيا في الولايات المتحدة.
وفي ما يتعلق بعائلتي، نحن 10 أشقاء، والدتي لم تزر المدرسة، ووالدي انهى التعليم الابتدائي في زمن الانتداب، بينما اهتمّ والدنا بتعليمنا، ومعظم الأشقاء يحملون ألقابًا، ولي شقيقٌ أصغر مني يحمل لقب بروفيسور.
وكان لدعم الأهل وتشجيعهم لأبناء سببًا رئيسًا في مواصلة الدرب نحو العلم... أما فيما يخصني أنا، فقد أكون غرقت بعض الشيء في التعليم، ووجدتُ نفسي أظلُ أصبو الى الأفضل"...
التحدي...
" اعتبر اختياري للسير في طريق العلم، مسألة فيها الكثير من التحدي، ان تخرج صبية من القرية في السبعينات وتتجه الى الجامعة، كانت القصة تحدي... فالبداية لم تكن سهلة، ولم يكن تحصيلي خلال اللقب الأول كما توخيت، وربما هذه مشكلة الطلاب في اللقب الأول وبعده يصبح الطلبة متمرسين ويصبح اللقب الثاني اسهل، حتى انهم يبرزون خلال المحاضرات والنقاشات ويقومون بالأعمال الأكاديمية على خير ما يُرام، وهذا أراه عند طلابي، الأمر الذي لم يكن سهلاً في هذه المرحلة من حياتي، إذ لم يكن التأخُر والغياب عن البيت أمرًا مقبولاً، الأمر الذي ذللـه دعم العائلة، اضافة انّ عدد الفتيات اللواتي يتعلم في الجامعة لم يكن يتعدى أصابع اليد الواحدة".
المشوار العلمي
"في البداية، كنت ككل فتاةٍ أود الحصول على وظيفة مدرّسة، لكنني في فترةٍ لاحقة وجدتُ نفسي أميل الى موضوع العلوم كنوعٍ من التحدي، وحين انهيت تعليمي الجامعي عُينت مدرّسة في اعدادية الطيرة، حيث عملت أربع سنوات، وحين انتقلت الى المدرسة الثانوية بقيتُ المعلمة الثانية في المدرسة كلها، وبعد أن شعرتُ بالملل من الروتين، قررتُ مواصلة دراستي لنيل اللقب الثاني، وهذا ما كان بالفعل... الرحلة في طريقي الى اللقب الثاني لم تكن قصيرة، لأنني كنت اعمل كمدرّسة بوظيفة وثلث واحضّر للبجروت في موضوعي البيولوجيا والرياضيات ما يعني انّ وقتي ليسَ ملكي، لكنها رحلة ممتازة ففي النهاية حصلت على اللقب بامتياز، كنتُ استطيع ان اواصل تعليمي للقب الثالث في جامعة تل أبيب، لكني حصلت على منحة (مكرّسة للطلاب العرب من السفارة الامريكية)، وكنت اول فوج من الطلبة الذين يحصلون على المنحة، فسافرتُ الى الولايات المتحدة وحصلت على اللقب الثالث عام 1997 من جامعة جورجيا.
وفور عودتي الى الطيرة عملت في كلية بيت بيرل والمدرسة الثانوية في البلدة بالتوازي، لكنني تخليتُ عن العمل في البلدة، ليتركز نشاطي في بيت بيرل وبعدها حصلت على منحة بوست دكتوراة في جامعة تل أبيب وبعد عامٍ حصلت على منحة "معوف" المخصصة للمحاضرين لاستيعاب المحاضرين العرب في الجامعات الاسرائيلية، فصرتُ واحدة منهم، وشرطُ المنحة ان تأخذ الجامعة على عاتقها ان تمنح (تثبيت) للمحاضر في حالة اثبت نفسه بعد ثلاث سنوات وهذا ما حصل فقد تمّ تمديد تعييني واخذت تثبيت في العام 2004، في جامعة تل أبيب في كلية التربية في موضوع البحث التربوي والاحصاء والتقييم. وهكذا حصلت على شهادة محاضر كبير في العام 2004، وهذه السنة الـ 2010 حصلت على لقب بروفيسور".
