عقدت جمعية المترجمين الأردنيين، بالتعاون مع دار الأسباط للترجمة، المؤتمر الأردني الدولي الأول للترجمة. وقد عُقد المؤتمر تحت رعاية وزارة الثقافة، واستمرت فعالياته على مدار ثلاثة أيام، فدارت يومي الثلاثاء والأربعاء الموافق 28 و29 تموز 2009 في فندق الرويال، ويوم الخميس الموافق 30 من ذات الشهر في جامعة اليرموك. افتتح جلسات المؤتمر معالي وزير الثقافة د. صبري ربيحات الأكرم؛ وتناول المؤتمر تقديم دراسات بحثية لعدد من كبار علماء الترجمة في الأردن والوطن العربي والعالم لقضية "جودة الترجمة وإدارتها"، وهي إحدى أهم القضايا المعاصرة التي تشغل بال الباحثين في علوم الترجمة.

ولأن الترجمة في أكثر الأحيان تمارس بشكل عشوائي في بلادنا، بعيداً عن المأسسة والمهنية، ارتأى المنظمون عقد مؤتمر" جودة الترجمة" ودعوا إليه كبار علماء الترجمة ومنظريها من الأردن وفلسطين وسوريا ومصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة واليمن والجزائر والمغرب، والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأستراليا. ونوقش في المؤتمر بحوث تطرقت إلى تقويم جودة الترجمة، ووجهات النظر المختلفة فيما يتصل بعملية النقل المعرفي من لغة إلى أخرى، وتم اقتراح معايير تقييم ترتكز على الدراسات التجريبية بهدف التوصل إلى فرضيات تبين مدى التفضيل بين الترجمات المختلفة. وقد قدمت الدراسات باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية.


ناقش المؤتمرون المحاور التالية؛

جودة الترجمة المتخصصة
جودة الترجمة الأدبية
جودة ترجمة النصوص الدينية
جودة المصطلحات والمعاجم
جودة الترجمة الفورية
جودة ترجمة البرامج الإعلامية والوثائقية
برمجيات الترجمة الآلية وجودتها
الجوانب القانونية (التشريعية) في نشاط الترجمة
دور الحوافز في تنشيط حركة الترجمة وتحقيق جودتها
الترجمة بين العشوائية والتخطيط


بدأت الجلسة الأولى بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، ألقى بعدها معالي وزير الثقافة كلمته، التي تحدث فيها عن فضل المترجمين ودورهم في تقدم الحركة العلمية على مر العصور. وذكّر معاليه بأهمية ما تعقده الجهات المعنية بالترجمة في الأردن وسائر أقطار الوطن العربي من مؤتمرات وندوات عديدة تتناول قضايا الترجمة تأهيلاً وتدريباً وإنتاجاً وحوسبةً وتخطيطاً؛ ودعا إلى إيلاء اللغة العربية عامة، والترجمة إليها ومنها خاصة، عناية فائقة، تطويراً للثقافة والعلم والتكنولوجيا في الوطن العربي، وإسهاماً في تحقيق التنمية الشاملة المنشودة. وأثنى على منظمي هذا المؤتمر الذي جاء ليواكب التوسع الحاصل في نشاط الترجمة في الأردن، والمتمثل في إنشاء الكثير من المعاهد والكليات الجامعية التي تدرس الترجمة، ويواكب تعطش المثقفين وسائر المواطنين لمتابعة المعرفة المستجدة باللغة القومية، مما يحتم علينا الاهتمام بقضية الجودة في الترجمة تدريساً ومصطلحاً وإنتاجاً ونشراً.


