لم يكن العاملان في المجال الانساني رنا الفقيه وعمر علقم يدركان أن مكالمة هاتفية عابرة ستتحول إلى رمز عالمي للإنسانية وسط حرب الإبادة في قطاع غزة. الفقيه، العاملة في المقر الرئيسي لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بمدينة البيرة، كانت على الطرف الآخر من الخط حين اتصلت الطفلة الغزية هند رجب، تستنجد بعد أن أبيدت عائلتها بالكامل في حي الزيتون شرق غزة مطلع شباط/ فبراير العام الماضي.

حاول عمر وهو متطوع في غرفة العمليات المركزية في الهلال الأحمر وزميلته رنا منسقة غرفة العمليات المركزية في الهلال الأحمر سابقا، طوال دقائق طويلة تهدئة الطفلة وزرع الأمل في صوتها وسط دوي القذائف والانفجارات، لكنها بقيت تسمع أنفاسًا مرتجفة تتلاشى حتى انقطع الخط. وبعد 12 يوما، عُثر على جثمان هند شهيدة، وقد سطّر العالم اسمها كأيقونة للبراءة الفلسطينية المنتهكة.

تقول الفقيه في تصريحات لـ"بكرا": "كنت أحاول أن أكون صوت الأمل لها، رغم شعوري بالعجز التام، لم أشعر بمثل هذا الألم من قبل، كنت اركز مع هند بشكل تام كنت اسمع صوت الدبابات وضرب الرصاص والزنانة في السماء... كانت هند ترجف وتبكي وهي تتحدث إلي".

الإمانة تعالي خذيني

وتضيف: "لم اتمالك نفسي كنت ابكي وانا اتحدث إليها كانت تقول لي "بالامانة تعالي خذيني" حاولت تهدئتها وحاولت تطمينها، كانت تقول أنها خائفة، واتذكر وهي تتحدث إلي كانت تقول أن الدبابة تمشي باتجاهي وكانت تبكي بشدة وفجأة فصل خط الهاتف.. ظننتها أنها توفيت مثل إبنة عمها الطفلة ليان الي قتلت معها".

وتضيف" حاولت والزملاء الاتصال مجددا ووجدناها تجيب وانها لا تزال على قيد الحياة... هنا كانت تطلب ان لا اتركها وان ابقى معها على الخط، وعند حلول المساء قالت هند إنها تشعر بخوف شديد جراء حلول الظلام وبقينا نتحدث، وكانت تقول لي أن كل اهلي الموجودين في السيارة معي ناموا لم تدرك انهم قتلوا جميعا".

وتتابع قائلة: "طلبت من هند ان تقرأ صورة الفاتحة ولعبنا لعبة الغميضة بحلول الظلام لتشجيعها على عدم الخوف من الظلام وثم انقطع الاتصال، وبقي منقطعا 12 يوما لحين انسحاب قوات الاحتلال من المنطقة حيث ذهبت الطواقم إلى الموقع على امل وجود احياء فوجدت هند وجميع عائلتها قد استشهدوا، وكذلك المسعفان احمد ويوسف الذين حضرا لإنقاذ هند".

عن الفيلم 

وتقول رنا: " إن الفلم الإنساني الذي عرض في مهرجان البندقية يمثل جريمة من مئات الجرائم التي ارتكبها الاحتلال، وهند لم تكن حالة منفردة، بل واحدة من مئات الأطفال الذين فقدوا حياتهم بلا ذنب في غزة والضفة الغربية، صوت هند هو رسالة لكل أطفال العالم".

وتختم رنا حديثها بالقول " مش انا الي كنت مع هند... هند كانت معي ولا تزال حتى اليوم لا يغيب صوتها عني يطاردني اتذكرها لن انسى معاناتها وهي تتنتظر حتفها برصاص محتل لا يرحم".

القصة ألهمت صانعي فيلم وثائقي بعنوان "صوت هند"، الذي حظي باهتمام دولي واسع، وتُوّج مؤخرًا بجائزة الأسد الفضي في مهرجان البندقية السينمائي بإيطاليا، ليعيد تسليط الضوء على الجرائم بحق الأطفال في فلسطين، ويضع صوت رنا الفقيه وعمر علقم في الواجهة باعتباره الشاهد الإنساني الأول على اللحظة الأخيرة من حياة هند.

ويستعرض الفيلم تفاصيل المكالمة الهاتفية، ويُظهر معاناة المسعفين في الوصول إلى المواقع المستهدفة وسط القصف، ويعتمد على التسجيل الصوتي الأصلي للمكالمة، التي اعتُبرت شهادة حية على الإرهاب المنهجي الذي يتعرض له الأطفال الفلسطينيون.

حزن وفخر 

ويقول عمر علقم : " انا شاهدت الفيلم كان شعور مؤثر جدا خليط بين الحزن والفخر الفخر ان قصتها وصلت للعالم والحزن انها خسرت حياتها والتصفيق للفلم كان لكل الشعب الفلسطيني وليس لهند لوحدها".

وقال قدمت شهادتي وتجربتي الشخصية وكان واجب انساني ان نشارك الحقيقة ونصلها للعالم ويوم مكالمتي مع هند رجب يوم محفور في قلبي لابد الآبدين فقدنا طفلة بريئة وصوت هند امانة ومسؤولية يجب ان ننقل قصتها لكل العالم".