لقب بروفيسور
"عليّ أن أشير لقب بروفيسور ليس اختياراً أو تعييناً، فهناك اربع درجات في الجامعة: محاضر، محاضر كبير، بروفيسور زميل، بروفيسور، انا وصلت لدرجة بروفيسور زميل . وهذه الدرجات تمنح حسب العمل الأكاديمي، دون احصاء سنوات التجربة التعليمية، وهناك مقاييس واضحة تُبنى وفق المقالات التي يقوم المحاضِر بنشرها في مجلة علمية... فالمحاضِر لديه سيرة ذاتية من خلالها يتم متابعة المقالات التي يقوم بنشرها والمؤتمرات التي يحضرها والكتب التي يكتبها، فصحيح انهم قد يأخذون مسألة التعليم والتربية بعين الاعتبار، لكن المحك الأساسي هو عدد المقالات التي نُشرت في مجلات علمية والتي تمر بتقييم، وطبعًا لا تُحسب المقالات التي تُنشر في صحفنا المحلية، بل أنّ التقييم يكون في المجلات العلمية وباللغة الانجليزية وقسم قليل باللغة العبرية إن وُجِد".
رسالة تربوية
"أحاول ان أوصل للطالب ضرورة ان يؤمن بنفسه قبل كل شي، ولطالما تحدثت الى طلابي اننا جميعًا لدينا العوامل الفيزيائية والاجتماعية التي تشكل أهمية في حياتنا، وتؤثر في نهجنا، لكن في رسالة التعليم أعتقد انّ المعلم هو المقرر الأساسي الذي يبلور نوعية الطالب، وهو الذي "يعدي" طالبه في ايمانه برسالة العلم والتعليم، و"يعدي" الطالب في ثقته بنفسه، فالمعلم الواثق بنفسه من ناحية مهنية ويؤمن بقدرة الطالب وبقدرته عليه أن يسعى لتغيير الطالب للاتجاه الصحيح والايجابي وباستطاعة المعلم ان يساعد الطالب على الاستقلالية في التفكير وعلى الابداع، انه هو بسط الاشياء للطالب حتى يستطيع ان يتعامل معها ويفهمها، وهذا هو الأمر الأساسي والأهم من وجهة نظري في عملية التربية. وإذا لم نفهم ان الطالب لديه قدرات ويجب ان يستعملها بطريقة ايجابية، معنا ذلك اننا نتركهم خلفنا، وهذا ما يُخلِف طلابًا انهوا تعليمهم الابتدائي او الثانوية وليس لديهم مهارات وهذه مشكلة المشاكل".
مشاكل الطلاب العرب
"من بين المشاكل التي تواجه الطالب العربي هي عدم قدرته على الخروج من اطار بيئته القروية والعائلية التي يعيشها، فرغم تعليمه الأكاديمي الذي يبعده عن واجباته العائلية الا انه يظل غير قادر على اعطاء تعليمه جُلّ وقته وتراه ينشغل بالواجبات العائلية ولا يستطع ان يجد أو يخلق لنفسه جوًا تعليميًا كافيًا، وكثير من الطلاب صرحوا لي انهم لا يعرفون الدراسة في البيت، فقد ينشغل بالاجتماعيات وصحبة الأهل والأصدقاء، ما يعني ان تكون دراسته في المرتبة الثانية، إنها احد المشاكل التي تحتاج الى حل، والحل هو تنظيم الوقت، وهي عملية صعبة لم يعتد عليها طلابنا في المدارس وفي البيت، فالطالب العربي كما هي حياتنا بشكل عام، لا يوجد فيها سلم أفضليات مرتبط بعامل الوقت، لذا يتأخر طلابنا حتى في الجامعات عن تقديم وظائفهم في الوقت المحدد.
أما المشكلة الثانية والتي لا تقل أهمية عن سابقتها فهي ايجاد متهم، أو شماعة نعلّق عليها اخطاءنا، فكثيرًا ما نتهم البيت بالتقصير او القرية او رئيس المجلس او رئيس الدولة، ولا ننكر ان في الادعاء بعض من الصدق، لكننا حتى الآن لم نستطع ان نصل الى قناعة اننا يجب ان نغيّر نحنُ بأنفسنا، والفرق بين الانسان الذي يصل والذي لا يصل ليس في كمية المخ الموجود في رأسه بل هي المثابرة وأن لا نرفع أيدينا أمام العقبات، واذا ما سقط أحدنا يستطيع أن ينهض ويكمل مشواره".
