كان المساء هادئًا في قرية كفرياسيف حين انتهى نبيل أشرف صفية، ابن الخامسة عشرة، من يوم دراسي طويل قضاه في التحضير لامتحان البيولوجيا. جلس لساعات يراجع المواد بلا توقف، قبل أن يطلب من والدته استراحة قصيرة وقال لوالده: "أبّا، بدي أطلع أتمشّى شوي".
كانت كلمات بسيطة، عابرة، من طفل يطمح أن يصبح طبيبًا. لم يتخيل أحد أنها ستكون آخر جملة يسمعها والده منه.
خرج نبيل في تمام الثامنة والثلث. بعد دقائق، رن هاتف العائلة، لكن هذه المرة لم يكن صوت نبيل على الطرف الآخر. أخوه الأصغر تلقى المكالمة التي كسرت قلب الأسرة: "أخوك مات… قتلوه".
هرع الأب، الدكتور أشرف صفية، إلى المكان. لم يعد ابنه يجيب، ولم يعد يمشي في شوارع قريته الصغيرة. نُقل إلى المستشفى في نهاريا، وهناك تلقى الأب الخبر الذي سيلازمه بقية حياته: ابنه قُتل برصاصة، رغم أنه "ضحية بريئة" وفق بيان الشرطة نفسها.
بالمكان والوقت الغلط
يقول الأب، بصوت يختلط بالغضب والانكسار:"ابني كان بالوقت الغلط والمكان الغلط. قالوا لنا إن الحل هو التربية في البيت، أن نراقب أولادنا. ابني كان يدرس، خرج يتمشّى… قُتل في وسط البلد. أنا أديت واجبي كأب وكطبيب، لكن الدولة أعطتني جثة".
كان حلم نبيل أن يسير على خطى والده ويصبح طبيب أسنان، لكنه رحل قبل أن يدخل المرحلة التي كان ينتظرها بشغف. الموت الذي خطف نبيل سبقه بأسابيع موت شابة أخرى، صباح أبو القيعان، التي قُتلت خلال ذهابها لشراء الحليب. رئيس الدولة نفسه قال إن نبيل وصباح "ضحايا أبرياء في حرب يومية لا ترحم".
237 ضحية
لكن الأرقام تتحدث بصوت أعلى: 237 قتيلًا في المجتمع العربي منذ بداية العام، ومن بينهم أطفال ونساء وشباب. معظم الجرائم لم تُحل ولم يصل أصحابها للمحاكمة. عائلات كاملة تحولت إلى أرقام، وأرقام تحولت إلى نداء استغاثة لم يسمعه أحد.
“وراء كل اسم عالم كامل انهار… ووراء كل رقم عائلة تكسّرت”، قال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، واصفًا ما يحدث بأنه "حالة طوارئ وطنية".
في قرية كفرياسيف، ما زال الحزن يخيّم على منزل آل صفية. جدران البيت تحفظ كتب البيولوجيا التي كان نبيل يدرسها، وحذاء الرياضة الذي خرج به تلك الليلة وانتعل آخر مرة. في الخارج، تبحث الشرطة عن القاتل، بينما يبحث الأب عن معنى لما حدث لابنه.
نبيل لم يكن طرفًا في صراع، لم يكن جزءًا من حسابات أحد. كان طفلًا خرج ليمشي قليلًا… فعاد محمولًا.
[email protected]
أضف تعليق