وتابع علقم قائلا إن الفلم يثبت ان كل انسان له صوت وحلم وقصة هند تؤكد أن لنا وحوه وذكريات وعائلات والفلم ليس تكريم لهند بل رسالة امل ومسؤولية امل ان يسمع العالم الحقيقة ومسؤولينا ان ننقل هذه القصص ونمنع ضياعها".

وبحسب تقارير رسمية فلسطينية، ارتقى منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي الشامل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 ارتقى أكثر من 20 ألف طفل في قطاع غزة، فيما ارتقى نحو 140 طفلًا في الضفة الغربية بما فيها القدس برصاص الجيش الإسرائيلي أو خلال اقتحاماته المستمرة.

وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى وقوع أكثر من 1,200 انتهاك ضد الأطفال منذ بداية 2025، تشمل القتل والإصابة والاعتقال والتهجير القسري. هذه الأرقام تكشف حجم المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وتجعل من قصة هند ورواية رنا الفقيه شهادة حيّة على معاناة لم تتوقف.

سوريا وفلسطين 

رنا الفقيه، من بلدة قطنة شمال غرب القدس، تعمل في وحدة الكوارث والطوارئ بجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وتُعرف بتفانيها في العمل الإنساني، حيث شاركت في مهام إغاثية داخل فلسطين وخارجها، بما في ذلك فرق الإغاثة التي توجهت إلى سوريا وتركيا بعد الزلازل والكوارث الطبيعية.

وتقول الفقيه إن تجربتها مع هند تركت أثرًا نفسيًا عميقًا، لكنها عززت لديها الشعور بالمسؤولية تجاه الأطفال الأبرياء، مؤكدة أن "العمل الإنساني الفلسطيني هو رسالة للعالم بأن الإنسانية يمكن أن تصمد رغم كل الدمار والحصار".

عُرض فيلم "صوت هند" في مهرجان البندقية السينمائي الدولي 2025، وحصد جائزة الأسد الفضي، وسط تفاعل واسع من الحضور الذين وقفوا تقديرًا للصوت الفلسطيني، ولمعاناة الطفلة هند، ورسالة رنا الفقيه الإنسانية.

وقالت لجنة التحكيم: "الفيلم يوثق لحظة مؤلمة من تاريخ غزة، ويقدم شهادة إنسانية غير مسبوقة على صمود الأطفال والمسعفين". وأوضح المخرج الفلسطيني أن الفيلم لا يعرض مشاهد عنف مباشرة، لكنه يستخدم التسجيل الصوتي والمشاهد الوثائقية لتسليط الضوء على الواقع الذي يعيشه الأطفال الفلسطينيون.

معاناة اطفال غزة 

وتقول نبال فرسخ-المتحدثة باسم الهلال الأحمر الفلسطيني، قصة الطفلة هند هي رمز يجسد معاناة المدنيين في قطاع غزة وتحديدا الأطفال وتجسد الاستهداف الممنهج للعاملين في القطاع الإنساني وهي المكالمة الأطول في تاريخ الهلال الأحمر الفلسطيني وهي أطول مكالة استغاثة وللأسف رغم التنسيق المسبق مع قوات الاحتلال قام باستهداف مركبة الإسعاف التي توجهت لإنقاذ الطفلة هند واسشهد الزميلين يوسف زينو واحمد المدهون فور وصولهم لموقع الحدث لنفجع بعد 12 يوميا بموت هند وعائلتها والمسعفين.

وقالت انه منذ اليوم الأول للحرب على قطاع غزة والجيش يستهدف بشكل متعمد طواقم الهلال الأحمر الفلطسيني ومنشآت الهلال الأحمر ومستشفياته وحتى هذه اللحظة استشهد 54 من طواقم الجمعية في قطاع غزة، وهم يرتدون شارة الهلال الأحمر التي يفترض ان توفر لهم الحماية، ونحن نناشد العالم بضرورة التحرك بشكل فوري وعاجل لتوفير الحماية للمدنيين وطواقمنا العاملة في قطاع غزة وكل العاملين في مجال العمل الإنساني وفق القانون الدولي الإنساني ولكن الاحتلال لا يحترم القانون الدولي الإنساني".

كم يجب أن يُقتل

وختمت فرسخ قائلة "السؤال ان كانت جريمة مثل جريمة الطفلة هند رجب وراح ضحيتها مسعفين يحاولون انقاذها وإنقاذ عائلتها ومرت مرور الكرام دون محاسبة، كم مسعف وكم طبيب وكم عامل في المجال الإنساني يجب أن يقتل حتى يتحر العالم لوقف جرائم الاحتلال بحق الأطباء والمسعفين والشعب الفلسطيني".

قصة رنا وعمر والطفلة هند رجب تظهر الوجه الإنساني للمسعفين الفلسطينيين، الذين يعملون في ظروف قاسية، ويضحون بحياتهم من أجل تقديم العون للآخرين. فوز فيلم "صوت هند" بجائزة الأسد الفضي هو اعتراف عالمي بمعاناة الأطفال الفلسطينيين وبجهود الأفراد الذين يسعون لتوثيق هذه المأساة، لتذكير العالم بأن صوت الأمل يمكن أن ينبعث حتى في أحلك اللحظات، وأن وراء كل رقم إنساني هناك حياة تضيع وسط الحروب.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]