فتياتنا العربيات واختيار مهنة التدريس
" اتساءل ان كانت الفتيات هن اللواتي يخترن أو يُختار لهن، وهذه مسألة تحتاج الى بحث..
ولكن بشكلٍ عام هذه الظاهرة وجودة في جميع المجتمعات، خاص أنّ هناك نظرة ان المواضيع التربوية والثقافية والاجتماعية تناسب الفتاة أكثر من الشاب، وبالتأكيد في مجتمعنا تظهر هذه النظرة بصورة جلية... وفي المجتمعات الغربية يُنظر الى المواضيع وفق وظيفة الجندر (الجنس) فالعلوم والرياضيات والتكنولوجيا، يظن البعض انها تناسب الشباب اكثر، أما الخدمات الاجتماعية والتمريض وفهي كما يتصورون تناسب الفتيات اكثر وبما فيها مهنة التدريس.
أما أنا ووفق اعتقادي فإنّ اختيار الفتيات لا ينبع حتمًا من كونهن مقتنعات او يلمن الى هذه المهن التي اخترنها او اختيرت لهن، وهذه مشكلة في التعليم العربي، فإن لم يختر الانسان مهنته كرسالة ويقتنع بها لن يؤديها كما يجب ان تؤدى. فحتى لو كان الشخص نابغة، ولا يأخذ المهنة برغبةٍ وحُبٍ شديدين فإنه لن يُقنع الآخرين، وأقصد طلابه... هذه مشكلة المشاكل في مدارسنا، والمشكلة الأخرى انّ اتجاه الفتيات الى مهنة التدريس أنتج وبطالة كبيرة، فهناك 7000 أكاديميًا لا يجد وظيفة له في صفوف المدارس".
"سنحذو حذوكِ!!!"
"انا اؤمن بشكل قاطع انّ من يسعى للعطاء ونقل الصورة الأحسن لمجمتعه، فإن المجتمع كله سيستفيد، لا اتحدث عن نفسي فقط، اتحدث عني وعنك وعن الجميع، فمن يقدم نفسه بطريقة صحيحة لمجتمعه فبالتأكيد يفيد مجتمعه. أنا لا أقيس ماذا أفعل يوميًا، وما جمعته من عملٍ وتجربة، بل اتطلع إلى طلابي الذين علمتهم في الثانوية ومن خلال ردود فعلهم عندما التقي بهم أرى، وألمس عن قرب أيُ المراكز يتبوأون ، فبينهم محامون واطباء ومهندسون وهم ليسوا بقلة..
وأيضًا من خلال عملي في الجامعة اعتقد ان الطلاب يرون بي مثالاً وعنوانًا يتوجهون اليه كلما احتاجوني، بغض النظر عن انتمائهم القومي، عربًا ويهودًا، اشعر بالفخر انني معهم، وأنني منهم، ولي مكانة خاصة للفتيات، فلطالما سمعتهم يقولن "سنحذو حذوك"، ويكفيني هذا القول، لأشعر بالراحة".
سر النجاح...
"إنّ وصولي الى مكانتي هذه، يعني لي ولغيري ان لا شيء مستحيل، وهذا ما اؤمن به، وأنا على ثقة تامة، وهي حقيقة ملموسة، انّ من يوظف جميع طاقاته في هدفٍ ما، فإنه سيصله حتمًا، وليس شرطًا ان اكون بروفيسور حتى اكون انسانًا متميزًا او ناجحًا، فكلُ شخصٍ يصل الى ما يصبو اليه وينجح فيه يستحق الاحترام، إنني اتحدث عن تحقيق الذات في أي عملٍ نحبه ونتقنه، فالبنّاء، على سبيل المثال، الذي ينجح في انجاز بيتٍ جميل، هو عظيم، واحترمه كرئيس دولة"...
جامعة عربية للفلسطينيين في الداخل!
"في الواقع الموجود اليوم ومن الامثلة التي نراها لا اظن ان مصلحة العربي في البلاد ان يكون له جامعة عربية بالنمط الموجود اليوم.
يجب الا نعمل بمستوىً يقل عن المستوى العالمي، وان لم يكن لدينا الآليات الكافية اذا ما قامت جامعة، وان لم تكن تلك الآليات وفق المحكات وأفضل المقاييس العالمية، فإنني أرفض قيام هذه الجامعة".