تلا كلمة معالي الوزير، إلقاء رئيس جمعية المترجمين الأردنيين د. عبد الله الشناق / عميد كلية الآداب في جامعة اليرموك، كلمة تحدث فيها عن الدور المعرفي لجمعية المترجمين الأردنيين؛ فذكر أن الجمعية تأسست سنة 1993 بصفتها أول جمعية تطوعية للمترجمين في الأردن، واستطاعت أن تطرح كيانها الثقافي محلياً وعالمياً عن طريق إصدار العديد من الكتب المتخصصة في الترجمة، وتنشيط حركة الترجمة محلياً وعربياً. وذكر الشناق أن الجمعية تأسست بسواعد نخبة من أساتذة الجامعات المهتمين في حقل الترجمة، بلغ عددهم في ذاك الحين ثمانية عشر مؤسساً، ويبلغ عدد أعضائها العاملين الآن ما ينوف عن أربعماية عضوٍ. وتهدف الجمعية إلى نشر الوعي بأهمية الترجمة وتفعيل حركتها في الأردن، بشكل خاص، وفي باقي أنحاء الوطن العربي بشكل عام، والارتقاء بهذه المهنة من خلال ضبط جودتها ورفع كفاءة المترجمين وحماية حقوقهم وتبادل المعارف والخبرات الخاصة بالترجمة. ولأن الترجمة، للأسف، تمارس في وطننا العربي في كثير من الأحيان بعيداً عن المهنية، ارتأت الجمعية أن تعقد مؤتمراً دولياً في عمان وإربد، وذلك بالتعاون مع وزارة الثقافة وجامعة اليرموك ودار الأسباط للترجمة، واختارت محوراً رئيسياً تحت مسمى: "جودة الترجمة وإدارتها" ودعت إليه كبار علماء الترجمة ومنظريها. وقال الشناق: "ولعل مؤتمرنا هذا هو أول مؤتمر يخصص لقضايا جودة الترجمة في الوطن العربي، لذلك يؤمل أن يسهم في تعميق النظر في هذه القضايا والتعريف بأهم الأدبيات والاتجاهات والمعايير والمواصفات في الموضوع والتوصل إلى توصيات وقرارات تساعد على تطوير العمل الترجمي والمصطلحي في الأردن وسائر الأقطار العربية".


الأستاذ محمد الحديدي، المدير العام لدار الأسباط للترجمة وتنظيم المؤتمرات ألقى كلمة بيّن فيها أهمية الترجمة في حفظ اللغة العربية، ودعا لنبذ الفوضى واعتماد إستراتيجية وطنية موحدة لترجمة الأعمال الجادة فقال: "لا بد من إيلاء اللغة العربية عامة، والترجمة إليها ومنها خاصة، عناية فائقة، إسهاما في تحقيق التنمية الوطنية المنشودة في أردننا الحبيب". وقد بدا لمنظمي هذا المؤتمر أن التوسع الحاصل في نشاط الترجمة في الأردن والوطن العربي، والمتمثل أساساً في إنشاء كثير من الكليات الجامعية التي تدرس الترجمة، يحتم علينا الاهتمام بقضية الجودة في الترجمة. وبشكل عام، فإن حركة الترجمة في الأردن والعالم العربي تُعاني من الفوضى والتخبط، على عكس ما يحدث في الدول المتقدمة، فلا أحد يعلم ماذا يجري في القطر الآخر، وأحياناً في القطر نفسه، لغياب الكشف الدوري للترجمة حتى ليصعب على المرء إذا رغب في ترجمة عمل ما، أن يبحث أو يستفسر في كل مكان حتى يتأكد من أن العمل المطلوب ترجمته لم يترجم من قبل، أو أنه ليس في طور الترجمة في مكان آخر على يد مترجم آخر، ولعل من أسباب ذلك غياب الرؤية الإستراتيجية حول وظيفة المترجم، وقلة المؤسسات العلمية المعنية بمهنة الترجمة. واختتم الحديدي كلمته متمنياً للحركة الثقافية الأردنية المزيد من التطور والازدهار في ظل راعي المسيرة جلالة الملك عبد الله الثاني وولي عهده الأمين حفظهما الله.


