في أنفيلد، لا تُلعب المباريات فحسب، بل تُختبر الشخصية وتُصنع الحكايات. ومساء اليوم، يقف "ريال مدريد" و"ليفربول" على طرفَي معادلة متناقضة: فريقٌ وجد توازنه أخيرًا تحت قيادة تشابي ألونسو ويبحث عن تأكيد هيمنته الأوروبية، وآخر يسعى مع آرني سلوت إلى استعادة نفسه وسط "العواصف" المحلية. Advertisement الملعب العريق سيشهد مواجهة يتقاطع فيها المجد بالتحدي، حيث يضع كيليان مبابي ومحمد صلاح توقيعهما على واحدة من الليالي التي قد تغيّر مسار الموسم الأوروبي بأكمله. مدّ وجزر بين القطبين في الموسم الماضي، نجح "ليفربول" في فك عقدة "الريال" التي لازمته طيلة 8 مواجهات متتالية، وخرج فائزًا بثنائية نظيفة أمام جماهيره، واضعًا حدًا لسلسلة طويلة من الخيبات. ذلك الفوز شكّل نقطة تحوّل في مسار "الريدز" مع مدربه الهولندي آرني سلوت، الذي قاد الفريق نحو موسم استثنائي تُوّج فيه بلقب الدوري الإنكليزي الممتاز، رغم خروجه المبكر من البطولة القارية أمام " باريس سان جيرمان" الفرنسي. أما "الملكي"، فكان يعيش أحد أكثر مواسمه اضطرابًا في العقد الأخير، حيث عجز عن التتويج بأي لقب محلي أو أوروبي، ما عجّل برحيل الإيطالي كارلو أنشيلوتي واستقدام ألونسو، نجم الفريق السابق الذي حمل معه روحًا جديدة ومشروعًا تكتيكيًا أعاد لـ "الميرنغي" توازنه. "ريال مدريد" الجديد: مشروع يزدهر بسرعة تحت قيادة تشابي ألونسو، استعاد "ريال مدريد" هويته المفقودة، وبات يقدّم كرة قدم متزنة تجمع بين الواقعية والجرأة. وصول الفرنسي مبابي منح الفريق بُعدًا هجوميًا خارقًا، إذ ساهم النجم الفرنسي في 20 هدفًا هذا الموسم (18 تسجيلًا وتمرّيرتين حاسمتين)، وكان حاضرًا في كل المواعيد الكبرى، خصوصًا أمام "برشلونة" حين قاد فريقه إلى الفوز وتوسيع الفارق في الصدارة. لكن رغم الوهج الهجومي، يواجه "ريال مدريد" مأزقًا دفاعيًا في مباراة أنفيلد، بغياب الرباعي داني كارفاخال، أنطونيو روديغر، دافيد ألابا، وفرانكو ماستانتونو. هذه الغيابات قد تُربك خطط ألونسو، وإن كانت الخيارات البديلة مثل فينيسيوس جونيور، رودريغو، وإبراهيم دياز تمنحه مرونة هجومية كافية لمجاراة ضغط "ليفربول" على أرضه. "ليفربول" بين الشك والطموح في المقابل، يبدو أن بريق "ليفربول" بدأ يخفت في الأسابيع الأخيرة بعد انطلاقة مثالية شهدت خمسة انتصارات متتالية في "البريميرليغ"، قبل أن يتلقى أربع هزائم متتابعة أطاحت به إلى المركز الثالث خلف "آرسنال" و"مانشستر سيتي". آرني سلوت يدرك حجم التحدي، خصوصًا في ظل غياب أليسون بيكر، ألكسندر إيزاك، وجيريمي فريمبونغ. لذلك راهن المدرب الهولندي على سلاح أنفيلد وجماهيره، داعيًا إياهم إلى الحضور والمساندة كما فعلوا أمام "أستون فيلا"، مؤكدًا أن الفريق بحاجة إلى الطاقة الجماهيرية لاستعادة الثقة. أما محمد صلاح، فيدخل المواجهة بنغمة متناقضة. فالنجم المصري يعيش واحدة من أضعف بداياته الرقمية (8 مساهمات تهديفية فقط في 14 مباراة)، لكنه أظهر بوادر انتفاضة بتسجيله في آخر مباراتين. صلاح يدرك أن مواجهة "الريال الأبيض" دائمًا ما تُعيده إلى دائرة الضوء، وربما تكون أنفيلد فرصة جديدة لإعادة كتابة البداية. صدام الرموز وملعب الذكريات المباراة تحمل رمزية خاصة، ليس فقط بسبب التاريخ الطويل بين الناديين (12 مواجهة سابقة فاز "الريال" بسبع منها مقابل أربع لـ "الريدز")، بل لأنها تأتي في توقيتٍ متناقض تمامًا بين الطرفين. "ريال مدريد" يعتلي الصدارة الأوروبية بثلاثة انتصارات متتالية و9 نقاط، فيما يقبع "ليفربول" في المركز العاشر برصيد 6 نقاط، ويحتاج للفوز لإنعاش آماله في التأهل قبل جولتين من ختام مرحلة المجموعات. إذًا الليلة في أنفيلد لن تكون مجرّد مباراة في جدول دوري الأبطال، بل اختبار للهوية والقوّة الذهنية بين فريقين تغير مسارهما في عام واحد. فـ "الريال" بقيادة ألونسو يسعى لتأكيد أن مشروعه الجديد ليس مجرّد طفرة عابرة، بل استمرار لإرثه الأوروبي المتجذر، بينما يبحث "ليفربول" عن ولادة جديدة تخرجه من مرحلة الشك وتعيده إلى موقعه الطبيعي بين كبار القارة. الزمن قد غيّر الموازين، لكن ملعب أنفيلد لا يعترف بالمنطق دائمًا... وربما يكتب التاريخ من جديد.
[email protected]
أضف تعليق