* ماذا تقصدين بالآليات؟!
ان نعمل بشفافية تامة، فتكون توظيفاتنا ، قبول طلابنا، تخريج طلابنا، تسيير الأمور الأكاديمية بشفافية، وبمستوىً علمي عالمي، والا فلن تكون هنالك حاجة لجامعة...
ورأيي أننا يجب اولاً ان نؤمن بهذه الاشياء ونثبتها ونطالب ان يزيد عددنا في الجامعات الموجودة، وأن يكبر عدد طلابنا ومدرسينا وليس فقط في الجامعات بل في جميع المؤسسات والجمعيات، وان نكون في مواقع اتخاذ القرار، وان نقرر نحن في مناهجنا وفي كيفية ادارة تعليمنا...
هناك يجب ان نكون نحنُ، في المكان الذي لسنا فيه... فنحنُ لا نمثّل في مواقع صنع القرار، ونسبتنا تفوق ما هو موجود... ونحن لسنا اقل من اي فئة موجودة اليوم وما يحق لغيرنا يحق لنا، ويحق لنا من خلال هذه الهيئات، على ضوء وضع التعليم العربي وما وصل اليه اليوم، فلا نريد ان نعمّق المأساة.
وطلبي انا بشكل ذاتي ان اكون ممثلة في كل هيئة تتخذ قرارًا، حتى يكون صوتي ويسمع صوتي ويلبى طلبي، وإلا أكون في الدرجة ب، لا نريد جامعة خاصة لأقليةٍ ما... ونموذج جامعة هاورد خيرُ نموذج، فالجامعة لم تصل الى ما تصبو اليه، واقتصرت على أقلية (زنوج) وهي تدرّس بالأساس مواضيع اجتماعية...
ولا انكر احتياجنا الى جامعة والى تعدديات ثقافية، لكن مسألة المستوى العلمي هي في المرتبة الأولى ويجب الا نقبل بأقل منها".
آفة العنف في المدارس
"العنف في المدارس سببه الشارع والجو الذي نعيش فيه، سببه، العنف الذي يتابعه الاولاد في الميديا طوال الوقت، وما يرونه في الشارع وفي الحارة وفي البلدة... صبيحة كل اليوم نستيقظ على حادثة اطلاق نار، سرقة، احراق سيارة... في هذه البيئة يعيش الطالب العربي... فماذا يمكنه ان يفكره أو يلمس... انه يعيش بيئة مغلقة... آفات يومية لا تنتهي، ونحنُ نخرج من البيت ونعود اليه... ثم هناك مجالسنا المحلية شبه اليائسة.. واتهاماتنا المتكررة بالشارع العربي، وتقصير الشرطة، ولا شك ان من نتهمهم مذنبون، لكن ما هو الحل في ظل ما نواجهه؟!! الحل أن نُشغل الطلاب بفعالياتٍ تربوية، بدعم المجتمع لطلابه من خلال النوادي والمكتبات والدورات المختلفة، والتربويون في المدارس يعطون ما لديهم وينقلون الرسالة، لكن الطالب في النهاية يعود الى بيته، الى جوه الاسري، والى قريته... ولا يمكن للمعلم ان يغيّر طالبًا فالطالب ليس معجونة بيد المعلم، انه يُصقل من خلال حياته اليومية... ثم ان مكانة المعلم لم تعد كما كانت، وهذا ينعكس بالتأكيد على الطالب، والحل الأنسب برأيي هو تكثيف الوسائل التربوية، وسعي الأهل لتوفير أجواء أسرية وتربوية، تعيد للمعلم احترامه، وللإنسان مكانته، وتعيد للقراءة والثقافة والاطلاع دوره، من خلال زيارة المكتبات... ولا يكتمل هذا الوضع الا بالتعاون بين أصحاب المراكز ورجال التربية وبين الأهل، لعل هذه الآفة تنتهي".
خلال اللقاء الذي جمعني بالسيدة فاديا، أحببتُ أن أتعرف على شخصيتها، وعلى نجاحها عبر تقليب بعض الصفحات في تفاصيل حياتها، بينما لم تبخل هي بالرد عن أسئلتي بهدوءٍ وصراحة...