التمثيل القانوني كان حاضراً في المؤتمر، فالحقوقي الأكاديمي د. عادل عزام سقف الحيط قدم الجلسة الأولى للمؤتمر، وألقى كلمة تناولت الأهمية القومية للترجمة، ومتطلباتها، وضرورة التدخل التشريعي لتنظيمها مهنياً، وقد جاء فيما قدمه: "تحتاج الشعوبُ في نهضتها إلى الترجمة، بوصفها وسيلة نقل للتراث الفكري بين الأمم، وتبادل العلوم والتجارب التاريخية، وتنمية المعارف الإنسانية، لتواكب سيرورة الحضارة. لذا يجب بناء إستراتيجية توظَّفُ الترجمة بموجبها في الدفاع عن قضايا الأمة ومقدراتها ومبادئها، كما يجب التسليم بأن الترجمة مقياس صادق لوعي المجتمع وتقدمه، وخاصة، للعلاقة الجدلية التي تربط الترجمة بالحكم الديمقراطي، والصحافة، وحرية التعبير". وبين سقف الحيط أن الترجمة عملية فكرية ولغوية معقدة تتطلب مهارةً ودرايةً وقدرةً على الابتكار، ولتحقيق هذه الغاية على الوجه الصحيح لا بد أن يكون المترجمُ متمكّناً من ثلاث لغات هي: اللغة المترجم عنها أو لغة النص المصدري، واللغة المترجم إليها أو لغة النص الهدف، ولغة ما وراء اللغات؛ وهي امتلاك المعرفة في الحقل الذي يعمل فيه المترجم، وتسلحه بالمنهجية العلمية في تحليل الموضوع وفهمه، والقدرة على النقل الصادق، والحس النقدي، والخيال الخصب الذي يمكّن المترجم من تصور البيئة والظروف المحيطة بكاتب النص المصدري، ثم التعبير عن المعنى بلغته وإخضاع الترجمة إلى بيئته - متى تطلّب الأمر – أي توطين الترجمة. فالترجمة في جوهرها، كما أوردها، إعادة إنتاج جديد. ودعا سقف الحيط إلى ضرورة خروج المؤتمر بتوصيات تمهّد لسنّ تشريعات تنظّم مهنة الترجمة فقال: "في الأردن، يحكم وينظّم مهنة الترجمة، قانون المطبوعات والنشر الأردني رقم (8) لسنة 1998، ونظام ترخيص المطابع ودور النشر والتوزيع والدراسات والبحوث والترجمة وقياس الرأي العام لسنة 1998. وقد ورد ذكر الترجمة في القانون الأول في نص المادة الثانية، والمادة الخامسة عشرة، تحديداً، في إطار تعريف مصطلح "دار الترجمة"، وتنظيم أنموذج طلب الحصول على رخصة إنشاء الدار؛ وورد ذكر الترجمة في النظام الثاني سالف الذكر في خمس موادٍ عامة، تناولت ذات الشيء. هذا الفراغ التشريعي ترك ملاذاً مشرعاً لالتحاق مدّعي العلم بالمهنة، وتأسيس دور ترجمة تهدف إلى تحقيق كسب سريع، فحصل الكثيرون على إجازة اعتمادٍ، رغم تواضع تحصيلهم العلمي وضعف خبراتهم العملية، وعدم تمكنهم من المنهجية العلمية للترجمة، وانعدام الرؤيا الإستراتيجية؛ فكان أن أساؤوا لأنفسهم، ولحركة الترجمة في وطنهم، وللمجتهدين في ساح الترجمة الذين أعيتهم المزاحمة وأجبرتهم على تخفيض الأسعار، وبالنتيجة إبخاس المترجمين أجورهم".


وعودة إلى فعاليات المؤتمر، فقد هدَفَ المنظّمون إلى اللحاق بالركب العلمي، مع الحفاظ على الهوية اللغوية والثقافية لأمتنا، فالترجمة تكفل نقل العلوم والاستفادة منها مع الحفاظ على اللغة القومية، وتنميتها وعدم استبدالها بلغة أجنبية تمسخ هويتنا، أو تُمكِّن الثقافات الأجنبية من إضعاف وحدتنا أو تقويضِ تراثنا وثوابتنا. ولذلك تناول المؤتمرون قضية جودة الترجمة في الوطن العربي، آملين أن يسهموا بمشاركاتهم في تحليل هذه المشكلة والتعريف بأهم الأدبيات والاتجاهات والمعايير والمواصفات ذات العلاقة، وصولاً إلى توصيات تساعد على تطوير حركة الترجمة في الأردن وسائر الأقطار العربية. وهكذا قدم علماء الترجمة وناقشوا ما يقارب ثلاثين بحثاً قيماً تطرقت إلى تقييم جودة الترجمة ووجهات النظر المختلفة فيما يتصل بالترجمة نفسها، وتقديم نماذج وظيفية براغماتية لتقييم جودة الترجمة، وتقييم التطابق بين الأصل والترجمة.

