ليس التكريم حدثًا عابرًا في روزنامة المناسبات، ولا لحظة احتفاليّة تُقال فيها الكلمات ثم تُطوى الصفحة. التكريم الحقيقيّ هو فعلُ وعيٍ جماعيّ، ووقفة ضمير، واعتراف صريح بأنّ ثمّة إنسانًا مرّ من هنا، وترك أثرًا لا يُمحى.
هكذا كان تكريم الدكتورة روز اليوسف شعبان: أكثر من احتفال، وأعمق من مناسبة، شهادة حقّ تُكتب في سجلّ التربية والإنسان.
في طرعان، وتحديدًا في المدرسة الابتدائيّة “د”، لم تكن الدكتورة روز مديرةً بالمعنى الإداريّ التقليديّ، بل كانت روحًا ناظمة، وبوصلة أخلاقيّة، وقيادةً تربويّة واعية تدرك أنّ المدرسة ليست مبنى ولا أنظمة، بل كائن حيّ يتشكّل من البشر والعلاقات والقيم. عشرة أعوامٍ من الإدارة لم تُختزل في قرارات، بل كُتبت في التفاصيل الصغيرة: في الطالب الذي وُضع في مركز الاهتمام، وفي المعلّم الذي عومل كشريك، وفي بيئة تعليميّة آمنت بالتميّز دون أن تتخلّى عن الإنسانيّة.
جاء هذا التكريم في أجواءٍ مفعمة بالاحترام والامتنان، وبحضورٍ رسميّ وتربويّ واسع، تقدّمه رئيس المجلس المحلي السيّد مازن عدوي، ومفتّش مدارس طرعان الدكتور هاني كريدين، ومدير قسم التربية والتعليم سامي عدوي وطاقم القسم، ومحاسب المجلس المحلي محمد عدوي، إلى جانب مديري ومديرات مدارس طرعان، والشاعر سامي مهنا، والكاتب الدكتور نبيل طنوس، وعائلة المحتفى بها، وإدارة المدرسة وطاقمها التدريسيّ.
حضورٌ لم يكن بروتوكوليًّا بقدر ما كان اعترافًا جماعيًّا بأنّ ما أُنجز في هذه المدرسة هو إنجاز تربويّ ومجتمعيّ يستحق الوقوف عنده.
في الكلمات التي أُلقيت، لم تُستعرض المناصب، بل قُرئت السيرة. سيرة قيادةٍ جمعت بين الحزم والاحتواء، وبين التخطيط المهنيّ والبعد الإنسانيّ، قيادةٍ لم تُقصِ أحدًا، ولم تُلغِ الاختلاف، بل حوّلته إلى طاقة عمل. إدارةٌ رأت في التربية رسالة أخلاقيّة، لا وظيفة إداريّة، وفي المدرسة مساحة لبناء الإنسان قبل قياس التحصيل.
أما الإنجازات التي وثّقها الفيلم الذي عرضته المدرسة، فلم تكن مفاجئة لمن يعرف فلسفة هذه القيادة:
جائزة التربية والتعليم لعام 2018،
جائزة التميّز التنظيميّ وفق المعايير الأوروبيّة،
ثلاث جوائز قطريّة في البحث العلمي – المرتبة الأولى،
إضافة إلى برامج ومشاريع تربويّة نوعيّة رسّخت مكانة المدرسة على المستويين المهنيّ والقيميّ.
إنجازات لم تُصنع بالصدفة، بل وُلدت من رؤية واضحة، وإيمان عميق بأنّ الجودة ليست شعارًا، بل ممارسة يوميّة.
غير أنّ الدكتورة روز اليوسف شعبان لا تُختصر في دورها الإداريّ، مهما بلغ من التميّز. فهي أديبة من الطراز الأوّل، وكاتبة شاملة، تنتمي إلى ذلك النوع النادر من المثقّفين الذين يرون في الكلمة امتدادًا طبيعيًّا للتربية. تكتب أدب الأطفال بوعيٍ تربويّ وجماليّ يحترم عقل الطفل ويخاطب وجدانه، وتكتب الشعر بلغة شفّافة تنفذ إلى جوهر التجربة الإنسانيّة، وتبدع في القصة، وتكتب المقال بعقلٍ نقديّ ورؤية مثقّفٍ مشتبك مع قضايا مجتمعه.
في كتاباتها، لا تنفصل المعلّمة عن الأديبة، ولا الإدارة عن الإبداع. كلّ نصّ هو فعل مسؤوليّة، وكلّ كلمة تحمل أثر امرأة آمنت بأنّ الثقافة ليست ترفًا، بل شرطًا من شروط التربية السليمة، وبأنّ بناء الإنسان لا يكتمل دون جمال اللغة وصدق الفكرة.
تكريم الدكتورة روز هو، في جوهره، تكريم لقيمٍ باتت نادرة:
تكريم للقيادة الأخلاقيّة،
وللمعلّم الذي لم يُهمَّش،
وللطالب الذي لم يُختزل في رقم،
وللمدرسة التي آمنت بأنّ النجاح لا يتناقض مع الإنسانيّة.
هو تكريم لنا جميعًا، لأنّ المجتمعات لا تنهض بالخطابات، بل بالنماذج الحيّة.
والدكتورة روز اليوسف شعبان واحدة من تلك النماذج التي تعمل بصمت، وتترك أثرًا طويل المدى.
نبارك لها هذا التكريم المستحق،
ونحيّي عقدًا من العطاء الصادق والعمل الدؤوب،
ونثق بأنّ مسيرتها التربويّة والأدبيّة ما زالت قادرة على الإضافة والإلهام،
لأنّ من علّم بالحرف، وكتب بالروح،
لا يتوقّف… بل يتجدّد
[email protected]
أضف تعليق