بطاقة فاديا ناصر ابو الهيجاء
"متزوجة وأقيم في قرية كوكب أبو الهيجا، وُلدت في الطيرة بالمثلث وانهيتُ المرحلة الابتدائية والثانوية في البلدة، بعدها حصلتُ على اللقب الأول في موضوع العلوم أما اللقب الثاني فكان في موضوع التقييم التربوي والإحصاء، وكلا اللقبين حصلتُ عليهما من جامعة تل أبيب، أما اللقب الثالث فكان في مجالي التقييم التربوي والإحصاء من جامعة جورجيا في الولايات المتحدة.
وفي ما يتعلق بعائلتي، نحن 10 أشقاء، والدتي لم تزر المدرسة، ووالدي انهى التعليم الابتدائي في زمن الانتداب، بينما اهتمّ والدنا بتعليمنا، ومعظم الأشقاء يحملون ألقابًا، ولي شقيقٌ أصغر مني يحمل لقب بروفيسور.
وكان لدعم الأهل وتشجيعهم لأبناء سببًا رئيسًا في مواصلة الدرب نحو العلم... أما فيما يخصني أنا، فقد أكون غرقت بعض الشيء في التعليم، ووجدتُ نفسي أظلُ أصبو الى الأفضل"...
التحدي...
" اعتبر اختياري للسير في طريق العلم، مسألة فيها الكثير من التحدي، ان تخرج صبية من القرية في السبعينات وتتجه الى الجامعة، كانت القصة تحدي... فالبداية لم تكن سهلة، ولم يكن تحصيلي خلال اللقب الأول كما توخيت، وربما هذه مشكلة الطلاب في اللقب الأول وبعده يصبح الطلبة متمرسين ويصبح اللقب الثاني اسهل، حتى انهم يبرزون خلال المحاضرات والنقاشات ويقومون بالأعمال الأكاديمية على خير ما يُرام، وهذا أراه عند طلابي، الأمر الذي لم يكن سهلاً في هذه المرحلة من حياتي، إذ لم يكن التأخُر والغياب عن البيت أمرًا مقبولاً، الأمر الذي ذللـه دعم العائلة، اضافة انّ عدد الفتيات اللواتي يتعلم في الجامعة لم يكن يتعدى أصابع اليد الواحدة".
المشوار العلمي
"في البداية، كنت ككل فتاةٍ أود الحصول على وظيفة مدرّسة، لكنني في فترةٍ لاحقة وجدتُ نفسي أميل الى موضوع العلوم كنوعٍ من التحدي، وحين انهيت تعليمي الجامعي عُينت مدرّسة في اعدادية الطيرة، حيث عملت أربع سنوات، وحين انتقلت الى المدرسة الثانوية بقيتُ المعلمة الثانية في المدرسة كلها، وبعد أن شعرتُ بالملل من الروتين، قررتُ مواصلة دراستي لنيل اللقب الثاني، وهذا ما كان بالفعل... الرحلة في طريقي الى اللقب الثاني لم تكن قصيرة، لأنني كنت اعمل كمدرّسة بوظيفة وثلث واحضّر للبجروت في موضوعي البيولوجيا والرياضيات ما يعني انّ وقتي ليسَ ملكي، لكنها رحلة ممتازة ففي النهاية حصلت على اللقب بامتياز، كنتُ استطيع ان اواصل تعليمي للقب الثالث في جامعة تل أبيب، لكني حصلت على منحة (مكرّسة للطلاب العرب من السفارة الامريكية)، وكنت اول فوج من الطلبة الذين يحصلون على المنحة، فسافرتُ الى الولايات المتحدة وحصلت على اللقب الثالث عام 1997 من جامعة جورجيا.
وفور عودتي الى الطيرة عملت في كلية بيت بيرل والمدرسة الثانوية في البلدة بالتوازي، لكنني تخليتُ عن العمل في البلدة، ليتركز نشاطي في بيت بيرل وبعدها حصلت على منحة بوست دكتوراة في جامعة تل أبيب وبعد عامٍ حصلت على منحة "معوف" المخصصة للمحاضرين لاستيعاب المحاضرين العرب في الجامعات الاسرائيلية، فصرتُ واحدة منهم، وشرطُ المنحة ان تأخذ الجامعة على عاتقها ان تمنح (تثبيت) للمحاضر في حالة اثبت نفسه بعد ثلاث سنوات وهذا ما حصل فقد تمّ تمديد تعييني واخذت تثبيت في العام 2004، في جامعة تل أبيب في كلية التربية في موضوع البحث التربوي والاحصاء والتقييم. وهكذا حصلت على شهادة محاضر كبير في العام 2004، وهذه السنة الـ 2010 حصلت على لقب بروفيسور".