الجلسات العلمية:

عقد المؤتمر سبع جلسات علمية تناولت عدة محاور تتعلق بضبط جودة الترجمة ومعاييرها وجودة الترجمة المتخصصة وجودة المصطلحات والمعاجم وجودة الترجمة الفورية ومراجعة النصوص المترجمة وتحريرها وجودة تأهيل وتدريب المترجمين، وغيرها من المحاور الهامة. وفي هذه الجلسات السبع، التي عقدت في كل من عمان وإربد، قدم أكاديميون وعلماء ترجمة من الأردن وعدد من الدول العربية والغربية ثلاثين بحثا متخصصا في جودة الترجمة، تلتها نقاشات ومداولات أثرت أفكار الأبحاث وطورتها. ولنا وقفة مع عدد من هذه الأبحاث القيمة:

الدكتور أحمد الشيخ، الأستاذ المشارك في قسم اللغة الإنكليزية وآدابها – جامعة الزرقاء، والمعار من جامعة الإسكندرية – مصر تحدث نيابة عن الوفود المشاركة فأثنى على المنظمين

لهذه الاحتفالية الرائعة والمفعمة بالاستفادة المعرفية. وقدم الشيخ بحثاً بعنوان: "تجاوز عثرات الترجمة" تحدث فيه عن المشكلات التي تواجه المترجمين والناشئة عن ارتباطهم السياسي والعقائدي، واستعانتهم بقواميس ومصادر معرفية محددة الكلمات والتعابير، كما سلط الضوء على المراحل التي تتطلبها عملية الترجمة، وتأثرها بالمكان والزمان اللذين ولدت فيهما، مما قد يجعل من الترجمة، أحياناً، أداة للتباعد بين الناس، لا جسراً يقرب الهوة بين الثقافات.


الدكتور بشير علي زندال من اليمن الشقيق تحدث عن "مدى تأثير المتلقي على جودة الترجمة"

فذكر أن الترجمة يصحبها مشاركة في التأليف؛ فالمؤلف يكتب ما يريده القارئ، أما في عملية الترجمة فالمترجم، وإن لم يكن صاحب النص، إلا أنه يغيره كما يريده متلقي الترجمة. والمترجم بهذا يقع في محنة (كما قال بول ريكور) فإما أن يعمل على تقريب المتلقي للترجمة من المؤلف، ويحافظ بذلك على هوية النص الأصلي دون مراعاة لثقافة المتلقي فيقوم بتغريب المتلقي عن بيئته وثقافته؛ وإما أن يسعى إلى تقريب المؤلف من المتلقي للترجمة، ويختار الكتابة كما ينشدها المتلقي، وفي ذلك إجحاف للأسلوب ولكاتب النص الأصلي (خيانة النص) مما يؤثر بدوره على جودة الترجمة كونها لا تراعي النص الأصلي. وتحدث زندال عن سطوة المتلقي على المترجم في كثير من التراجم منذ بداية عصر الترجمة في العصر العباسي، وساق أمثلة ضمت ترجمة النصوص التي يذكر فيها تعدد الآلهة اليونانية كالإلياذة التي ترجمت في نهاية القرن التاسع عشر على يد سليمان البستاني، وكذلك ترجمات الجاحظ التي روعي فيها ملاءمة المتلقي العربي في تلك الفترة.

الدكتور محسن عباس / قسم اللغة الإنجليزية - جامعة حلوان من مصر الشقيقة تحدث عن "جودة الترجمة الآلية في العلوم الطبية"، فقال إن الترجمة الآلية نتاج المعالجة الطبيعية للغة والتي بدأت في أوربا إبان السبعينيات، وظهرت بصفتها نتاجاً للجمع بين علوم الحاسوب وعلم اللغويات. وتعتمد جودة الترجمة الآلية الدقيقة على أساس التصنيف الفرعي الذي هو عملية إزالة غموض المعاني المختلفة لمفردة لغوية من خلال اختيار الدلالة اللغوية الصحيحة لكل معنى. وأشار عباس إلى إمكانية الحصول على ترجمة آلية ذات جودة معقولة في مجال العلوم الطبية، إلا أن إحدى القضايا الرئيسية في مجال الترجمة الآلية للعلوم الطبية هي مسألة تقييم الترجمة عن طريق العنصر البشرى؛ حيث تعتبر الأخطاء المرتكبة في هذا المجال ذات خطورة يصعب في غالب الأحيان تداركها دون خسائر تصيب صحة الإنسان، واقتصاده، ناهيك عن المشاكل القانونية التي يمكن أن تثيرها أخطاء الترجمات الطبية. وبناءً عليه أوصى عباس في ورقته بعدد من الخطوات التي يمكن اتباعها للعمل على رفع جودة الترجمة الطبية وتدارك أخطائها.