لقب بروفيسور
"عليّ أن أشير لقب بروفيسور ليس اختياراً أو تعييناً، فهناك اربع درجات في الجامعة: محاضر، محاضر كبير، بروفيسور زميل، بروفيسور، انا وصلت لدرجة بروفيسور زميل . وهذه الدرجات تمنح حسب العمل الأكاديمي، دون احصاء سنوات التجربة التعليمية، وهناك مقاييس واضحة تُبنى وفق المقالات التي يقوم المحاضِر بنشرها في مجلة علمية... فالمحاضِر لديه سيرة ذاتية من خلالها يتم متابعة المقالات التي يقوم بنشرها والمؤتمرات التي يحضرها والكتب التي يكتبها، فصحيح انهم قد يأخذون مسألة التعليم والتربية بعين الاعتبار، لكن المحك الأساسي هو عدد المقالات التي نُشرت في مجلات علمية والتي تمر بتقييم، وطبعًا لا تُحسب المقالات التي تُنشر في صحفنا المحلية، بل أنّ التقييم يكون في المجلات العلمية وباللغة الانجليزية وقسم قليل باللغة العبرية إن وُجِد".
رسالة تربوية
"أحاول ان أوصل للطالب ضرورة ان يؤمن بنفسه قبل كل شي، ولطالما تحدثت الى طلابي اننا جميعًا لدينا العوامل الفيزيائية والاجتماعية التي تشكل أهمية في حياتنا، وتؤثر في نهجنا، لكن في رسالة التعليم أعتقد انّ المعلم هو المقرر الأساسي الذي يبلور نوعية الطالب، وهو الذي "يعدي" طالبه في ايمانه برسالة العلم والتعليم، و"يعدي" الطالب في ثقته بنفسه، فالمعلم الواثق بنفسه من ناحية مهنية ويؤمن بقدرة الطالب وبقدرته عليه أن يسعى لتغيير الطالب للاتجاه الصحيح والايجابي وباستطاعة المعلم ان يساعد الطالب على الاستقلالية في التفكير وعلى الابداع، انه هو بسط الاشياء للطالب حتى يستطيع ان يتعامل معها ويفهمها، وهذا هو الأمر الأساسي والأهم من وجهة نظري في عملية التربية. وإذا لم نفهم ان الطالب لديه قدرات ويجب ان يستعملها بطريقة ايجابية، معنا ذلك اننا نتركهم خلفنا، وهذا ما يُخلِف طلابًا انهوا تعليمهم الابتدائي او الثانوية وليس لديهم مهارات وهذه مشكلة المشاكل".
مشاكل الطلاب العرب
"من بين المشاكل التي تواجه الطالب العربي هي عدم قدرته على الخروج من اطار بيئته القروية والعائلية التي يعيشها، فرغم تعليمه الأكاديمي الذي يبعده عن واجباته العائلية الا انه يظل غير قادر على اعطاء تعليمه جُلّ وقته وتراه ينشغل بالواجبات العائلية ولا يستطع ان يجد أو يخلق لنفسه جوًا تعليميًا كافيًا، وكثير من الطلاب صرحوا لي انهم لا يعرفون الدراسة في البيت، فقد ينشغل بالاجتماعيات وصحبة الأهل والأصدقاء، ما يعني ان تكون دراسته في المرتبة الثانية، إنها احد المشاكل التي تحتاج الى حل، والحل هو تنظيم الوقت، وهي عملية صعبة لم يعتد عليها طلابنا في المدارس وفي البيت، فالطالب العربي كما هي حياتنا بشكل عام، لا يوجد فيها سلم أفضليات مرتبط بعامل الوقت، لذا يتأخر طلابنا حتى في الجامعات عن تقديم وظائفهم في الوقت المحدد.
أما المشكلة الثانية والتي لا تقل أهمية عن سابقتها فهي ايجاد متهم، أو شماعة نعلّق عليها اخطاءنا، فكثيرًا ما نتهم البيت بالتقصير او القرية او رئيس المجلس او رئيس الدولة، ولا ننكر ان في الادعاء بعض من الصدق، لكننا حتى الآن لم نستطع ان نصل الى قناعة اننا يجب ان نغيّر نحنُ بأنفسنا، والفرق بين الانسان الذي يصل والذي لا يصل ليس في كمية المخ الموجود في رأسه بل هي المثابرة وأن لا نرفع أيدينا أمام العقبات، واذا ما سقط أحدنا يستطيع أن ينهض ويكمل مشواره".
فتياتنا العربيات واختيار مهنة التدريس
" اتساءل ان كانت الفتيات هن اللواتي يخترن أو يُختار لهن، وهذه مسألة تحتاج الى بحث..
ولكن بشكلٍ عام هذه الظاهرة وجودة في جميع المجتمعات، خاص أنّ هناك نظرة ان المواضيع التربوية والثقافية والاجتماعية تناسب الفتاة أكثر من الشاب، وبالتأكيد في مجتمعنا تظهر هذه النظرة بصورة جلية... وفي المجتمعات الغربية يُنظر الى المواضيع وفق وظيفة الجندر (الجنس) فالعلوم والرياضيات والتكنولوجيا، يظن البعض انها تناسب الشباب اكثر، أما الخدمات الاجتماعية والتمريض وفهي كما يتصورون تناسب الفتيات اكثر وبما فيها مهنة التدريس.
أما أنا ووفق اعتقادي فإنّ اختيار الفتيات لا ينبع حتمًا من كونهن مقتنعات او يلمن الى هذه المهن التي اخترنها او اختيرت لهن، وهذه مشكلة في التعليم العربي، فإن لم يختر الانسان مهنته كرسالة ويقتنع بها لن يؤديها كما يجب ان تؤدى. فحتى لو كان الشخص نابغة، ولا يأخذ المهنة برغبةٍ وحُبٍ شديدين فإنه لن يُقنع الآخرين، وأقصد طلابه... هذه مشكلة المشاكل في مدارسنا، والمشكلة الأخرى انّ اتجاه الفتيات الى مهنة التدريس أنتج وبطالة كبيرة، فهناك 7000 أكاديميًا لا يجد وظيفة له في صفوف المدارس".
"سنحذو حذوكِ!!!"
"انا اؤمن بشكل قاطع انّ من يسعى للعطاء ونقل الصورة الأحسن لمجمتعه، فإن المجتمع كله سيستفيد، لا اتحدث عن نفسي فقط، اتحدث عني وعنك وعن الجميع، فمن يقدم نفسه بطريقة صحيحة لمجتمعه فبالتأكيد يفيد مجتمعه. أنا لا أقيس ماذا أفعل يوميًا، وما جمعته من عملٍ وتجربة، بل اتطلع إلى طلابي الذين علمتهم في الثانوية ومن خلال ردود فعلهم عندما التقي بهم أرى، وألمس عن قرب أيُ المراكز يتبوأون ، فبينهم محامون واطباء ومهندسون وهم ليسوا بقلة..
وأيضًا من خلال عملي في الجامعة اعتقد ان الطلاب يرون بي مثالاً وعنوانًا يتوجهون اليه كلما احتاجوني، بغض النظر عن انتمائهم القومي، عربًا ويهودًا، اشعر بالفخر انني معهم، وأنني منهم، ولي مكانة خاصة للفتيات، فلطالما سمعتهم يقولن "سنحذو حذوك"، ويكفيني هذا القول، لأشعر بالراحة".
سر النجاح...
"إنّ وصولي الى مكانتي هذه، يعني لي ولغيري ان لا شيء مستحيل، وهذا ما اؤمن به، وأنا على ثقة تامة، وهي حقيقة ملموسة، انّ من يوظف جميع طاقاته في هدفٍ ما، فإنه سيصله حتمًا، وليس شرطًا ان اكون بروفيسور حتى اكون انسانًا متميزًا او ناجحًا، فكلُ شخصٍ يصل الى ما يصبو اليه وينجح فيه يستحق الاحترام، إنني اتحدث عن تحقيق الذات في أي عملٍ نحبه ونتقنه، فالبنّاء، على سبيل المثال، الذي ينجح في انجاز بيتٍ جميل، هو عظيم، واحترمه كرئيس دولة"...
جامعة عربية للفلسطينيين في الداخل!