الدكتور محمد أمطوش من المغرب الشقيق ألقى بحثاً عنوانه: "تكييف استغلال الحاسوبيات وجودة الترجمة" تحدث فيه عن استعمال الوسائل المحوسبة في مسارات تعليم الترجمة، وذكر أن جهود التجهيز والاستعمال لتلك الآليات، في مدارس ومعاهد تعليم الترجمة، بقيت رهينة تصورات تربوية ناقصة وغير ملائمة، ولذلك لم تعط دوما ثمارها الموعودة؛ وانطلاقاً من تقص ميداني شمل عدة وحدات تعليمية حاول أمطوش اكتشاف أسباب ذلك الفشل، وخاصة تقييم وتقويم المعطيات ذات العلاقة بالشق التربوي في مسارات تأهيل المترجمين بهدف رفع جودة الترجمة.

الدكتور محمد الديداوي – فينا- النمسا، تحدث عن "المراجعة كترجمة: حتمية الدقة وضرورة الكتابة وزينة البيان ونشوة الإبداع" فقال إن الترجمة حصيلة منظومة متّصلة من عناصر التدريب والتحصيل المتدرّجين وخاتمة سلسلة متّسقة ومتعاقبة من عمليات اتخاذ القرار وصولاً إلى البلاغ والتبليغ بأدقّ المعاني وأجلها والبيان والتبيين بأبهى الحلل وأنصعه. كما أن المراجعة، التي هي ترجمة في الترجمة وكتابة وتعريب للبنيان، توخّيا لمنزلة وسطى بين التصرّف المنحرف بالفحوى والفكرة والتحرّف المنفّر بالحرفية والركاكة، من أركان ضبط النوعية وتدبير الترجمة. ولعل الترجمات المتعددة التي قام بها نقلة عرب فطاحلة في اللغة والأدب، أبرزهم رواد النهضة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كانوا أقرب إلى ازدواجية اللغة منهم إلى الترجمة الدقيقة الوافية، لعل تلك الترجمات مؤشرٌ ملحّ إلى ضرورة تكوين المترجم ضماناً للنوعية والدقة وسموّ اللغة، ذلك أن ترجماتهم كانت قمّة في التعبير متميّزة في السبك، مع الابتعاد عن الأصل. وفي المقابل، كثيراً ما يعجز مترجم اليوم الشاب المتكوّن، على نقيضهم، عن مجاراتهم في اللغة وهو مدقِّق بالمضمون ملتزمٌ، وفي البيان هو حرفيّ للأصل مستسلمٌ.