"في الواقع الموجود اليوم ومن الامثلة التي نراها لا اظن ان مصلحة العربي في البلاد ان يكون له جامعة عربية بالنمط الموجود اليوم.
يجب الا نعمل بمستوىً يقل عن المستوى العالمي، وان لم يكن لدينا الآليات الكافية اذا ما قامت جامعة، وان لم تكن تلك الآليات وفق المحكات وأفضل المقاييس العالمية، فإنني أرفض قيام هذه الجامعة".
* ماذا تقصدين بالآليات؟!
ان نعمل بشفافية تامة، فتكون توظيفاتنا ، قبول طلابنا، تخريج طلابنا، تسيير الأمور الأكاديمية بشفافية، وبمستوىً علمي عالمي، والا فلن تكون هنالك حاجة لجامعة...
ورأيي أننا يجب اولاً ان نؤمن بهذه الاشياء ونثبتها ونطالب ان يزيد عددنا في الجامعات الموجودة، وأن يكبر عدد طلابنا ومدرسينا وليس فقط في الجامعات بل في جميع المؤسسات والجمعيات، وان نكون في مواقع اتخاذ القرار، وان نقرر نحن في مناهجنا وفي كيفية ادارة تعليمنا...
هناك يجب ان نكون نحنُ، في المكان الذي لسنا فيه... فنحنُ لا نمثّل في مواقع صنع القرار، ونسبتنا تفوق ما هو موجود... ونحن لسنا اقل من اي فئة موجودة اليوم وما يحق لغيرنا يحق لنا، ويحق لنا من خلال هذه الهيئات، على ضوء وضع التعليم العربي وما وصل اليه اليوم، فلا نريد ان نعمّق المأساة.
وطلبي انا بشكل ذاتي ان اكون ممثلة في كل هيئة تتخذ قرارًا، حتى يكون صوتي ويسمع صوتي ويلبى طلبي، وإلا أكون في الدرجة ب، لا نريد جامعة خاصة لأقليةٍ ما... ونموذج جامعة هاورد خيرُ نموذج، فالجامعة لم تصل الى ما تصبو اليه، واقتصرت على أقلية (زنوج) وهي تدرّس بالأساس مواضيع اجتماعية...
ولا انكر احتياجنا الى جامعة والى تعدديات ثقافية، لكن مسألة المستوى العلمي هي في المرتبة الأولى ويجب الا نقبل بأقل منها".
آفة العنف في المدارس
"العنف في المدارس سببه الشارع والجو الذي نعيش فيه، سببه، العنف الذي يتابعه الاولاد في الميديا طوال الوقت، وما يرونه في الشارع وفي الحارة وفي البلدة... صبيحة كل اليوم نستيقظ على حادثة اطلاق نار، سرقة، احراق سيارة... في هذه البيئة يعيش الطالب العربي... فماذا يمكنه ان يفكره أو يلمس... انه يعيش بيئة مغلقة... آفات يومية لا تنتهي، ونحنُ نخرج من البيت ونعود اليه... ثم هناك مجالسنا المحلية شبه اليائسة.. واتهاماتنا المتكررة بالشارع العربي، وتقصير الشرطة، ولا شك ان من نتهمهم مذنبون، لكن ما هو الحل في ظل ما نواجهه؟!! الحل أن نُشغل الطلاب بفعالياتٍ تربوية، بدعم المجتمع لطلابه من خلال النوادي والمكتبات والدورات المختلفة، والتربويون في المدارس يعطون ما لديهم وينقلون الرسالة، لكن الطالب في النهاية يعود الى بيته، الى جوه الاسري، والى قريته... ولا يمكن للمعلم ان يغيّر طالبًا فالطالب ليس معجونة بيد المعلم، انه يُصقل من خلال حياته اليومية... ثم ان مكانة المعلم لم تعد كما كانت، وهذا ينعكس بالتأكيد على الطالب، والحل الأنسب برأيي هو تكثيف الوسائل التربوية، وسعي الأهل لتوفير أجواء أسرية وتربوية، تعيد للمعلم احترامه، وللإنسان مكانته، وتعيد للقراءة والثقافة والاطلاع دوره، من خلال زيارة المكتبات... ولا يكتمل هذا الوضع الا بالتعاون بين أصحاب المراكز ورجال التربية وبين الأهل، لعل هذه الآفة تنتهي".
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
رفعتوا راسنا