الأستاذ الدكتور ماجد النجار جامعة العلوم التطبيقية / الأردن ألقى بحثاً عنوانه "بين محتوى النص وشكله ووظيفته" تناول فيه المعايير التي يمكن أن نقيس بها جودة ترجمة النصوص. من حيث القناة، تنقل الترجمة بقناتين: القناة المكتوبة، والقناة الشفهية. وأوضح الدكتور أن بعض معايير جودة الترجمة الشفهية تختلف عن معايير جودة الترجمة المكتوبة؛ ففي الترجمة المكتوبة يكون الإملاء السليم شرطاً من شروط جودة الترجمة، بينما يكون النطق السليم شرطاً من شروط جودة الترجمة الشفهية. ومن حيث غرض الترجمة، يتفق المعنيون بالترجمة على أن الغرض النهائي من الترجمة هو " نقل معنى نصٍ من لغة إلى لغة أخرى نقلاً دقيقاً وأميناً". ويتألف النص من شبكة من المعاني تضم المعنى الدلالي، والمعنى المقامي (الذي يرتبط بالمعتقدات)، ويضاف إلى ذلك المعنى الجمالي والمعنى الانفعالي اللذين تتميز بهما النصوص الأدبية. من ناحية أخرى، لا يخلو المعنى، في بعض الأحيان، من جوانب لا يمكن البتّ فيها. وهذا يعني أن المترجمين لا يقرؤون نفس النص بنفس القراءة ولا يفهمونه بنفس الفهم ولا يصوغونه في اللغة المترجم إليها بنفس الشكل اللغوي. إن النص المترجم الذي نقرؤه هو في الواقع ليس نص مؤلفه الأصلي، بل هو نص انتقل إلينا عبر المترجم بحسب الطريقة التي فهمه بها وبحسب الطريقة التي صاغ بها المعنى الذي فهمه في اللغة المترجم إليها. وأضاف النجار: "لكل نص محتوى وشكل ووظيفة، ويصبح الشكل مهماً في ترجمة الأدب؛ لكن جوانب كثيرة من الشكل وعلى رأسها الشكل الصوتي، كالإيقاع والبحر الشعري والقافية والجناس والتورية، يستحيل نقلها من لغة إلى لغة أخرى. وحين تظهر جوانب في الترجمة يستحيل نقلها من لغة إلى لغة أخرى، ينبغي أن تستثنى هذه الجوانب من معايير جودة الترجمة.


الدكتور علي المنا / جامعة دورهان- بريطانيا، تحدث عن الربط بين ضمان نوعية الترجمة وجودتها، وضمان جودة ونوعية عملية الترجمة بين النصيين؛ وبيّن أنه على الرغم من ضبابية مصطلح الجودة واختلاف المفهوم من شخص لآخر، مترجماً كان أو كاتباً أو ناقداً أو قارئاً، إلا أن هناك معايير محددة يمكن قياس جودة الترجمة بها، وعرض المنا في بحثه لهذه المعايير وتطبيقاتها على النص الروائي.

التوصيات:

توجه المشاركون بأعمال المؤتمر وهم من خمسة عشر بلداً عربياً وأجنبياً بالشكر إلى المنظمين، للمساهمة في الإعداد لهذا المؤتمر الذي يعتبر الأول من نوعه في المنطقة العربية، وتوصلوا إلى التوصيات الآتية:


1 . إنشاء لجنة مصغرة من المشاركين في المؤتمر لمتابعة قضية تطوير معايير محددة ولضبط جودة الترجمة، مكونة من أ.د عبد الله الشناق وأ.د إنعام بيوض وأ.د عمر عطاري وأ.د باسل حاتم.

2 . عقد ورش عمل متخصصة في قضايا الترجمة بشكل دوري مع التركيز على الجانب التطبيقي وتنظيم أيام دراسية تعالج مواضيع محددة تهم الترجمة والمترجمين.

3. تقديم مسودة مشروع قانون ينظم مهنة الترجمة في الأردن، على أن تتضمن بنوده ضبط معايير ترخيص دور الترجمة، وضرورة حظر مزاولة مهن أخرى مع مهنة الترجمة في نفس المقر التجاري، كبيع القرطاسية وصيانة أجهزة الحاسوب وغيرها.

4. التواصل مع المعهد العربي العالي للترجمة في الجزائر واتحاد المترجمين العرب والمؤسسات المتخصصة الأخرى.

5. عقد هذا المؤتمر دورياً بالتنسيق مع الجمعيات والمؤسسات الرسمية والتأكيد على إشراك الطلبة والباحثين الشباب.

6. نشر أبحاث المؤتمر بعد تحكيمها تحكيماً علمياً في دورية الجمعية العلمية المحكمة والمتخصصة" دراسات في الترجمة"

7. استحداث مجلة علمية محكمة للباحثين حديثي العهد لطلبة الدراسات العليا والأساتذة المساعدين تصدرها الجمعية، بمساعدة أساتذة مميزين في هذا الحقل.

8. دفع رسوم تسجيل في المؤتمرات لدعم المؤتمرات والندوات.

9. تنظيم ورشات عمل تضم الأساتذة والطلبة والاستئناس في ذلك بتجربة قسم اللغويات في مركز الأبحاث في الترجمة والترجمة الشفوية جامعة ماكواير – سيدني بأستراليا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]